Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 2-2)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } ؛ قال سِيْبَوَيْهِ : ( مَعْنَاهُ فِي الْفَرَائِضِ عَلَيْكُمْ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ؛ لأنَّهُ لَوْلاَ ذلِكَ لِنُصِبَ بالأَمْرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ : { فَٱجْلِدُواْ } ) . والْجَلْدُ في اللُّغة : ضَرْبُ الْجِلْدِ ، يقالُ : جَلَدَهُ ؛ إذا ضَرَبَ جِلدَهُ ورأسَهُ ، إذا ضَرَبَ رَأسَهُ وَبَطْنَهُ ، إذا ضَرَبَ بَطْنَهُ . ومعنى الآيةِ : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي إذا كانا حُرَّيْنِ بالِغَين عاقلَين بكْرَين غيرِ مُحصنين ، فَاضْرِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ . فأمَّا إذا كانا مَملُوكَين ، فيُحَدُّ كلُّ واحدٍ منهما خمسونَ جلدةً في الزِّنا لقولهِ تعالى في الإمَاءِ : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [ النساء : 25 ] يعني إذا عَقِلْنَ فعليهنَّ نصفُ حدِّ الحرائرِ . وإذا كان الزَّانِي مُحصِناً فحدُّهُ الرجمُ ؛ لأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَجَمَ مَاعِزَ بنَ مالك الأسلمِيِّ بزِنَاهُ ، وكان قد أحْصَنَ . وكانَ عمرُ عليه السلام يقولُ : ( إنِّي لأَخْشَى إنْ طَالَ الزَّمَانُ أنْ يَقُولَ قَائِلٌ : لاَ نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَاب اللهِ تَعَالَى ، فَيَضِلُّواْ بتَرْكِ الْفَرِيْضَةِ أنْزَلَهَا اللهُ ، وَقَدْ قَرَأنَا : [ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ ] وَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، وَلَوْلاَ أنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : زَادَ عُمَرُ فِي كِتَاب اللهِ لَكَتَبْتُ ذلِكَ عَلَى حَاشِيَةِ الْكِتَاب ) . واجتمعتِ الأمةُ على رجمِ الْمُحْصَنَيْنِ إذا زَنَيَا إلاّ الخوارجَ . وأما الإحصانُ في هذا فهو أن يكونَ حُرّاً بالِغاً عاقلاً مُسلماً قد تزوَّجَ قبلَ ذلك نِكاحاً صحيحاً ، ودخلَ بزوجتهِ في وقتٍ كانا جميعاً فيه على صفةِ الإحصانِ ، وهذا قولُ أبي حنيفةَ ومحمَّد ، فإنَّهما يشرُطانِ هذه الشَّرائطَ السبعةَ في إحصانِ الزَّانِي . وأما أبو يوسُفَ فلا يجعلُ الإسلامَ من شرائطِ الإحصانِ ، ولا يشترطُ كونُهما على صفةِ الإحصانِ وقتَ الدُّخولِ في النكاحِ الصحيح ، فجعلَ الرجلَ البالغَ العاقل المسلمَ مُحْصَناً بالدخولِ بزوجتهِ الأَمَةِ والصبيَّة والكتابيَّة ، ويجعلُ الزوجينِ الرَّقيقين محصَنين بالدخولِ في النكاحِ الذي بينَهم إذا أُعْتِقَا بعدَ ذلك ، فإن لَم يوجد الدخولُ في ذلك النكاحِ بعد العِتْقِ إلى أن زَنَى واحدٌ منهما ، فهُمَا غيرُ محصَنين عندَهُ . وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه : " أنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَاب جَاءَ إلَى رَسُولِ اللهِ : أنْشُدُكَ اللهُ إلاَّ قَضَيْتَ لِي بكِتَاب اللهِ ، فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؛ اقْضِ بَيْنَنَا بكِتَاب اللهِ ، فَقَالَ : صلى الله عليه وسلم : " قُلْ " قَالَ : إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيْفاً عَلَى هَذا ، فَزَنَى بامْرَأتِهِ ، وَإنِّي أُخْبرْتُ أنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ ، فَافْتَدَيْتُهُ بمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيْدَةٍ ، فَسَأَلْتُ أهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أنَّ عَلَى ابْنِي مِائَةَ جَلْدَةٍ وَتَغْرِيْبَ عَامٍ ، وَأنَّ عَلَى امْرَأةِ هَذا