Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 67-71)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } ؛ هذه الآيةُ نزلت بعد قولهِ تعالى : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا } [ البقرة : 72 ] وإنْ كانت مُقَدَّمَةً في التلاوةِ ؛ لأن قتلَ النفسِ كان قبلَ ذبح البقرةِ . وَالْقِصَّةُ فيه مَا رُويَ : أنَّ بَنِي إسْرَائِيْلَ قِيْلَ لَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ : أَيَّمَا قَتِيْلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَلْيُقَسْ إلَى أيِّهمَا أقْرَبُ ؛ ثُمَّ لِيُؤْخَذْ لأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَلْيَحْلِفْ خَمْسُونَ شَيْخاً مِنْ شُيُوخِهِمْ باللهِ مَا قَتَلُوهُ وَلاَ عَلِمُواْ لَهُ قَاتِلاً . فَقَتَلَ رَجُلاَنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ ابْنَ عَمٍّ لَهُمَا اسْمُهُ عَامِيْلُ لِيَرِثَاهُ ؛ وَكَانَتْ لَهُمَا ابْنَةُ عَمٍّ حَسَنَةٍ ، فَخَافَا أنْ يَنْكِحَهَا ؛ فَقَتَلاَهُ لِذَلِكَ وَحَمَلاَهُ إلَى جَانِب قَرْيَةٍ فَأُخِذَ أهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ بهِ فَجَاءُواْ إلَى مُوسَى عليه السلام ، وَقَالُواْ : أُدْعُ اللهَ تَعَالَى أنْ يُطْلِعَنَا عَلَى قَاتِلِهِ ، فَأَوْحَى اللهُ إلَيْهِ : امُرْهُمْ أنْ يَذْبَحُواْ بَقَرَةً ، فَأَمَرَهُمْ بذَلِكَ لِيُضْرَبَ الْمَقْتُولُ ببَعْضِ تِلْكَ الْبَقَرَةِ فَيَحْيَى فَيُخْبرَهُمْ بمَنْ قَتَلَهُ . فَـ : { قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً } ؛ أي تستهزئُ بنا يا موسَى حين سألناكَ عن القتلِ وتأمرُنا بذبحِ بقرةٍ ! ! وإنَّما قالوا ذلك لتباعُدِ الأمرين في الظاهرِ ؛ ولَم يَدْرُوا ما الحكمةُ فيه . وقرأ ابن محيص : ( أيَتَّخِذُنَا ) بالياء يعنون اللهَ عَزَّ وَجَلَّ . ولا يستبعدُ هذا من جَهْلِهم ؛ لأنَّهم هم الذين قالوا : { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] . وفي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { هُزُواً } ثلاثُ لغات : ( هُزْواً ) بالتخفيف والهمزِ ومثله كُفْواً ؛ وهي قراءة الأعمشِ وحمزةَ وخلف . و ( هُزُؤاًّ ) و ( كُفُؤاًّ ) مهموزان مثقَّلان ، وهي قراءةُ أبي عمرٍو وأهل الحجاز والشام والكسائي . وهُزُوّاً وكُفُوّاً مثقَّلان بغيرِ همز هي قراءةُ حفصٍ عن عاصم ، وكلها لغاتٌ صحيحة فصيحةٌ معناها الاستهزاءُ . فَـ : { قَالَ } ؛ لَهم موسَى : { أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } ؛ أي أمْتَنِعُ باللهِ أنْ أكونَ مِن المستهزئين بالمؤمنين . فلمَّا عَلِمَ القومُ أن ذبحَ البقرةِ عَزْمٌ من اللهِ ، { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } ، أي مَا هذه البقرةُ ؛ كبيرةٌ أم صغيرةٌ ؟ ورُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ ؛ لَوْ أنَّهُمْ عَمَدُواْ إلَى أدْنَى بَقَرَةٍ فَذَبَحُوهَا لأَجْزَتْ ، وَلَكِنْ شَدَّدُواْ عَلَى أنْفُسِهِمْ بالْمَسْأَلَةِ فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ " إنَّما كان تشديدُهم تقديراً مِن الله عَزَّ وَجَلَّ وحكمةً منهُ . وكان السببُ فيه : أن رجُلاً من بني إسرائيلَ كان بَارّاً بأبويهِ ، وبلغَ من برِّه أنَّ رجلاً أتاه بلؤلؤة فابتاعها بخمسين ألفاً ، وكان فيها فضلٌ . فقال : إن أبي نائمٌ ومفتاح الصندوق تحت رأسه ، فأمهلني حتى يستيقظ وأعطيك الثمن . قال : فأَيقِظْهُ وأعطني الثمن . قال : ما كنتُ لأفْعَلَ ، قال : أزيدُك عشرةَ آلاف إن أيقظتَ أباك وعجَّلت النقدَ . فقال : وأنا أزيدُكَ عشرين ألفاً إنِ انتظرتَ انتباهَ أبي ؛ ففعل ولَم يوقِظِ الرجلُ أباه ؛ فأعقبه الله ببرِّهِ أباهُ أن جعل البقرةَ تلك بعينها عنده . وأمرَ بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها . وقال ابنُ عبَّاس : ( كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيْلَ رَجُلٌ صَالِحٌ لَهُ ابْنٌ طِفْلٌ ؛ وَكَانَ لَهُ عِجْلَةٌ ، فَأَتَى بالعِجْلَةِ إلَى غَيْضَةٍ ؛ وَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أسْتَوْدِعُكَ هَذِهِ العِجْلَةَ لابْنِي حَتَّى يَكْبُرَ . وَمَاتَ الرَّجُلُ فَنَشَأَتِ العِجْلَةُ فِي الْغَيْضَةِ وَصَارَتْ عَوَاناً ؛ وَكَانَتْ تَهْرُبُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَآهَا ، فَلَمَّا كَبُرَ الابْنُ وَكَانَ بَارّاً بأُمِّهِ ، كَانَ يَقْسِمُ اللَّيْلَةَ أثْلاَثاً ؛ يُصَلِّي ثُلُثاً ؛ وَيَنَامُ ثُلُثاً ؛ وَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأسِ أُمِّهِ ثُلُثاً ، فَإِذَا أصْبَحَ ذَهَبَ يَحْتَطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَبيْعُهُ فِي السُّوقِ ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بثُلُثِهِ ؛ وَيَأْكُلُ ثُلُثَهُ ؛ وَيُعْطِي أُمَّهُ ثُلُثَهُ . فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ يَوْماً : إنَّ أبَاكَ وَرَّثَكَ عِجْلَةً ، وذَهَبَ بهَا إلَى غَيْضَةِ كَذَا واسْتَوْدَعَهَا اللهَ ، فَانْطَلِقْ إِلَيْهَا وَادْعُ إلَهَ إبْرَاهِيْمَ وَإسْمَاعِيْلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أنْ يُرَدَّهَا عَلَيْكَ ؛ فَإنَّ مِنْ عَلاَمَتِهَا أنَّكَ إذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا يُخيَّلُ إِلَيْكَ أنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ يَخْرُجُ مِنْ جِلْدِهَا . وَكَانَتْ تُسَمَّى الْمُذَهَّبَةَ لِحُسْنِهَا وَصُفْرَتِهَا وَصَفَاءِ لَوْنِهَا . فَأَتَى الْفَتَى الْغَيْضَةَ فَرَآهَا تَرْعَى ؛ فَصَاحَ بهَا وَقَالَ : أعْزِمُ عَلَيْكِ بإلَهِ إبْرَاهِيْمَ وَإسْمَاعِيْلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ؛ فَقَبَضَ عَلَى عُنُقِهَا وَقَادَهَا . فَتَكَلَّمَتِ الْبَقَرَةُ بإذْنِ اللهِ تَعَالَى ؛ وَقَالَتْ : أيُّهَا الْفَتَى الْبَارُّ بِوَالِدَيْهِ ! ارْكَبْنِي فَإنَّ ذَلِكَ أهْوَنُ عَلَيْكَ . قَالَ : إنَّ أُمِّي لَمْ تَأْمُرْنِي بذَلِكَ ! وَلَكِنْ قَالَتْ : قُودَهَا بعُنُقِهَا ، فَقَالَتْ : وَحَقِّ إلَهِ بَنِي إسْرَائِيْلَ ؛ لَوْ رَكِبْتَنِي مَا كُنْتَ تَقْدِرُ عَلَيَّ أبَداً ، فَانْطَلِقْ فَإنَّكَ لَوْ أمَرْتَ الْجَبَلَ أنْ يَنْقَطِعَ مِنْ أصْلِهِ وَيَنْطَلِقَ مَعَكَ لَفَعَلَ لِبرِّكَ بأُمِّكَ ! فَجَاءَ بهَا إلَى أُمِّهِ فَقَالَتْ : لَهُ : يَا بُنَيَّ إنَّكَ فَقِيْرٌ ؛ وَشُقَّ عَلَيْكَ الاحْتِطَابُ بالنَّهَار ؛ وَالْقِيَامُ باللَّيْلِ ، فَاذْهَبْ وَبعْ هَذِهِ الْبَقَرَةَ فَخُذْ ثَمَنَهَا . فَقَالَ : بكَمْ ؟ فَقَالَتْ : بثَلاَثَةِ دَنَانِيْرَ ؛ وَلاَ تَبعْهَا بغَيْرِ رضَايَ وَمَشُورَتِي ! وَكَانَ ثَمَنُ الْبَقَرَةِ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ ثَلاَثَةُ دَنَانِيْرَ . فَانْطَلَقَ بهَا إِلَى السُّوقِ ، فَبَعَثَ اللهُ مَلَكاً فِي صُوَرةِ بَشَرٍ لِيَخْتَبرَ كَيْفَ برُّ الْفَتَى بوَالِدَيْهِ ! فَقَالَ الْمَلَكَُ بكَمْ تَبيْعُ هَذِهِ الْبَقَرَةَ ؟ قَالَ : بثَلاَثَةِ دَنَانِيْرَ ؛ وَأشْرُطُ عَلَيْكَ رضَى وَالِدَتِي . فَقَالَ الْمَلَكُ : بسِتَّةِ دَنَانِيْرَ ؛ وَلاَ تَسْتَأْذِنْ أُمَّكَ . فَقَالَ : لَوْ أعْطَيْتَنِي وَزْنَهَا ذَهَباً لَمْ آخُذْهُ إلاَّ برِضَاءِ وَالِدَتِي ! فَرَدَّهَا إلَى أُمِّهِ . فَقَالَتْ : بعْهَا بسِتَّةِ دَنَانِيْرَ عَلَى رضًى مِنِّي . فَانْطَلَقَ بهَا وَقَالَ لِلْمَلَكِ : إنَّهَا أمَرَتْنِي أنْ لاَ أنْقُصَهَا مِنْ سِتَّةِ دَنَانِيْرَ عَلَى أنْ أسْتَأْمِرَهَا . فَقَالَ : الْمَلَكُ : أنَا أُعْطِيْكَ اثْنَى عَشَرَ عَلَى أنْ لاَ تَسْتَأْمِرَهَا ، فَأبَى ، وَرَجَعَ إلَى أُمِّهِ فَأَخْبَرَهَا بذَلِكَ . فَقَالَتْ : يَا بُنَيَّ إنَّ الَّذِي يَأْتِيْكَ مَلكٌ فِي صُورَةِ بَشَرٍ ؛ فَقُلْ لَهُ : أتَأْمُرُنَا أنْ نَبيْعَهَا أمْ لاَ ؟ فَأَتَى إِلَيْهِ ؛ فَقَالَ لَهُ مَا قَالَتْ أُمُّهُ . فَقَالَ لَهُ : اذْهَبْ إلَى أُمِّكَ وَقُلْ لَهَا : أمْسِكِي هَذِهِ الْبَقَرَةَ ، فَإنَّ مُوسَى يَشْتَرِيْهَا مِنْكُمْ لِقَتِيْلٍ يُقْتَلُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيْلَ ، فَلاَ تَبيْعُوهَا إلاَّ بمِلْئِ مِشْكِهَا ذَهَباً . وَقَدَّرَ اللهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيْلَ ذَبْحَهَا مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى برِّ وَالِدَيْهِ فَضْلاً مِنْهُ وَرَحْمَةً ) . وروي أنَّها كانت لرجلٍ يبيعُ الجوهرَ ، فجاءه إبليسُ بجرابٍ من اللُّؤلؤِ يساوي مِائَتي ألفٍ ، فعرضَهُ عليه بمائة ألفٍ ، فوجدَ الجوهريُّ المفتاحَ تحت رأسِ أبيه وهو نائمٌ ، وقال : كيفَ أوقِظُ أبي لربحِ مائة ألفٍ ؟ ! فكرِهَ أن يوقظَهُ ، فرجعَ وقال : إنَّ أبي نائمٌ والمفتاحُ تحتَ رأسهِ . فقال له إبليسُ : إذهب أيْقِظْهُ فأنا أبيعُكَ بخمسينَ ألْفاً . فذهبَ فلم يحتمل قلبهُ ذلك ، فرجعَ ، فلم يزل إبليسُُ يحطُّ من الثمنِ حتى بلغَ عشرةَ دراهم ، فلم يوقِظْ أباهُ وتركَ الشراءَ ، فجعلَ الله في مالهِ البركةَ حتى اشتَرَوا بقرتَهُ بملئ مِشْكِهَا ذهباً . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } ؛ وفي مُصحفِ عبدِالله : ( سَلْ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا ) . ومعنى الآية : { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا } سِنُّها ؟ . { قَالَ } موسى : { إِنَّهُ } يعني اللهَ عَزَّ وَجَلَّ { يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } لا كبيرةٌ ولا صغيرة . وارتفع { فَارِضٌ } و { بِكْرٌ } بإضمار ( هي ) ؛ أي لا هِيَ فارضٌ ولا هِيَ بكرٌ . قال مجاهدُ والأخفشُ : ( الْفَارِضُ : الْكَبيْرَةُ الْمُسِنَّةُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ . والبكْرُ : الْفَتِيَّةُ الصَّغِيْرَةُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ ) . قال السديُّ : ( الْبكْرُ : الَّتِي لَمْ تَلِدُ قَطّ إلاَّ وَاحِداً ) . وَقِيْلَ : معناه لا فارضٌ ؛ أي ليست بكبيرةٍ قد ولدَتْ بُطوناً كثيرةً ، ولا بكْراً ؛ أي لَم تَلِدْ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } ؛ أي وسطٌ بين الصغيرةِ والكبيرة قد وَلَدَتْ بَطناً أو بطنين ؛ وجَمعُها عُوَنٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } ؛ أي افعَلُوا ما تؤمرون به من الذَّبحِ ، ولا تُكثروا السؤالَ . ثُمَّ عادُوا في السؤال فَـ : { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا } ؛ موضع { مَا } رُفِعَ بالابتداء ؛ و { لَوْنُهَا } خبرهُ . وقرأ الضحَّاك : ( مَا لَوْنَهَا ) نصباً كأنه أعْمَلَ فيه التبيينَ وجعل { مَا } صلةً . { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } ؛ قِيْلَ : يعني سوداءَ مثلَ قوله : { جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ } [ المرسلات : 33 ] أي سُودٌ ، كذا قال الحسنُ . والعربُ تسمي الأسودَ أصفرَ . قال الشاعرُ : @ تِلْكَ خَيْلِي مِنْهُ وَتِلْكَ ركَابي هُنَّ صَفْرٌ أوْلاَدُهَا كَالزَّبيْب @@ والصحيحُ : أنَّها صفراءُ ؛ لأن السوداءَ لا تؤكَّدُ بالفاقعِ ، وإنَّما تؤكَّد بالحالِك ، يقال في المبالغةِ في الوصف : أصفرُ فاقعٌ ؛ وأحمرٌ قانٍ ؛ وأسودٌ حالكٌ ؛ وأخضرٌ ناضر ؛ وأبيض ناصِعٌ . ويقال : أبيضٌ نقيٌّ ، فمعنى { فَاقِـعٌ } أي صافٍ شديد الصُّفرة . وقال ابنُ عبَّاس : ( صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا شَدِيْدَةُ الصُّفْرَةِ ) . وقال العتيبيُّ : ( غَلَطَ مَنْ قَالَ : الصَّفْرَاءُ هَا هُنَا السَّوْدَاءُ ؛ لأَنَّ هَذَا غَلَطٌ فِي نُعُوتِ الْبَقَرِ ، وإنَّمَا هُوَ فِي نُعُوتِ الإبلِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } ؛ أي تعجبُ الناظرين إليها ؛ لتَمَامِ خَلْقِهَا ؛ وكمالِ حُسنِها ؛ ونُصوع لونِها . قال عليٌّ رضي الله عنه : ( مَنْ لَبسَ نَعْلاً صَفْرَاءَ قَلَّ هَمُّهُ ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ { صَفْرَاءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } ) . فإن قِيْلَ : لِمَ أُمروا بذبحِ البقرة دونَ غيرها ؟ قِيْلَ : لأن القُرْبَانَ تكون من الإبل والبقرِ والغنم ؛ وكانوا يحرِّمون لحمَ الإبلِ ؛ كما قالَ تعالى : { إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } [ آل عمران : 93 ] يعني لحومَ الإبلِ ؛ وكان ذبحُ البقرةِ أفضلَ من ذبحِ الغنم فخصَّت بذلك . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } ؛ أسائمة أم عاملةٌ ؟ قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا } ؛ هذه قراءةُ العامة ؛ وقرأ محمَّدُ الأُمَويُّ : ( إنَّ الْبَاقِرَ ) هو جمعُ البقرِ . قال قطربُ : يقال في جمعِ البقرَة : بقرٌ وباقرٌ وباقورٌ وبُقُور . فإن قِيْلَ : لِمَ قال { تَشَابَهَ } والبقرُ جمعٌ ؛ ولَمْ يقل تَشَابَهَتْ ؟ قِيْلَ : فيه ثلاثةُ أقوالٍ : أحدُها : أنه ذُكِّرَ لتذكير لفظ البقرِ كقوله : { أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] . وسُئل عن هذا سيبويهِ فقال : ( كُلُّ جَمْعٍ حُرُوفُهُ أقَلُّ مِنْ حُرُوفِ لَفْظِ وَاحِدِهِ ؛ فَإنَّ الْعَرَبَ تُذَكِّرُهُ ) . وقال الزجَّاج : ( مَعْنَاهُ أنَّهُ أرَادَ جِنْسَ الْبَقَرِ ) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { تَشَابَهَ } فيه سبعُ قراءات : ( تَشَابَهَ ) بفتحِ التاءِ والهاء وتخفيفِ الشِّين ؛ وهي قراءةُ العامَّة . وقراءةُ الحسنِ : ( تَشَابَهُ ) بالتخفيفِ وهاء مضمومَة ؛ يعني تَتَشَابَهُ . وقراءةُ الأعرجِ : ( تَشَّابَهُ ) بفتح التاءِ والتشديد وضمِّ الهاء على معنى : تَتَشَابَهُ . وقرأ مجاهدُ : ( تَشَّبَّهُ ) كقراءةِ الأعرجِ إلا أنه بغيرِ ألف . وفي مُصحف أُبَيِّ : ( تَشَابَهَتْ ) أنَّثَهُ لتأنيثِ البقر . وقرأ ابنُ إسحاق : ( تَشَّابَهَتْ ) بالتشديد . وقرأ الأعمش : ( مُتَشَابهٌ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } ؛ يعني إلى وَصْفِهَا . قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " وَاسْمِ اللهِ لَوْ لَمْ يَسْتَثْنُواْ لَمَا بُيِّنَتْ لَهُمْ إلَى آخِرِ الأَبَدِ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ } ؛ أي لا مُذلَّلة بالعمل ، { تُثِيرُ ٱلأَرْضَ } ؛ أي ليست بحراثةٍ ، { وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ } ؛ أي ليست نَاضِحةً لا يُسقى عليها الزرعُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { مُسَلَّمَةٌ } ؛ أي بريَّة من العيوب . وقال الحسنُ : ( مُسْلَّمَةُ الْقَوَائِمِ لَيْسَ فِيْهَا أثَرُ الْعَمَلِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } ؛ أي لا عيبَ فيها . وقال قتادةُ ( لاَ بَيَاضَ فِيْهَا أصْلاً ) . وقال مجاهدُ : ( لاَ بَيَاضَ فِيْهَا وَلاَ سَوَادَ ) . وَقِيْلَ : ليس فيها لونٌ يفارقُ سائرَ لونِها . والذَّلُولُ في الدواب : بمَنْزِلَةِ الذليلِ في الناسِ ؛ يقال : رجلٌ ذليلٌ ؛ ودابَّة ذلولٌ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ } ؛ أي بالوصفِ البيِّن التامِّ ؛ فطلبُوها ؛ فلم يَجدوها بكمَالِ وصفها إلا عندَ الفتَى البارِّ بوالدَيه ؛ فاشتَروها منه بمِلْئِ مِشْكِهَا ذهباً . وقال السديُّ : ( بوَزْنِهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ ذَهَباً ) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } ؛ أي من غلاءِ ثَمنها . وَقِيْلَ : وما كادوا يجدونَها باجتماعِ أوصافِها . وَقِيْلَ : لأن كلَّ واحد منهم خَشِيَ أن يكون القاتلُ من قبيلتهِ .