Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 284-284)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } ؛ اختلفَ المفسرونَ في هذه الآيةِ ؛ فقال قومٌ : هي خاصَّة ؛ واختلفوا في خصوصِها ، فقال بعضُهم : نزلت في كتمانِ الشهادة وإقامتِها . يعني { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } أيُّها الشهودُ مِن كتمان الشهادةِ أو تُخفوا الكتمانَ { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } . وهذا قولُ الشعبيِّ وعكرمةَ ، وروايةُ مجاهد عن ابنِ عباس ، يدلُّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى فيما قبلها : { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ } [ البقرة : 283 ] الآيةُ . وذهبَ بعضُهم إلى أنَّها عامَّةٌ في الشهادةِ وفي غيرها ، ثم اختلفُوا في وجهِ عمومِها ؛ فقال بعضُهم : هي منسوخةٌ . " وروي أنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ جَاءَ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَنَاسٌ مِنَ الأَنْصَار إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؛ فَجَثَواْ عَلَى الرُّكَب وَقَالُواْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا نَزَلَ عَلَيْنَا آيَةً أشَدُّ مِنْ هَذِهِ ؛ إنَّ أحَدَنَا لَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بمَا لاَ يُحِبُّ أنْ يَثْبُتَ فِي قَلْبهِ - يعني يحدثُ نفسَهُ بأمرٍ من المعصيةِ ثُم لا يعملُ بها - وَإنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بمَا تُحَدِّثُ بهِ نُفُوسَنَا إذا هَلَكْنَا ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " هَكَذَا نَزَلَتْ " ، فَقَالُواْ : كُلِّفْنَا مِنَ الْعَمَلِ مَا لاَ نُطِيْقُ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " أفَتَقُولُونَ كَمَا قَالَتِ الْيَهُودُ : سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ ! " فَقَالُواْ : بَلْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا يَا رَسُولَ الله . وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ ذلِكَ ؛ فَمَكَثُواْ حَوْلاً ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } فَنَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بهِ أنْفُسَهَا مَا لَمْ يَعْمَلُواْ أوْ يَتَكَلَّمُواْ بهِ " وهذا قولُ ابنِ مسعودٍ وأبي هريرةَ وعائشةَ برواية ابنِ جبير وعطاءٍ وابن سيرين وقتادةَ والكلبيِّ وشيبانَ . وقال بعضُهم : لا يجوزُ أن تكون هذه الآيةُ منسوخةً ؛ لأنَّها خبرٌ من عندِ الله ؛ والخَبرُ لا يحتملُ النسخَ ؛ لأنه خَلَفٌ ؛ تَعَالَى اللهُ عَنْ ذلِكَ عُلُوّاً كَبيْراً ، لكنَّ المرادَ بالآية إظهارُ العمل وإخفاؤُه . وقال الربيعُ : ( هَذِهِ الآيَةُ مُحْكَمَةٌ لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ ، فَإنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَرَِّفُ عَبْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ : إنَّكَ أخْفَيْتَ فِي صَدْركَ كَذَا وَكَذَا ، يُحَاسِبُهُ عَلَى مَا أسَرَّ وَأعْلَنَ مِنْ حَرَكَةٍ فِي جَوَارحِهِ وَهَمِّهِ فِي قَلْبهِ ، فَهَكَذَا يُصْنَعُ بكُلِّ عِبَادِهِ ، ثم يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ) . وقيل : لا يؤاخذُ المؤمنَ بما حاسبَهُ من ذلك ، فمعناهُ : وإن تُظهروا ما في أنفسكم من المعاصي أو تُضمروا إرادتَها في أنفسكم فتخفوها { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } أي