Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 51-51)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } ؛ وذلك أن بني إسرائيلَ لَمَّا أمِنُوا عدوَّهم ودخلوا مصرَ لَم يكن لهم كتابٌ ولا شريعةٌ ينتهون إليها ، فوعدَ اللهُ موسى أن يُنَزِّلَ عليهم التوراةَ ؛ فقال موسى لقومهِ : إنِّي ذاهبٌ لِميقات ربي ؛ فآتيكم بكتابٍ فيه بيانُ ما تأتون وما تَذَرُونَ . وواعدهم ثلاثين ليلةً من ذي القعدة وعشراً من ذي الحجةِ ؛ واستخلفَ عليهم أخاه هارون . فلما أتى الوعدُ جاءَ جبريل عليه السلام على فرسٍ يقال له فرسُ الحياة ؛ لا يصيبُ شيئاً إلا حَيَى به ، فلما رأى السامريُّ جبريلَ عليه السلام على ذلك الفرسِ ؛ قالَ : إنَّ لِهذا شأناً ؛ وكان رجُلاً منافقاً ، قد أظهرَ الإسلام فأخذ قبضةً من تربةِ حافر فرسِ جبريل ، وكان بنو إسرائيل قد استعارُوا حُلِياً كثيرةً من قوم فرعون حين أرادوا الخروجَ من مصرَ بعلَّة عُرْسٍ ؛ فأهلكَ الله قومَ فرعون وبقيت تلك الحُلِيُّ في أيدي بني إسرائيل . فلما لَمْ يرجِعْ موسى ، قال السامريُّّ لبني إسرائيل : إن الأمتعةَ والحليَّ التي استعرتُموها من قوم فرعون غنيمةٌ لا تحلُّ لكم فاحفروا حفيرةً فادفنوها فيها حتى يرجعَ موسى . ففعلوا ذلك . فلما اجتمعت الحليُّ صاغَها السامري وكان رجُلاً صائغاً ، وجعل عليها القبضةَ التي أخذها من أثرِ حافر فرسِ جبريل ؛ فأخرجَ عِجلاً من ذهبٍ فَخَارَ ؛ فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } [ الأعراف : 148 ] . فعبدوهُ من دون الله . قال السدي : ( كَانَ يَخُورُ والسامريُّ يَقُولُ : هَذَا إلَهُكُمْ وإلَهُ مُوسَى ( فَنَسِيَهُ ) أيْ تَرَكَهُ هَا هُنَا وَخَرَجَ بطَلَبهِ ) . فلما رأوا العجلَ وسمعوا قولَ السامري افتُتِنَ بالعجل ثَمانية آلاف منهم فعبدوهُ من دون الله . وقال بعضُهم : معنى الآية : واذكروا إذ أخبرَ الله موسى أن يؤتيه الألواحَ فيها التوراة على رأسِ ثلاثين يوماً من ذي القعدة ، وأمرهُ أن يصومَها ؛ فوجد مِنْ فِيْهِ خَلُوفاً ؛ أي تغيُّر رائحة ، فاستاكَ ، فأمرهُ الله أن يصومَ عشرةً أخرى من أول ذي الحجة ؛ كما قال تعالى في موضعٍ آخر : { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } [ الأعراف : 142 ] . فقال السامريُّ في الأيامِ العشرة لبني إسرائيل : قد تَمَّتْ الثلاثون ولم يرجع موسى وإنكم قد استعرتُم من نساءِ آل فرعون حليَّهم حين سارَ بكم من مصر ؛ فلما لم تردُّوا عليهنَّ حليَّهن لَم يردّ الله علينا موسى ، فهاتوا ما معكُم من الحليِّ حتى نُحْرِقَهُ ؛ فلعلَّ الله أن يردَّ علينا موسى ، فجمعوا الحليَّ وكان السامريُّ صائغاً فاتخذ من ذلك عِجلاً ، فصارَ العجلُ جسداً له خُوَارٌ ، فعبدوهُ فذلكَ قوله تعالى : { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ } . قال ابنُ عباس : ( فَصَارَ عِجْلاً لَهُ لَحْمٌ وَدَمٌ وَشَعْرٌ ) . وقيل : جعل فيه خُروقاً فكان الريحُ تقع في تلك الخروقِ فيسمع منها مثل الخوار . فأوهمَهم أن ذلك الصوت خواره . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ } أي من بعد انطلاقِ موسى إلى الجبل ، { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } أي ضارُّون لأنفسكم بالمعصيةِ ؛ واضعون العبادةَ في غيرِ موضعها . وفي قولهِ : { وَٰعَدْنَا } خلافٌ بين القُرَّاء ؛ فقرأ أبو عمرو ويعقوب : ( وَعَدْنَا ) بغير ألِفٍ في جميع القرآنِ . وقرأ الباقون بالألفِ ؛ وهي قراءةُ ابن مسعودٍ . فمن قرأ بغير ألف ؛ قال : لأنَّ الله تعالى هو المنفردُ بالوعد . والقرآنُ ينطق به كقولهِ : { وَعَدَ ٱللَّهُ } [ النور : 55 ] و { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } [ إبراهيم : 22 ] ونحوُها . ومن قرأ بالألفِ فقالَ : قد تَجِيْءُ المفاعلةُ من واحد ؛ كقولِهم : عَاقَبْتُ اللِّصَّ ؛ وعَافَاكَ اللهُ ؛ وطارَقْتُ النعلَ ؛ وسافرَ ؛ ونافقَ . قال أهل اللغة : الْوَعْدُ فِي الْخَيْرِ ؛ وَالْوَعِيْدُ فِي الشَّرِّ ؛ قال الشاعرُ . @ وَإنِّي إذَا أوْعَدْتُهُ أوْ وَعَدْتُهُ لَمُخْلِفٌ إيْعَادِي وَمُنْجِزٌ وَعْدِي @@ والعِجْلُ وَالْعُجُولُ : وَلَدُ الْبَقَرَةِ . إنَّما قُرِنَ التاريخُ بالليلِ دون النهار ؛ لأن العربَ وضعت التاريخ على سنين القمرِ ؛ وإنَّما يهلُّ بالليلِ . وقيل : لأن الظلمةَ أقدمُ من الضوءِ ؛ والليلُ خُلق قبل النهار ؛ قال اللهُ تعالى : { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [ يس : 37 ] .