Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 87-87)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } ؛ يعني يُونُسَ بْنَ مَتَّى أحْبَسَهُ الله في بَطْنِ النُّونِ ، وهو الحوتُ ، ومعنى الآية : وَاذْكُرْ ذا الحوتِ إذْ ذهَبَ مُغَاضِباً لقومهِ . روي : أنهُ خرجَ مِن بينهم قَبْلَ أن يؤذنَ له في الخروجِ ، وكان خروجهُ من بينهم خطيئةً ، وإنَّما خرجَ منهم على تركِهم الإيْمانَ به ، هكذا رُوي عن ابنِ عبَّاس والضحَّاك . وَقِيْلَ : كان يونسُ وقومُهُ يسكنون فلسطين فعداهم مَلِكٌ فسبَى منهم خَلْقاً كثيراً ، فأوحَى اللهُ إلى أشعيا النبيِّ عليه السلام : إذْهَبْ إلى الملكِ حزقيا فقُل له : تَوِّجْهُ نبيّاً قوياً أميناً ، فإنِّي أُلقِي في قلوب أولئك التخلية حتى يُرسلوا معه بني إسرائيل ، فقال الملكُ : مَن ترى يرسلُ ؟ وكان في مَملكته خمسةً من الأنبياءِ ، فقال لهُ : أرسِلْ يونسَ فإنه قويٌّ أمين ، فأتى الملكَ يونسُ فأخبرَهُ أن يخرجَ ، فقال يونسُ : هل أمَرَكَ اللهُ بإخراجي ؟ قال : لاَ ، فقال : فهل سَمَّانِي لكَ ؟ قال : لا ، قال : فهنا أنبياءٌ غَيري أقوياءُ أمناءُ ، فألَحَّوا عليه فخرجَ مُغاضِباً للنبيِّ والملكِ ولقومه . فأتَى بحرَ الرُّوم ، فإذا سفينةٌ مشحونةٌ فرَكِبَ مع أصحابها ، فلما صارت في لُجَّةِ البحرِ انكفأَتْ حتى كادوا يغرَقون ، فقال الملاَّحون : ها هنا عبدٌ آبقٌ عاصٍ ، فاقترِعُوا ، فمَن وقعت عليه القرعةُ ألقيناهُ في البحرِ ، لئن يغرقَ واحدٌ منَّا خيرٌ مِن أن تغرقَ السفينةُ بما فيها . فاقترعوا ثلاثاً فوقعت القرعةُ كلُّها على يونسَ ، فقال يونسُ : أنا الرجلُ العاصي والعبدُ الآبقُ ، وألقَى نفسَهُ في الماءِ . فجاءَ حوتٌ فابتلعه ، ثُم جاء حوتٌ آخر أكبرَ منه فابتلعَ الحوتَ أيضاً . فأوحىَ الله إلى الحوتِ لا تُؤْذِي منه شعرةً ، فإنِّي قد جعلتُ بطَنَكَ سِجْنَهُ ، ولَم أجعلْهُ رزْقاً لكَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } ، بالعقوبةِ ، يقال قَدَرَ اللهُ الشيءَ وَقَدَّرَهُ ؛ أي قَضَاهُ . وَقِيْلَ : معناه : فَظَنَّ أن لن نُضَيِّقَ عليه السجنَ ، من قولهِ تعالى : { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [ الطلاق : 7 ] أي ضُيِّقَ ، وَقولهِ { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } [ الروم : 37 ] ، وقد ضَيَّقَ اللهُ على يونس أشدَّ تضييقٍ . وَقِيْلَ : معناهُ : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } ما قَدِرْنَا من كونه في بطنِ الحوت . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ } ؛ قال ابنُ عباس : ( هِيَ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ ) ، وقال سالِمُ ابن أبي الْجَعْدِ : ( كَانَ حُوتاً فِي بَطْنٍ حُوتٍ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } ؛ أي الظَّالِمين لنفسِي في خُروجي من قومي قبلَ الإذن . قال الحسنُ : ( وَهَذا مِنْ يُونُسَ اعْتِرَافٌ بذنْبهِ ، وَتَوْبَتِهِ مِنْ خَطِيْئَتِهِ ، تَابَ إلَى رَبهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ وَرَاجَعَ نَفْسَهُ ) . قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إلاَّ فَرَّجَ اللهُ عَلِيْهِ ، كَلِمَةُ أخِي يُونُسَ : لاَ إلَهَ إلاَّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ " . وقال وهبُ بن منبه : ( إنَّ يونسَ بن متَّى عليه السلام كان عبداً صالحاً ، وكان في خُلُقِهِ ضيقٌ ، فلمَّا حُملَتْ عليه