يخبرُكم بها ويحاسبُكم عليها ، ثم يغفرُ لمن يشاء ويعذبُ من يشاء ، وهذا قولُ الحسنِ والربيع وروايةُ الضحاكِ عن ابن عباس ، يدلُّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] . وقالَ آخرون : معنى الآيةِ : أنَّ اللهَ يحاسبُ خلقه بجميع ما أبدَوا من أعمالهم وأخفَوا ويعاقبهم عليه ؛ غيرَ أنَّ معاقبتَه إياهم على ما أخفَوا مما لم يعملوا بها بما يحدثُ في الدنيا من النوائب والمصائب والأمور التي يحزنون عليها ويألَمون بها ؛ مثل الحمَّى وغير ذلك حتى الشوكةُ يشاكُها والشيء يضيعُ فيفقده ويُرَاعُ عليه ، ثم يجدُه . وهذا قولُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا . وقال بعضُهم : معناهُ : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } من الأعمالِ الظاهرة ، { أَوْ تُخْفُوهُ } من الأحوالِ الباطنة ، { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } العائدِ على أفعالَ العارفِ على أحوالهِ . وقال بعضُهم : إن اللهَ تعالى يقولُ يوم القيامة : هذا يَوْمٌ تُبْلَى السَّرَائِرُ وتُحرَجُ الضمائر ، وإن كتَّابي لم يكتبوا إلا ما ظهرَ من أعمالكم ، وأنا المطَّلِعُ على سرائركم مما لم يعلموهُ ولا يكتبوه ، فأنا أخبرُكم بذلك وأحاسبُكم ؛ لتعلموا أنه لا يَعْزِبُ عنه مثقالَ ذرَّة من أعمالكم ، ثم أغفرُ لمن شئت وأعذبُ من شئت . فأما المؤْمنونَ فيخبرُهم بذلك كله ويغفرُ لهم ، ولا يؤاخذهم بذلك إظهاراً لفضلهِ . وأما الكافرون فيخبرُهم ويعاقبهم عليها إظهاراً لعدلهِ . فمعنى الآيةِ : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } فتعمَلُوا به ، { أَوْ تُخْفُوهُ } مما أضمرتُم وأسررتُم ونَوَيتم . { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } ويعرِّفْكُم إياهُ ويغفر للمؤمنين ، ويعذبُ الكافرين ، يدلُّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى : { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } ولم يقل : يؤاخذكُم به الله . والمحاسبةُ غير المعاقبة فالحسابُ ثابت ، والعقاب ساقطٌ . وقال الحسنُ ابن مسلم : ( يُحَاسِبُ اللهُ الْمُؤْمِنَ بالْمِنَّةِ وَالْفَضْلِ ؛ وَالْكَافِرَ بالْحُجَّةِ وَالْعَدْلِ ) . وقيلَ في تأويل الآيةِ : أنَّها وردت فيما يؤاخذُ به العبدُ فيما بينه وبينَ الله تعالى ، وتأويلُ قولهِ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بهِ أنْفُسَهَا مَا لَمْ يَعْمَلُواْ أوْ يَتَكَلَّمُواْ بهِ " إنَّما وردَ فيما يلزمُ العبدَ من أحكامِ الدنيا ، فلا يقعُ عِتْقُهُ ولا طلاقهُ ولا بيعه ولا هبتهُ بالنيَّة ما لم يتكلَّمْ . ومِن نظائر هذه الآيةِ : { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } [ البقرة : 225 ] وقولهِ تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور : 19 ] . ويدلُّ على ذلك أن مَن أحبَّ ما يبغضُه اللهُ ، أو أبغضَ ما يحبُّه اللهُ كان معاقَباً على ذلك وإن لم يعمل إلا بقلبهِ . وقال بعضُهم : إن الإخفاءَ في هذه الآية أن يُضْمِرَ على السُّوء ويهمَّ بهِ ، ثم لا يصِلُ إليه ولا يتمكَّنُ منه . وهذا القولُ حسنٌ جداً اختارهُ جماعةٌ من المفسرين . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } ؛ رفعَهُما أبو جعفر وابن عامر والحسن وعاصمُ ويعقوبُ على الابتداء ؛ أي فهو يغفرُ . ونصبَهُما ابن عباسٍ على الصرفِ . وجزمَهُما الباقون عطفاً على { يُحَاسِبْكُمْ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ؛ يعني من المغفرةِ والعقوبة .