Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 90-96)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } ؛ وذلكَ أن السامريَّ لَمَّا دعاهُم إلى عبادةِ العجل وقال لَهم : إنَّ هذا إلَهُنا وإلهُ موسى ، وأن موسَى مَعْنِيٌّ في طلبهِ ، وهو هاهنا . فقامَ هارونُ فيهم خطيباً ، وقالَ : يَا قَوْمِ إنَّمَا فُتِنْتُمْ بعبادةِ العجل ، { وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } ؛ لا العجلُ ، { فَٱتَّبِعُونِي } ؛ لِما أدعوكم اليه ، { وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي } ؛ لا أمرَ السامريِّ ، فَعَصَوْهُ ؛ { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ } ؛ أي لا نزالُ مقيمين على عبادتهِ ، { حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } ؛ ومعنى قولهِ تعالى { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ } أي من قبلِ أن يأتِي موسى . فلما رجعَ موسى ؛ { قَالَ } ؛ لِهارون : { يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } ؛ بعبادةِ العجل ، { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } ؛ لا زائدةٌ ؛ أي ما منعكَ من اتِّباعي واللحوقِ بي بمن أقامَ على إيْمَانِهِ ، { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } ؛ بإقامتِكَ بينهم وقد كفروا ، ثُم أخذ موسى برأسِ هارون ولِحيَته غضباً منهُ عليه فـ { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } ؛ ولا بشعرِ رأسي ، { إِنِّي خَشِيتُ } ؛ إن فارقتُهم واتبعتك بمن أقامَ على دِينك أن يتفرَّقُوا أحزاباً ، وخشيتُ أن يَقْتُلَ بعضُهم بعضاً و { أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ } ؛ أي ولَم تحفَظْ ، { قَوْلِي } ؛ وصيَّتي ، ولَم تنتَظِر قُدُومِي وأمري ، فلذلك لَم أتَّبعْكَ بمن أقامَ منهم على دِينك . قال ابنُ عبَّاس : ( كَانَ هَارُونُ أخَا مُوسَى لأَبيْهِ وَأُمِّهِ ، وَإنَّمَا قَالَ : يَا ابْنَ أُمِّ ليرفقَهُ ويستعطفه عليه ) ، وفي قولهِ ( يَا ابْنَ أُمِّ ) قِرَاءَتان ، مَن قرأ بفتح الميمِ جعلهُ بمنْزِلة اسمٍ واحد يصلُ الثانِي بالأول ، مثلُ خمسةَ عشر ، ومَن قرأ بالكسرِ فعلى معنى الإضافة ، ودلَّتْ كسرةُ الميم على الياءِ التي بعدها . فإن قِيْلَ : كيف جازَ أن يأخذ موسى بلحيةِ هارون ورأسه مع أن ذلك يقتضِي الاستخفافَ به ؟ قِيْلَ : لأن العادةَ في ذلك الوقتِ لَم تكن كهذهِ العادة ، بل كان ذلكَ في زمانِهم يجري مجرَى القبضِ على يده ، وَقِيْلَ : لأنه أجرَى هارون مُجرى نفسهِ ؛ لأنه لَم يكن يتَّهم ، كما لا يتهم على نفسهِ ، فقد يأخذُ الإنسانُ بلحيةِ نفسهِ إذا غَضِبَ ، ويقال : ( إنَّ عُمَرَ عليه السلام كَانَ إذا غَضِبَ يَفْتِلُ شَارِبَهُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } أي فتركتَ وصيَّتي ، قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } يعني : ولَم تحفَظْ وصيَّتي حين قلتُ لكَ أخلفني في قومي وأصلِحْ . فلما اعتذرَ هارونُ بهذا العذرِ أقبلَ موسى على السامريِّ ؛ { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } ؛ أي ما شأنُكَ وما الذي دعاكَ إلى ما صنعتَ ؟ وَقِيْلَ : معناه : ما هذا الْخَطْبُ الْعظيم الذي دعاكَ إلى ما صنعتَ ، والْخَطْبُ هو الجليلُ من الأمرِ . قال قتادةُ : ( كَاَنَ السَّامِرِيُّ مِنْ عُظَمَاءِ بَنِي إسْرَائِيْلَ ، مِنْ قَبيْلَةٍ يُقَالُ لَهَا سَامِرَةٌ ، وَلَكِنَّهُ بَعْدَ مَا قَطَعَ الْبَحْرَ مَعَ بَنِي إسْرَائِيْلَ مَرَّ بجَمَاعَةٍ وَهُم يَعْكِفُونَ عَلَى أصْنَامٍ لَهُمْ وَمَعَهُ بَنُو إسْرَائِيْلَ ، فَقَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ، فَاغْتَنَمَهَا السَّامِرِيُّ فَاتَّخَذَ الْعِجْلَ ) ، { قَالَ } ؛ السَّامِرِيُّ مُجيباً لِموسى : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } ؛ أي رأيتُ ما لَم يَرَوا ، بَصُرْتُ به ، وعرفتُ ما لَم يعرفوا وفطنتُ ما لَم يفطنوا ، قال له موسى : وما الذي بَصُرْتَ به دون بني إسرائيل ؟ قال : { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } ؛ من حافرِ فرسِ جبريل ، وكان قد أُلقي في نفسِي أن أقبضها ؛ وما ألقيهِ على شيءٍ إلاّ صارَ له روحٌ ولَحم ودمٌ ، فحين رأيتُ قومَكَ طلبوا منكَ أن تجعل لَهم إلَهاً حدَّثَتني نفسي بذلكَ ، { فَنَبَذْتُهَا } أي فطرحتُها في العجلِ ، { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } ؛ أي زَيَّنَتْ لِي نفسي من أخذِ القبضة وإبقائها في صورةِ العجل . وَقِيْلَ : معناهُ ( وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) أي أطمَعَتني نفسي في أن العجلَ ينقلبُ حيواناً . وقرأ الحسنُ : ( فَقَبَصْتُ قَبْصَةً ) بالصاد فيهما ، والفرقُ بينهما أن القبضَ بجميع الكفِّ ، والقبصَ بأطرافِ الأصابع .