الرَّجْمَ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بكِتَاب اللهِ ، الْوَلِيْدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيْبُ عَامٍ ، وَاغْدُ يَا أنَسُ إلَى امْرَأةِ هَذا ، فَإنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا " قَالَ : فَغَدَا عَلَيْهَا ، فَاعْتَرَفَتْ ؛ فَأَمَرَ بهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَتْ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ } ؛ أي لاَ تَأْخُذْكُمْ بهمَا رَأفَةٌ ورحمةٌ يَمنعُ عن إقامةِ الحدِّ ، ويحلُّ بمقدار عددهِ وصفته ، فإنه ليس من صفاتِ المؤمنينَ تضييعُ حُدودِ الله ، وقولهُ تعالى { فِي دِينِ ٱللَّهِ } ، قال ابنُ عبَّاس : ( فِي حُكْمِ اللهِ ) كقولهِ { فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ } [ يوسف : 76 ] أي في حُكْمِهِ ، { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } ؛ ولا تُعطِّلوا الحدودَ . قرأ ابنُ كثيرٍ ( رَأفَةٌ ) بفتحِ الهمزة . وإنَّما ذكرَ الضَّربَ بلفظِ الْجَلْدِ لئلاَّ يُبَرَّحَ ولا يبلغَ به اللحمَ . واختلفَ العلماءُ في قوله { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } فقال قومٌ : معناهُ : ولا تأخذُكم الرأفةُ بهما فتعطِّلوا الحدودَ ولا تقيموها شفقةً عليهما ، وهو قولُ عطاء ومجاهدُ وقتادة وعكرمة وسعيدُ بن جبير والنخعي والشعبيُّ . وقال الزهريُّ وسعيدُ بن المسيَّب والحسنُ : ( مَعْنَاهُ : اجْتَهِدُواْ فِي الْجَلْدِ وَلاَ تُخَفِّفُوا كَمَا يُخَفَّفُ فِي حَدِّ الشُّرْب ، بَلْ يُوجَعُ الزَّانِي ضَرْباً ، وَلاَ يُخَفَّفُ رَأفَةً لَهُ ، كَأَنَّهُ قَالَ : لاَ تَأْخُذُكُمْ بهِمَا فَتُخَفِّفُواْ الضَّرْبَ ، بَلْ أوْجِعُوهُمَا ضَرْباً ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ؛ أي لِيَكُنْ إقامةُ الحدِّ عليهما بحضرةِ جماعةٍ من المؤمنين ليستفيضَ الخبرُ بهما ، ويُبَلِّغَ الشاهدُ الغائبَ ، فيرتدعُ الناس عن مثلهِ ، ويرتدعُ المضروبُ ويستحيي فلا يعودُ إلى مثلِ ذلك . واختلَفُوا في مبلغِ عدد الطائفةِ ، فقال الزهريُّ : ( أقَلُّهُ ثَلاَثَةٌ ) ، وقال ابنُ زيدٍ : ( أرْبَعَةٌ بَعْدَ شُهُودِ الزِّنَا ) ، وقال قتادةُ : ( نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ ) . وفي الخبرِ : " إقَامَةُ حَدٍّ فِي أرْضٍ خَيْرٌ لأَهْلِهَا مِنْ مَطَرِ أرْبَعِيْنَ يَوْماً " وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ : " يَا مَعْشَرَ النَّاسِ ؛ اتَّقُوا الزِّنَا فَإنَّ فِيْهِ سِتَّ خِصَالٍ ؛ ثلاَثٌ فِي الدُّنْيَا وَثَلاَثٌ فِي الآخِرَةِ ، فَاللاَّتِي فِي الدُّنْيَا : تُذْهِبُ الْبَهَاءَ ، وَتُورِثُ الْفَقْرَ ، وَتُنْقِصُ الْعُمْرَ . وَأمَّا اللاَّتِي فِي الآخِرَةِ : فَتُوجِبُ السُّخْطَ ؛ وَسُوءَ الْحِسَاب ؛ وَالْخُلُودَ فِي النَّارِ " . وقال صلى الله عليه وسلم : " أعْمَالُ أُمَّتِي تُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ، فَاشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى الزُّنَاةِ " وعن وهب بن مُنبه قال : ( مكتوبٌ في التوراةِ : الزَّانِي لا يَموتُ حتى يفتقرَ ، والقوَّادُ لا يَموتُ حتى يعمَى ) . فإن قيلَ : لِمَ بدأ اللهُ بذكرِ الزَّانيةِ قبل ذِكر الزَّانِي فقالَ تعالى { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } ، وبذكرِ السَّارقِ قبلَ ذِكر السَّارقةِ في آيةِ السَّرقة فقالَ : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } [ المائدة : 38 ] ؟ قِيْلَ : لأنَ الرجُلَ هو الذي يسرقُ غالباً ، والمرأةُ هي السببُ في الزِّنا غالباً ، فأخرجَ الخطابَ في المؤمنين على الأغلب .