Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 261-261)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ } ؛ وجهُ اتصالِ هذه الآية بما قبلَها آيةٌ أخرى فيما تقدَّمَ ذكرُ النفقةِ في الجهادِ بقولهِ تعالى : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] ، ثم ذكرَ ما كان مِن مسألةِ قوم أشمويل مِن الله أن يبعثَ له مَلِكاً يقاتلون معه أعداءَهم ، وكانت الغلبةُ لهم مع قلَّةِ عددهم ، ثم عقَّبَهُ الله تعالى بذكرِ أمورٍ تدلُّ على واحدانيَّته ، فبيَّنَ أنَّ الكُفْرَ بعد هذهِ الآيات أعْظَمُ وأشْنَعُ ، فمن كَفَرَ بعد هذا فقاتِلُوه وأنفِقُوا في القتال ، فإنَّ النفقةَ في القتالِ تكونُ بسبعمائةٍ . وعنِ ابنِ عبَّاس : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَالَّتِي بَعْدَهَا فِي شَأْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّان وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا . أمَّا عُثْمَانُ فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَقَالَ : عَلَيَّ جِهَازُ مَنْ لاَ جِهَازَ لَهُ ، وَأشْتَرِي بئْرَ رُومَةَ وَأجْعَلُهَا سَبيْلاً لِلْمُسْلِمِيْنَ . وَأمَّا عَبْدُالرَّحْمَنِ فَكَانَ لَهُ ثَمَانِيَةُ آلاَفٍ ، فَجَاءَ بأَرْبَعَةِ آلاَفٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إنَّ لِي ثَمَانِيَةَ آلاَفٍ ؛ أمْسَكْتُ نِصْفَهَا لِنَفْسِي وَلِعِيَالِي ؛ وَأقْرَضْتُ نِصْفَهَا لِرَبي وَهِيَ هَذِهِ . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيْمَا أمْسَكْتَ وَفِيْمَا أعْطَيْتَ " وَأمَرَ بهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُبضَتْ مِنْهُ ) . ومعنى الآية : صفةُ { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي } طاعةِ الله كصِفَةِ { حَبَّةٍ } أُلقيت في الأرضِ وأخْرَجَتْ { سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ } أي كما تكونُ الحبَّة واحدةُ والمكتسبُ منها سبعمائة ، فكذلك النفقةُ تكون واحدةً والمكتسبُ بها سبعمائةِ ضِعْفٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ } ؛ أي كما يُضَاعِفُ اللهُ في زرع الزُّرَّاعِ الحادثِ من البَذْر الجيِّد في الأرضِ العامرةِ ، كذلك يُضَاعِفُ للمرءِ الصالحِ ثوابَ صدقتهِ بالمالِ الطيِّب إذا وضعَهُ في موضعهِ . يضاعفُ لمن يشاءُ من السَّبْعِ إلى السَّبعين إلى سبعمائة إلى مائةِ ألْفٍ إلى ما شاءَ الله من الأضعافِ مِمَّا لا يعلمهُ إلا هو . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } ؛ أي غَنِيٌّ بتلك الأضعافِ { عَلِيمٌ } بمَنْ يُنْفِقُ . وقيل : معناهُ : { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ } الفضلِ ، جَوَادٌ لا ينقصهُ ما يتفضَّل به من السَّعَةِ والمضاعفةِ ؛ { عَلِيمٌ } بمن يستحقُّ الزيادةَ . والفائدةُ في تخصيصِ السبع في الآيةِ ما قالوا : إنَّ السَّبْعَ أشرفُ الأعدادِ كما روي عنِ ابن عبَّاس أنه قالَ : ( كَادَتِ الأَشْيَاءُ تَكُونُ كُلُّهَا سَبْعاً ؛ فَإنَّ السَّمَاواتِ سَبْعٌ ؛ وَالأَرْضُونَ سَبْعٌ ؛ وَالْكَوَاكِبَ السَّيَّارَةَ سَبْعٌ ؛ وَالْبحَارَ سَبْعَةٌ ؛ وَأَيَّامَ الأُسْبُوعِ سَبْعَةٌ ؛ وَسُجُودَ الْعَبْدِ عَلَى سَبْعَةِ أعْضَاءٍ ) . وأجمعَ أهلُ التفسير إلا السديِّ : أنَّ العدَّة المضاعفةَ بسبعمائة مختصَّةٌ بالإنفاقِ في الجهاد ؛ وأما غيرُ ذلك من الطاعاتِ ؛ فالحسنَةُ بعشرِ أمثالها كما قالَ الله تعالى : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [ الأنعام : 160 ] .