Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 260-260)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } ؛ تقديرُ الآية : ألَمْ ترَ إذ قالَ إبراهيمُ ؛ ويقال : وَاذْكُرْ إذ قالَ إبراهيمُ . قال ابنُ عباس : ( ( سَبَبُ هَذِهِ الْقِصَّةِ : أنَّ إبْرَاهِيْمَ عليه السلام مَرَّ بجِيْفَةٍ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ ، تَنْقَضُّ عَلَيْهَا طُيُورُ السَّمَاءِ فَتَأْخُذُ مِنْهَا بأَفْوَاهِهَا فَتأْكُلُهُ ، وَيَسْقُطُ مِنْ أفْوَاهِهَا فِي الْبَحْرِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ الْحِيْتَانُ ، وَتَجِيْءُ السِّبَاعُ فَتَأْخُذُ مِنْهُ عُضْواً . فَوَقَفَ مُتَعَجِّباً ! ! وَقَالَ : { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن } أيْ أوَلَمْ تُصَدِّقْ بأَنِّي أُحيْي الْمَوْتَى ؟ { قَالَ بَلَىٰ } عَرَفْتُ ، وَلَكِنْ أحْبَبْتُ أنْ أعْلَمَ كَيْفَ تُحْيي هَذِهِ النَّفْسَ الَّتِي أرَى بَعْضَهَا فِي بُطُونِ السِّبَاعِ ؛ وبَعْضَهَا فِي بُطُونِ الْحِيْتَانِ ؛ وَبَعْضَهَا فِي حَوَاصِلِ الطَّيْرِ . فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } ) . وَقيل : معنى { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } أي لِيَسْكُنَ قلبي أنكَ أعطيتني ما سألتُكَ . وقيل : إنك اتَّخَذْتَنِي خليلاً . { قَالَ } ؛ اللهُ تعالى : { فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً } ؛ وذلك أنَّ إبراهيم عليه السلام لما مرَّ بالجيفةِ وقد توزَّعَتها الطيورُ والسباع والحيتانُ ، تعجَّبَ وقال : يا رب قد علمتُ بأنكَ تجمعُها من بطونِ السباع وحواصلِ الطير وبطونِ الحيتان ، فأرنِي كيفَ تُحْييْهَا لأُعَاينَ ذلك فأزدادُ يقيناً ؟ قال اللهُ تعالى لهُ : { أوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى } يا رب آمنتُ وليس الخبرُ كالمعاينةِ والمشاهدة . وقال ابنُ زيد : ( مَرَّ إبْرََاهِيْمُ عليه السلام بحُوتٍ مَيْتٍ نِصْفُهُ فِي الْبَحْرِ وَنِصْفُهُ فِي الْبَرِّ ، فَمَا كَانَ فِي الْبَحْرِ فَدَوَابُّ الْبَحْرِ تَأْكُلُهُ ، وَمَا كَانَ فِي الْبَرِّ فَدَوَابُّ الْبَرِّ تَأْكُلُهُ ، فَقَالَ إبْلِيْسُ لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِ : يَا إبْرَاهِيْمُ ، مَتَى يَجْمَعُ اللهُ هَذَا مِنْ بُطُونِ هَؤُلاَءِ ؟ ! فَقَالَ : { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ * قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } بذَهَاب وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَيَصِيْرُ الشَّيْطَانُ خَاسِئاً صَاغِراً ) . وروي أنَّ نَمرودَ قال لإبراهيم : أنتَ تزعمُ أن ربكَ يحيي الموتى وتدعونِي إلى عبادتهِ ، فقُل له يُحيي الموتَى إنْ كَان قادراً ، وإلاَّ أقتلُكَ . فقالَ إبراهيمُ : { رَب أرنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى * قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ } بأني أُحييهم ، فـ { قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } بقوةِ حُجَّتي ونَجاتي من القتلِ ، فإنَّ عدوَّ اللهِ توعدَّني بالقتلِ إن لَمْ تُحيي لهُ ميتاً . وقال ابنُ عباس وابن جبيرٍ والسديُّ : ( لَمَّا اتَّخَذَ اللهُ إبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً ، سَأَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ رَبَّهُ أنْ يَأْذَنَ لَهُ فَيُبَشِّرَ إبْرَاهِيْمَ بذَلِكَ فَأَذِنَ لَهُ ، فَأَتَى إلَى إبْرَاهِيْمَ وَقَالَ : يَا إبْرَاهِيْمُ ، جِئْتُ أُبَشِّرُكَ بَأَنَّ اللهَ اتَّخَذَكَ خَلِيْلاً ، فَحَمَدَ اللهَ تَعَالَى ؛ وَقَالَ : مَا عَلاَمَةُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : أنْ يُجِيْبَ اللهُ دُعَاءَكَ وَيُحْيي الْمَوْتَى بسُؤَالِكَ . ثُمَّ انْطَلَقَ مَلَكُ الْمَوْتِ ، فَقَالَ إبْرَاهِيْمُ : { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ * قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } أيْ لِيُعْلَمَ أنَّكَ تُجِيْبُنِي إذَا دَعَوْتُكَ . وَتُعْطِيَنِي إذَا سَأَلْتُكَ وَإنَّكَ اتَّخذْتَنِي خَلِيْلاً ) . روى أبو هريرةَ قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " يَرْحَمُ اللهُ إبْرَاهِيْمَ عليه السلام نَحْنُ أحَقُّ بالشَّكِّ مِنْهُ " يعني إنَّما شكَّ إبراهيمُ أيُجيبه ربهُ إلى ما سألَ أم لاَ ؟ قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ } مختلفةً أجناسُها وطِباعُها ليكونَ أبلغ في القدرةِ ، وخصَّ الطيرَ من سائرِ الحيوان لخاصيَّة الطيران . واختلفوا في تلكَ الأربعةِ من الطيور ؛ فقال ابنُ عباس : ( أخَذَ طَاوُوساً وَنَسْراً وَغُرَاباً وَدِيْكاً ) . وقال مجاهدُ وابن جُريج : ( أخَذَ غُرَاباً وَدِيْكاً وَطَاوُوساً وَحَمَامَةً ) . وعن أبي هريرةَ : ( أنَّهُ أخَذَ الطَّاوُوسَ وَالدِّيْكَ وَالْغَرْنُوقَ وَالْحَمَامَةَ ) . وقال عطاءُ : ( أخَذَ قَطَاةً خُضْراً وَغُرَاباً أسْوَداً وَحَمَامَةً بَيْضَاءَ وَدِيْكاً أحْمَرَ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } قرأ عليٌّ رضي الله عنه وأبو الأسودِ والحسن وعكرمةُ والأعرج وشيبةُ ونافعُ وابنُ كثير وابنُ عامر وعاصمُ والكسائيُّ وأبو عمرٍو ويعقوبُ وأيوبُ : ( فَصُرْهُنَّ ) بضمِّ الصاد ، معناهُ : أمِلْهُنَّ إليكَ . يقال : صِرْتُ الشيءَ أصُورُهُ ؛ أي أمَلْتُهُ . ويقال : رَجُلٌ أصْوَرٌ إذا كان مَائِلَ العُنُقِ . ويقال : إني إليكم لأَصُورُ ؛ أي لَمَائِلٌ مشتاقٌ ، وامرأة صَوْرَاءُ أي مشتاقةٌ مائلةٌ . قال الشاعرُ : @ اللهُ يَعْلَمُ أنَّا فِي تَلَفُّتِنَا يَوْمَ الْفِرَاقِ إلَى جِيْرَانِنَا صُوَرُ @@ وقال عطاءُ والْمَوْرَجُ وعطيةُ : ( مَعْنَى { فَصُرْهُنَّ } أي اجْمَعْهُنَّ وَاضْمِمْهُنَّ إلَيْكَ ) . يقال : صَارَ يَصُورُ صَوْراً إذا جُمِعَ . قال أبو عبيدٍ وابنُ الأنباري : ( مَعْنَى { فَصُرْهُنَّ } أيْ قَطِّعْهُنَّ وَمَزِّقْهُنَّ ، يُقالُ : صَارَ يَصِيْرُ صَيْراً إذا قُطِّعَ ؛ وَانْصَارَ الشَّيْءُ يَنْصَارُ انْصِيَاراً إذا انْقَطَعَ ) . وأنشدَ بعضُهم بيتاً في اللُّغْزِ : @ وَغُلاَمُ رََأيْتُهُ صَارَ كَلْباً ثُمَّ فِي سَاعَتَيْنِ صَارَ غَزَالاً @@ أي قَطَعَ . وقرأ علقمةُ وسعيد بنُ جبيرٍ وقتادةُ ويحيى بن وثَّاب والأعمشُ وخلفُ : ( فَصِرْهُنَّ ) بكسرِ الصَّاد ، معناهُ قَطِّعْهُنَّ . قال أبو العباسِ السرَّاجُ : ( هُمَا لُغَتَانِ لِلْعَرَب ) . وعنِ ابنِ عباسٍ روايتان ؛ إحدَاهما : ( فَصَرِّهِنَّ ) مفتوحة الصاد مشدَّدة الراءِ مكسورة من التَّصْرِيَةِ وهي الجمعُ ومنه الْمُصَرَّاةُ . والأُخرى : ( فَصُرَّهُنَّ ) بضم الصاد وفتح الراءِ والتشديدِ من الصَّرِّ وهي في معنى الجمعِ . فمَن تأوَّلَهُ على القطعِ والتمزيق ففيه تقديمٌ وتأخير ، تقديرهُ : فخُذْ أربعةً من الطيرِ إليكَ ، فَصَرِّهِنَّ . ومن تأوَّلَهُ على الضمِّ والإمالة ؛ ففيه إضمارٌ معناه : فَصُرَّهُنَّ إليكَ ثم قطِّعهن ، فحذفهُ واكتفى بقولهِ : { ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا } لأنه يَدُلُّ عليه ، وهذا كما قالَ : خُذْ هذا الثوبَ واجعل منه على كلِّ رُمْحٍ عَلَماً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا } لفظهُ عامٌّ ومعناهُ خاصٌّ ؛ لأنَّ { أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ } لا تبلغُ الجبالَ كلَّها ، ولا كانَ إبراهيمُ يَصِلُ إلى ذلك ، وهذا كقولهِ تعالى : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [ النمل : 23 ] وقولهِ : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأحقاف : 25 ] . وقولهِ : { جُزْءًا } قُرئ برفعِ الزاء مثقل بالهمزةِ مخفَّفاً وهي لغاتٌ . وقالَ المفسرون : أمرَ اللهُ إبراهيمَ أن يذبحَ تلك الطيور وينتفَ ريشها ويقطِّعها ويفرِّق أجزاءَها ويخلطَ ريشها ودماءَها ولحومها بعضُها ببعض ، ففعلَ إبراهيمُ ذلك ، ثم أُمر أن يجعلَ أجزاءَها على الجبالِ . واختلفوا في عددِ الأجزاء والجبالِ ، فقال ابنُ عباس وقتادةُ والربيع : ( أُمِرَ أنْ يَجْعَلَ كُلَّ طَائِرٍ أرْبَعَةَ أجْزَاءٍ ثُمَّ يَعْمَدَ إلَى أرْبَعَةِ أجْبُلٍ ، فَيَجْعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ رُبُعاً مِنْ كُلِّ طائرٍ ، ثُمَّ يَدْعُوهُنَّ : تَعَالَيْنَ بإذنِ اللهِ ) . وهذا مثلٌ ضربهُ الله لإبراهيم وأرَاهُ إيَّاهُ ، يقول : كما بعثتُ الطيورَ من هذه الجبالِ الأربعة يُبْعَثُ الناسُ يومَ القيامة من بقاعِ الأرضِ ونواحيها . وقال ابنُ جُريج والسديُّ : ( جَزَّأهَا سَبْعَةَ أجْزَاءٍ وَوََضَعَهَا عَلَى سَبْعَةِ أجْبَالٍ ، وَأمْسَكَ رُؤُوسَهُنَّ عِنْدَهُ ثُمَّ دَعَاهُنَّ : تَعَالَيْنَ بإذْنِ اللهِ ، فَجَعَلَ الرِّيْشَ كُلَّ ريْشَةٍ تَطِيْرُ إلَى الأُخْرَى ، وَكُلَّ قَطْرَةٍ مِنَ الدَّمِ تَطِيْرُ إلَى الأُخْرَى ، وَكُلَّ عَظْمٍ يَطِيْرُ إلَى الآخَرِ ، وَكُلَّ قِطْعَةٍ تَطِيْرُ إلَى الأُخْرَى ، وَإبْرَاهِيْمُ يَنْظُرُ حَتَّى الْتَقَتْ كُلُّ جُثَّةٍ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى سَوَّاهُنَّ اللهُ تَعَالَى . ثُمَّ جِئْنَ يَسْعَيْنَ عَلَى أرْجُلِهِنَّ بغَيْرِ رُؤُوسٍ ، فَعَلَّقَ عَلَيْهِنَّ إبْرَاهِيْمُ رُؤُوسَهُنَّ ) . واختلفوا في معنَى السَّعي ؛ قال بعضُهم : هو الإسراعُ في المشي . وقال بعضُهم : مَشْياً على أرجُلِهن . والحكمةُ في المشيِ دون الطيرانِ كونهُ أبلغُ في الحجَّةِ وأبعدُ من الشبهة ؛ لأنَّها لو طارت لَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أنَّها غيرُ تلك الطيور ، أو أنَّ أرجُلَها غيرُ سليمةٍ . قال أبو الحسنِ الأقطعُ : ( صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ : " لِكُلِّ آيَةٍ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ " فَظَاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ ، وَبَاطِنُهَا أنَّ إبْرَاهِيْمَ أُمِرَ بذَبْحِ أرْبَعَةِ أشْيَاءَ فِي نَفْسِهِ بسِكِّيْنٍ اليأس كَمَا ذَبَحَ فِي الظَّاهِرِ الأَرْبَعَةَ الطُّيُورَ بسِكِّيْنِ الْحَدِيْدِ ، فَالنَّسْرُ مُثِّلَ لِطُولِ الْعُمْرِ وَالأَمَلِ ؛ وَالطَّاوُوسُ زيْنَةُ الدُّنْيَا وَبَهْجَتِهَا ، وَالْغُرَابُ الْحِرْصُ ؛ وَالدِّيْكُ الشَّهْوَةُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ؛ أي غالبٌ على كلِّ شيءٍ لا يَمتنع عليهِ ما يريدُ ؛ { حَكِيمٌ } فيما يريدُ لا يفعلُ إلا ما فيهِ حكمةٌ ، قال بعضُهم : كانت هذه القصةُ قبلَ أنْ يولَدَ لإبراهيمَ ولدٌ ؛ وقبل أن تَنْزِلَ عليه الصُّحفُ ، وكان يومئذٍ ابنَ خمسٍ وتسعين سنةً .