Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 79-80)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } ؛ أي فَهَّمْنَا القصةَ سليمانَ دون داود ، { وَكُلاًّ } ؛ منهما ؛ { آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } ؛ العلمُ والفصلُ بين الخصومِ . قال ابنُ مسعودٍ وقتادةُ والزهريُّ : ( وَذلِكَ أنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلاَ عَلَى دَاوُدَ عليه السلام ، أحَدُهُمَا صَاحِبُ حَرْثٍ ، وَالآخَرُ صَاحِبُ غَنَمٍ ، فَقَالَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَالْكَرْمِ : إنَّ هَذا نَفَشَتْ غَنَمُهُ لَيْلاً فَوَقَعَتْ فِي حَرْثِي ، فَلَمْ تُبْقِ مِنْهُ شَيْئاً . فَقَالَ : لَكَ رِقَابُ الْغَنَمِ - وَكَانَا فِي الْقِيْمَةِ سَوَاءً - فَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ بالْحَرْثِ وَخَرَجَا . فَمَرَّا عَلَى سُلَيْمَانَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ أحَدَ عَشَرَ سَنَةً ، فَقَالَ : كَيْفَ قَضَى بَيْنَكُمَا ؟ فَأَخْبَرَاهُ ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ : نِعْمَ مَا قَضَى ، وَغَيْرُ هَذا كَانَ أرْفَقَ بالْكُلِّ ، وَلَوْ وُلِّيْتُ أمْرَكُمَا لَقَضَيْتُ بغَيْرِ مَا قَضَى . فَأُخْبرَ دَاوُدُ بذلِكَ فَدَعَا فَقَالَ : كَيْفَ تَقْضِي بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : أدْفَعُ الْغَنَمَ إلَى صَاحِب الْحَرْثِ فَيَكُونُ لَهُ نَسْلُهُمَا وَرسْلُهُمَا وَمَنَافِعُهَا وَسَمْنُهَا وَصُوفُهَا إلَى الْحَوْلِ ، وَيَقُومُ أصْحَابُ الْغَنَمِ عَلَى الْكَرْمِ حَتَّى يَعُودَ كَهَيْأَتِهِ يَوْمَ أُفْسِدَ ، ثُمَّ يَدْفَعُ هَؤُلاَءِ إلَى هَؤُلاَءِ غَنَمَهُمْ ، وَيَدْفَعُ هَؤُلاَءِ إلَى هَؤُلاَءِ كَرْمَهُمْ . فَقَالَ دَاوُدُ عليه السلام : نِعْمَ مَا قَضَيْتَ فِيْهِ ، فَالْقَضَاءُ قَضَاؤُكَ . وَحَكَمَ دَاوُدُ بَيْنَهُمْ بذلِكَ ، فَقُوِّمَ بَعْدَ ذلِكَ الْكَرْمُ وَمَا أصَابُوهُ مِنَ الْغَنَمِ فَوَجَدُوهُ مِثْلَ ثَمَرِ الْكَرْمِ ) ، وهكذا رُوي عن ابنِ عبَّاس . قال الحسنُ : ( كَانَ الْحُكْمُ مَا قَضَى بهِ سُلِيْمَانُ ، وَلَمْ يُعْفِ اللهُ دَاوُدَ فِي حُكْمِهِ ) وهذا يدلُّ على أنَّ كلَّ مجتهدٍ يصيبُ ، وإلى هذا ذهبَ بعضُ الناسِ فقالوا : إذا نَفَشَتِ الغنمُ ليلاً في الزرعِ فأفسدتهُ ، كان على صاحب الغنم ضمانُ ما أفسدته ، وإن كان نَهاراً لَم يضمن شيئاً ، واستدلُّوا أيضاً بما رُوي : " أنَّ نَاقَةً كَانَتْ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْهُ ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أهْلِ الأَمْوَالِ حِفْظَهَا بالنَّهَارِ ، وَعَلَى أهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا باللَّيْلِ " . وأما أصحابُنا فلا يَرَوْنَ في هذه المسألةِ ضَمَاناً ليلاً ولا نَهاراً ، إذا لَم يكن صاحبهُ هو الذي أرسله فيه ، ولا حُجَّةَ لَهم في هذهِ الآية ؛ لأنهُ لا خلافَ أن مَن نَفَشَتْ إبلهُ أو غنمهُ في حرثِ رجلٍ أنه لا يجبُ عليه أن يُسَلِّمَ الغنمَ ، ولا يسلمُ أولادَها وألبانَها وأصوافها إليه ، فثبتَ أنَّ الْحُكْمَيْنِ اللذين حَكَمَ بهما داودُ وسليمان ( عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ ) مَنْسُوخَانِ بشريعةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم . وقد رُوي عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قال : " الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ " وهذا خبرٌ مستعمل مُتَّفَقٌ على استعمالهِ في البهيمة الْمُنْفَلِتَةِ إذا أصابت إنساناً أو مالاً أنه لا ضمانَ على صاحبها إذا لَم يرسلْها هو عليه ، وليس في قصَّة البراءِ بن عازب إيجابُ الضمان ، ولأنّ الأشياءَ الموجبةَ للضمانِ لا تختلفُ بالليل والنهار . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ } ؛ أي وسخَّرنا الجبالَ والطيرَ يسبحن مع داودَ ؛ أي أن الجبالَ كانت تسيرُ مع داود أين يذهبُ ، ومما يؤيدُ هذا قَوْلُهُ تَعَالَى : { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ } [ سبأ : 10 ] ، قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } ؛ هذه الأشياءَ دلالةً على نبوَّته . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ } ؛ أي وعلَّمنا داودَ صَنْعَةَ الدِّرْعِ ، وسُمي الدرع لَبُوساً ؛ لأنَّها تُلبس ، كما يقالُ للبعير : رَكُوبٌ ؛ لأنه يُرْكَبُ ، والسلاحُ كله لَبُوسٌ عند العرب دِرعاً كان أم جَوْشَناً أو سَيفاً أم رُمحاً ، والْجَوْشَنُ هو الدرعُ الصغيرة . قال قتادةُ : ( أوَّلُ مَنْ صَنَعَ الدِّرْعَ دَاوُدُ ، وَإنَّمَا كَانَتْ مِنْ صَفَائِحَ ، فَهُوَ أوَّلُ مَنْ سَرَدَهَا وَحَلَفَهَا ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } ؛ أي ليُحرِزَكم من شدَّة القتالِ . قرأ شيبةُ وأبو بكرٍ ويعقوبُ ( لِنُحْصِنَكُمْ ) بالنون ، لقوله ( وَعَلَّمْنَاهُ ) . وقرأ ابنُ عامر وحفص بالتاء ، يعني الصَّنْعَةَ . وقرأ الباقون بالياءِ على معنى لِيُحْصِنَكُمُ اللَّبُوسُ . وَقِيْلَ : على معنى ليُحْصِنَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ( مِنْ بَأْسِكُمْ ) أي من حربكم ، وقيل : من وقع السلاح فِيكُمْ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } ؛ يا أهلَ مكَّة .