Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 3-3)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ ، دَخَلُواْ الْمَدِيْنَةَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَسَاكِنُ وَلا مَالٌ يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَلاَ أهْلٌ يَأْوُونَ إلَيْهِمْ ، وَفِي الْمَدِيْنَةِ بَاغِيَاتٌ سَافِحَاتٌ يَكْرِيْنَ أنْفُسَهُمَّ وَيَضْرِبْنَ الرَّايَاتِ عَلَى أبْوَابهِنَّ يَكْتَسِبْنَ بذلِكَ ، وَكَانَ أُوْلَئِكَ الْمُهَاجِرِيْنَ الْفُقَرَاءَ يَطْلُبُونَ مَعَايشَهُمْ بالنَّهَارِ وَيَأْوُونَ إلَى الْمَسَاجِدِ باللَّيْلِ ، فَقَالُواْ : لَوْ تَزَوَّجْنَا مِنْهُنَّ فَعِشْنَا مَعَهُمْ إلَى يَوْمِ يُغْنِيْنَا اللهُ عَنْهُنَّ ، وَقَصَدُواْ أنْ يَتَزَوَّجُوهُنَّ وَيَنْزِلُواْ مَنَازِلَهُنَّ ، وَيَأْكُلُواْ مِنْ كَسْبِهنَّ ، فَشَاوَرُواْ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فِي ذلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ ، فَنُهُواْ أنْ يَتَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى أنْ يُحِلُّوهُنَّ وَالزِّنَا ) . والمعنى : لا يرغبُ في نكاحِ الزانية إلاّ زَانٍ مثلُها ، ونظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ } [ النور : 26 ] مَيْلُ الخبيثِ إلى الخبيثِ وميلُ الطيِّب إلى الطيب ، وقد يقعُ الطيبُ مع الخبيثِ ، لكن الأعمَّ والأغلبَ ما ذكرنا . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } ؛ أي حُرِّمَ على المؤمنينَ تزويجُ تلك الباغياتِ المعلِنات بالزِّنا ، وفيه بيانُ أن مَن يتزوجُ بامرأةٍ منهنَّ فهو زَانٍ ، فالتحريمُ كان خاصَّة على أولئكَ دون الناسِ . ومذهبُ سعيدِ بن المسيَّب : أنَّ التحريمَ كان عامّاً عليهم وعلى غيرِهم ، ثُم نُسِخَ التحريمُ بقولهِ تعالى { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } [ النور : 32 ] ، فإن تزوجَ الرجلُ امرأةً وعاينَ منها الفجُورَ لَم يكن ذلك تَحريْماً بينَهما ولا طَلاقاً ، ولكنه يُؤْمَرُ بطلاقِها تَنَزُّهاً عنها ، ويخافُ عليه الإثمَ في إمساكِها ؛ لأن اللهَ تعالى شَرَطَ على المؤمنين نكاحَ الْمُحصَناتِ من المؤمناتِ . ورويَ " أنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ إنَّ امْرَأتِي لاَ تَرُدُّ يَدَ لاَمِسٍ ! فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " طَلِّقْهَا " فَقَالَ : إنِّي أُحِبُّهَا ، وَأخَافُ إنْ طَلَّقْتُهَا أنْ أُصِيْبَها حَرَاماً ، فَقَالَ لَهُ : " أمْسِكْهَا إذاً " " إلاّ أنَّ هذا الحديثَ فيه خلافُ الكتاب ؛ لأن اللهَ تعالى أذِنَ في نكاحِ الْمُحصَناتِ ، ثُم أنزلَ اللهُ في القاذفِ لامرأته آيةَ اللِّعانِ ، وسَنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التفريقَ بينهما ، ولا يجتمعان أبداً ، فكيفَ يأمرهُ بالوقفِ على عاهرةٍ لا تَمتنعُ عمَّن أرادَها ، والحديثُ الذي ذُكِرَ لَم يصِحَّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، ثُم إنْ صَحَّ فتأويلهُ أنَّها امرأةٌ ضعيفةُ الرَّأيِ في تضييعِ مال زوجِها ، فهي لا تَمْنعهُ مِن طالبٍ ولا تحفظهُ من سارقٍ ، وهذا التأويلُ أشبهُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وأحرَى لحديثهِ . ويحتملُ أن يكون قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } إشارةً إلى الزِّنا . وعن عمرِو بن شُعيبٍ عن أبيه عن جدِّه : ( أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَرْثَدَ الْغَنَوِيِّ ، كَانَ قَدْ أمَرَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ يَحْمِلُ ضَعَفَةَ الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِيْنَةِ ، وَمِنَ الْمَدِيْنَةِ إلَى مَكَّةَ ، وَكَانَتْ لَهُ صَدِيْقَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهَا : عِنَاقٌ ، فَلَقِيَتْهُ بمَكَّةَ فَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا فَأَبَى وَقَالَ : إنَّ الإسْلاَمَ قَدْ حَالَ دُونَ ذلِكَ ، فَقَالَتْ لَهُ : فَانْكَحْنِي ، فَقَالَ : حَتَّى أُشَاوِرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَسَعَتْ بهِ إلَى الْمُشْرِكِيْنَ ، فَهَرَبَ إلَى الْمَدِيْنَةِ وَأخْبَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَشَاوَرَهُ فِي تَزَوُّجِهَا ، فأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ ) . وبَيَّنَ أن نكاحَ المشركةِ زنا ؛ لأنَّها لا تحلُّ له ، وقَرَنَ بين الزِّنا والشِّركِ على طريقِ المبالغة في الزَّجرِ عن الزِّنا حين كان القومُ يألَفُون الزنا ألْفاً شديداً . وكان بحسب ظاهر الآية أن يكونَ للزانِي أن يتزوجَ المشركةَ ، وللزَّانيةِ أن تتزوجَ المشركَ ، ولا خلافَ أن ذلك غيرُ جائرٍ ، وأنَّ نكاحَ المشركاتِ وتزوُّجَ المشركين منسوخٌ بقولهِ تعالى { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } [ البقرة : 221 ] وبقوله { وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ } [ البقرة : 221 ] . وذهبَ بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ معنى الآية : الزانِي لا يطَأُ إلاّ زانيةً ؛ أي لا يزنِي حينَ يزنِي إلاّ بزانيةٍ مثله ، وكذلك الزانيةُ لا يزنِي بها إلاّ زَانٍ مثلُها ، حتى إذا طاوعَ أحدُهما الآخرَ ، فهُمَا سواءٌ في استحقاقِ الحدِّ وعقاب الآخرة ، فكأنَّ المرادَ بالنكاحِ الوطءُ .