Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 10-10)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } ؛ قال ابنُ عبَّاس : " وَذلِكَ أنَّ مَلَكاً أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ ، فَقَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللهِ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أنْ يُعْطِيْكَ خَزَائِنَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَمَفَاتِيْحَ كُلِّ شَيْءٍ لَمْ يُعْطَهَا أحَدٌ قَبْلَكَ ، وَلَمْ يُعْطَهَا أحَدٌ بَعْدَكَ مِنْ غَيْرِ أنْ يُنْقِصَكَ شَيْئاً مِمَّا ادَّخَرَ لَكَ فِي الآخِرةِ ، وَبَيْنَ أنْ يَجْمَعَهَا لَكَ فِي الآخِرَةِ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " بَلْ يَجْمَعُهَا لِي فِي الآخِرَةِ " " . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " خَيَّرَنِي جِبْرِيْلُ بَيْنَ أنْ أكُونَ نَبيّاً مَلِكاً وَبَيْنَ أنْ أكُونَ نَبيّاً عَبْداً ، فَاخْتَرْتُ أنْ أكُونَ نَبيّاً عَبْداً ؛ أشْبَعُ يَوْماً وَأجُوعُ يَوْماً ، أحْمَدُ اللهَ إذا شَبعْتُ ، وَأتَضَرَّعُ إلَيْهِ إذا جِعْتُ " . " وكان صلى الله عليه وسلم يَأكُلُ عَلَى الأَرْضِ ، وَيَجْلِسُ جَلْسَةَ الْعَبْدِ ، وَيَخْصِفُ النَّعْلَ ، وَيُرَقِّعُ الثَّوْبَ ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَاري ، وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ ، وَكَانَ قَدْ مَاتَ ذِكْرُ الدُّنْيَا عَنْ نَفْسِهِ ، وَيَقُولُ : ( وَا عَجَباً كُلَّ الْعَجَب لِلْمُعْتَرِفِ بدَارِ الْخُلُودِ وَهُوَ يَعْمَلُ لِدَارِ الْغُرُور ) " . ومعنى الآية : تَبَارَكَ وتعالى إنْ شاءَ يجعلُ لكَ خيراً مما قالوهُ في الدُّنيا من جناتٍ وقصُورٍ ، وإنْ شاءَ يجعل لكَ قصُوراً في الدُّنيا ؛ أي لو شاءَ جعلَ لك أفضلَ من الكنْزِ والبستان الذي ذكَرُوا ، ويجعل لكَ جناتٍ تجري من تحتِها الأنْهارُ يعني في الدُّنيا ؛ لأنه قد شاءَ أن يعطيَهُ في الآخرةِ . وقولهُ تعالى { وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } مَن قرأ بالجزمِ ، كان المعنى إن شاءَ جَعَلَ لكَ الجناتِ ويجعل لك قصُوراً في الدُّنيا ، لأنه قد شاءَ ، وإنَّما لَم يجعلِ الحكمةَ التي أوجبت لك . قرأ ابنُ كثير وابن عامر وعاصمُ : ( وَيَجْعَلُ ) بالرفعِ على الاستئناف بمعنى : وسيجعلُ لكَ قصُوراً في الجنَّةِ في الآخرةِ . والقُصُورُ : هي البيوتُ المشيَّدَةُ ، سُمِّي القَصْرُ قَصْراً ؛ لأنه قُصِرَ ومُنِعَ مِن الوُصولِ إليه . وعن ابنِ عبَّاس أنه قالَ : " لَمَّا عَيَّرَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالْفَاقَةِ فَقَالُواْ : مَا لِهَذا الرَّسُولِ يَأَكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ ، وَيَمْشِي فِي الْمَعَاشِ ، تَعِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذلِكَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيْلُ عليه السلام مُعَزِّياً لَهُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ رَبُّكَ يُقْرِؤُكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } لِطَلَب الْمَعَاشِ فِي الدُّنْيَا . فَبَيْنَمَا جِبْرِيْلُ وَالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَدَّثَانِ إذْ أقْبَلَ رضْوَانُ خَازِنُ الْجِنَانِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ سِفْطٌ مِنْ نُورٍ يَتَلأْلأُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ رَبُّكَ يُقْرِؤُكَ السَّلاَمَ ، وَيَقُولُ لَكَ : هَذِهِ مَفَاتِِيْحُ خَزَائِنِ الدُّنْيَا مَعَ أنَّهُ لاَ يُنْقَصُ حَظُّكَ فِي الآخِرَةِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، فَنَظَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى جِبْرِيْلَ مُشِيْراً ، ثُمَّ قَالَ : " يَا رضْوَانُ ؛ لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهَا ، الْعَفْوُ أحَبُّ إلَيَّ وَأنْ أكُونَ عَبْداً صَابراً شَكُوراً حَامِداً مِنَ السَّمَاءِ " فَرَفَعَ جِبْرِيْلُ رَأسَهُ ، فَإذا السَّمَاوَاتُ قَدْ فُتِحَتْ أبْوَابُهَا إلَى الْعَرْشِ ، فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ أنْ تُدْلِي أغْصَانَهَا ، فَإذا غُرْفَةٌ مِنْ زُبُرْجُدَةٍ خَضَرَاءَ لَهَا سَبْعُونَ ألْفَ بَابٍ مِنْ ياقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ، فَقَالَ جِبْرِيْلُ : يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ بَصَرَكَ ، فَرَفَعَ فَرَأى مَنَازِلَ الأَنْبيَاءِ قَدْ فَصَلَ بهَا مِنْ دُونِهِمْ ، وَإذا بمُنَادٍ : أرَضِيْتَ يَا مُحَمَّدُ ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " قَدْ رَضِيْتُ " " .