أثقالُ النبوَّة ، تفسَّخَ تحتَها تفسَّخَ الربع تحت الحملَ الثقيل فقذفَها بين يديهِ ، وخرجَ هارباً منها فلذلكَ أخرجَهُ اللهُ من أُوْلِي العَزْمِ قال اللهُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] وقال { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } [ القلم : 48 ] أي لا تَلْقَ قَوْلِي كما ألقاهُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } أي ظَنَّ أن لن نَقْضِيَ عليهِ بما قضَينا من العقوبةِ ، ودليلهُ قراءة الزهريِّ : ( أنْ لَنْ نُقَدِّرَ عَلَيْهِ ) مُشدَّداً . وقرأ عبيدُ بن عمير : ( يُقَدَّرَ عَلَيْهِ ) بالتشديد على الْمَجهُولِ . واختلَفُوا في مُدَّةِ لَبْثِهِ في بطنِ الحوت ، فقيلَ : أربعونَ يوماً ، وَقِيْلَ : سبعةُ أيَّام ، وَقِيْلَ : ثلاثةُ أيَّام ، وأمسكَ اللهُ نَفْسَهُ فلم يقتلْهُ هناكَ . وروى أبو هريرةُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال : " لَمَّا أرَادَ اللهُ حَبْسَ يُونُسَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أوْحَى اللهُ إلَى الْحُوتِ : أنْ خذْهُ وَلاَ تَخْدِشْ لَهُ لَحْماً وَلاَ تَكْسِرْ لَهُ عَظْماً . فَأَخَذهُ ثُمَّ هْوَى بهِ إلَى مَسْكَنِهِ فِي الْبَحْرِ ، فَلَمَّا انْتَهَى بهِ إلَى أسْفَلِ الْبَحْرِ سَمِعَ يُونُسُ حِسّاً ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ : مَا هَذا ؟ فَأَوْحَى اللهُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ : أنَّ هَذا تَسْبيْحُ دَوَاب الْبَحْرِ ، قال : فَسَبَّحَ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ، فَسَمِعَتِ الْمَلاَئِكَةُ تَسْبيْحَهُ ، فَقَالُواْ : رَبَّنَا إنَّا سَمِعْنَا صَوْتاً ضَعِيْفاً بأَرْضٍ غَريبَةٍ ؟ قَالَ : ذلِكَ عَبْدِي يُونُسُ عَصَانِي فَحَبَسْتُهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ، قَالُواْ : الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ لَهُ إلَيْكَ مِنْهُ فِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلٌ صَالِحٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَشَفَعُواْ لَهُ ، فَأَمَرَ اللهُ الْحُوتَ ، فَقَذفَهُ عَلَى السَّاحِلِ وَهُوَ سَقِيْمٌ " . وعن ابنِ عبَّاس قالَ : أتَى جِبْرِيْلُ إلَى يُونُسَ فَقَالَ : انْطَلِقْ إلَى أهَلِ نِيْنَوَى فأنْذِرْهُمْ أنَّ الْعَذابَ قَدْ حَضَرَهُمْ ، قَالَ : حَتَّى ألْتَمِسَ دَابَّةً ، قَالَ : الأَمْرُ أعْجَلُ مِنْ ذلِكَ ، فَانْطَلَقَ إلَى السَّفِيْنَةِ فَرَكِبَهَا فَأَخْشَبَتِ السَّفِيْنَةُ ، فَسَاهَمُواْ فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَيْهِ ، فَجَاءَ الْحُوتُ يُنَصِّصُ بذنَبهِ فَالْتَقَمَهُ ، فَنُودِيَ الْحُوتُ : إنَّا لَمْ نَجْعَلْهُ رزْقاً لَكَ ، وَإنَّمَا جَعَلْنَاكَ لَهُ سِجْناً ، وَانْطَلَقَ الْحُوتُ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى مَرَّ بهِ عَلَى الأَيْكَةِ ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى دِجْلَةَ ) . وكانَ ابنُ عبَّاس يقولُ : ( كَانَتْ رسَالَةُ يُونُسَ بَعْدَ مَا نَبَذهُ الْحُوتُ ، وَدَلِيْلُ هذا أنَّ اللهَ ذكَرَ قِصَّةَ يُونُسَ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ ، ثُمَّ عَقَّبَهَا بقَوْلِهِ { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] ) . وقال آخرون : بل كانت قصةُ الحوتِ بعد دعائهِ قومَهُ ، وتبليغهِ الرسالةَ .