Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 279-280)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ؛ أي إن لم تقبَلُوا أمرَ الله ولم تُقِرُّوا بتحريمِ الربا ولم تتركوهُ ، فاعلموا أنكم كفَّارٌ يحاربكم اللهُ ورسوله ؛ أي يعذِّبكم الله في الآخرة بالنار ؛ ويعذِّبكم رسولهُ في الدنيا بالسَّيْفِ . والإذْنُ : الإعْلاَمُ ، ومن قرأ ( فَأْذِنُوا ) أي فأعلِمُوا أصحابَكم المتمسكينَ بمثل ما أنتُمْ عليه : أنَّ مَنْ عامَلَ بالربا مستحِلاً له حاربَهم اللهُ ورسوله . وقيل : معنَى الآيةِ : فإن لم تتركُوا ما بقيَ من الربا بعد نزولِ الأمر بتركهِ { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } . ومثلُ هذا اللفظ لا يوجبُ الإكفارَ ؛ لأن لفظَ محاربة الله ورسولهِ يُطلق على ما دونِ الكفر كما في آية قُطَّاعِ الطريقِ . وهذا الحكمُ في آية الربا إنَّما هو مستقيمٌ إذا اجتمعَ أهل بلدة لهم مَنَعَةٌ وقوَّةٌ على المعاملةِ بالربا وكانوا محرِّمين له ، فإن الإمامَ يستتيبُهم ؛ فإن تابوا وإلا قاتلَهَم . وأما إذا عامَلَ واحد أو جماعةٌ قليلٌ عددهم معاملةَ الربا ، فإن الإمام يستتيبُهم ؛ فإن تابوا وإلا زَجَرَهم وحبسَهم إلى أن يُظهروا توبتهم . وقد روي عنِ ابن عباس وقتادةَ والربيعِ فيمن أرْبَا : ( أنَّ الإمَامَ يَسْتَتِيْبُهُ ، فَإنْ تَابَ وإلاَّ قَتَلَهُ ) . فهذا محمولٌ على أن يفعله مُستحلاً له ؛ لأنه على خلافَ بين العلماء أنه ليسَ بكافرٍ إذا اعتقدَ تحريْمَه . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُون } ؛ أي فإن رجعتُمْ عن استحلالِ الربا وأقررتُم بتحريْمهِ . ويقال : إنْ تُبْتُمْ عن معاملةِ الربا { فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ } التي أسلفْتُموها بني المغيرةِ ، { لاَ تَظْلِمُونَ } بطلب الزيادة على رأسِ المال ، { وَلاَ تُظْلَمُون } بحبسِ رأس المال عنكم . قال ابنُ عباس : ( فَلَمَّا نَزَلَتْ هَاتَانِ الآيَتَانِ ، كَتَبَ بهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى عَتَّابٍ ، فَقَرَأهُمَا عَلَى ثَقِيْفٍ فَقَالُواْ : بَلَى ، نَتُوبُ إلَى اللهِ فَإنَّهُ لإيْذَانٌ لَنَا بحَرْب اللهِ وَرَسُولِهِ ، ثُمَّ طَلَبُواْ رُؤُوسَ أمْوَالِهِمْ مِنْ بَنِي الْمُغِيْرَةِ ، فَقَالَتْ بَنُو الْمُغِيْرَةِ : نَحْنُ الْيَوْمَ أهْلُ عُسْرٍ وَأخِّرُونَا إلَى أنْ تُدْرَكَ الثِّمَارُ ، فَأَبَواْ أنْ يُؤَخِّرُوهُمْ ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } ؛ أي إن كان المطلوبُ ذا ضيقٍ وشدَّةٍ ؛ فتأخيرهُ إلى سَعَةٍ ويَسَارٍ . وروي عن ابنِ عباس وشريحٍ وإبراهيم : ( أنَّ الإنْظَارَ إنَّمَا يَجِبُ فِي الدَّيْنِ ، يَعْنِي دَيْنَ الرِّبَا خَاصَّةً ) . وكان شُرَيْحٌ يحبسُ المعسرَ في غيره من الديون . وعن أبي هريرةَ والحسنِ والضحَّاك : ( أنَّ ذلِكَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ دَيْنٍ ) وهذا هو الأَصحُّ ؛ لأنَّ نزولَ الآية في رأسِ مال الربا لا يَمنعُ اعتبارَ سائرِ الديون بها بالاستدلال والقياسِ . وذهبَ بعض النحويِّينَ : إلى أن الرفعَ في قوله { ذُو عُسْرَةٍ } دليل على أنه ابتداءٌ على معنى : وإن وقعَ ذو عسرةٍ ، أو وجد ذو عسرة ، ولو كان مختصّاً هذا بالربا لقال : وإنْ كان ذَا عُسْرَةٍ ، بالنصب . ويحتملُ أن يكون تقديرُ الرفعِ { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } غريْماً لكم . ومن قرأ ( مَيْسُرَةٍ ) بضمِّ السين ، فهي لغةٌ . وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أنْظَرَ مُعْسِراً أوْ وَضَعَ لَهُ أظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ " وقالَ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أحَبَّ أنْ تُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ وَتَنْكَشِفَ كُرْبَتَهُ ؛ فَلْيُيَسِّرْ عَلَى الْمُعْسِرِ " وعن أبي بُريدةَ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أنْظَرَ مُعْسِراً كَانَ لَهُ بكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ " . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أدَانَ دَيْناً وَهُوَ يَنْوِي أنْ لاَ يُؤَدِّيَهُ فَهُوَ سَارقٌ " وعن أبي قتادةَ : " أنَّ رَجُلاً أتِيَ بهِ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ ؛ فَقَالَ : " هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؟ " قَالُواْ : نَعَمْ ، فَتَأَخَّرَ وَقَالَ : " صَلُّواْ عَلَى صَاحِبكُمْ " . قَالَ أبُو قَتَادَةُ : أنَا أكْفُلُ بهِ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " بالْوَفَاءِ ؟ " قَالَ : بالْوَفَاءِ ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَانَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَماً أوْ تِسْعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً " . وعن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ خَطِيْئَةٍ أعْظَمُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ الْكَبَائِرِ مِنْ أنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ أمْوَالُ النَّاسِ دَيْناً فِي عُنُقِهِ ، لاَ يُوجَدُ لَهَا قَضَاءٌ " . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ؛ أي وإنْ تصَدَّقوا من رأسِ المال فهو أفضلُ { إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ثوابَ مَن أنظرَ معسراً أو وضَعَ عنه .