Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 23-35)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ؛ أي قالَ له فرعونُ : وَمَا رَبُّ الْعَالَمِيْنَ ؟ أي قالَ له فرعونُ : أيُّ شَيْءٍ رَبُّ العالَمين الذي تدعُونِي إليهِ ، { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } ؛ بأنَّ المستحِقَّ للربوبيَّة مَن يكون هذه صفتهُ ، وأنَّ هذه الأشياءَ التي ذكرتُ ليست مِن فِعْلِكم . فلما قالَ موسى ذلك تَحَيَّرَ فرعونُ ولَم يَرُدَّ جَواباً ينقضُ به هذا القولَ . { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } ؛ مقالةَ موسَى ؟ ! وَ { قَالَ } موسَى : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } ؛ بَيَّنَ أنَّ المستحقَّ للربوبية من هو ربُّ أهلِ كلِّ عصرٍ وزمان ؛ أي الذي خَلَقَ آباءَكم الأوَّلين ، وخلَقَكم من آبائِكم . فلم يَقْدِرْ فرعونُ على جوابهِ ، فـ { قَالَ } فرعونُ لجلسائهِ : { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } ؛ أي ما هذا بكلامٍ صحيح إذ يزعمُ أن لَهُ إلَهاً غَيْرِي . فلم يَشْتَغِلْ موسَى بالجواب عن ما نَسَبَهُ إليه من الجنونِ ، ولكن اشتغلَ بتأكيدِ الْحُجَّةِ والزِّيادةِ ، { قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ؛ توحيدَ اللهِ ، فإن كنتم ذوي عقولٍ لَمْ يَخْفَ عليكم ما أقولُ . فلم يُجِبْهُ فرعونُ بشيء ينقضُ حجَّته ، بل هدَّدَهُ و { قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } ؛ أي لأَحْبسَنَّكَ مع مَن حبستهُ في السِّجنِ . ظَنَّ بجهلهِ أن يخافَهُ ويتركَ عبادةَ الله ويتخِذ فرعونَ إلَهاً . وكان سجنُ فرعونَ أشدُّ من القتلِ ؛ لأنه كان إذا حَبَسَ الرجلَ طَرَحَهُ في مكانٍ وحدَهُ لا يسمعُ فيه شيئاً ، ولا يُبْصِرُ فيه شيئاً ، وكان يُهْوَي به في الأرضِ . و { قَالَ } موسَى لفرعونَ حين توعَّدَهُ بالسِّجنِ : { أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } ؛ يعنِي لو جِئْتُكَ بأمرٍ ظاهر تعرفُ فيه صِدْقِي وكَذِبَكَ . و { قَالَ } ؛ فرعونُ على وجهِ التهزِئَةِ { قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } . { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } أي حَيَّةٌ صفراءُ ، ذكَرٌ عظيمٌ أعظمُ ما يكون من الحيَّاتِ ، قال فرعونُ : فَهَلْ غَيْرُ هَذِهِ ! { وَنَزَعَ يَدَهُ } ؛ مِن جيبهِ ، { فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ } ؛ بيَاضاً نُورِيّاً لَها شعاعُ الشَّمسِ ، { لِلنَّاظِرِينَ } . فإنْ قِيْلَ : كيف سَمَّى العصا ثُعباناً في هذه الآيةِ ، وسَماها جَاناً في آيةٍ أُخرَى حيثُ قال { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } [ القصص : 31 ] والجانُّ الخفيفةُ ؟ قُلْنَا : إنَّما سَمَّاها ثُعباناً لعِظَمِ حسِّها ، وسَمَّاها جَانَاً لسُرعَةِ مِشْيَتِهِ وحركتهِ ، وفي ذلك ما يدلُّ على عِظَمِ الآيةِ . فلم يكن لفرعونَ دفعٌ لِمَا شاهدَ إلاَّ أنْ قَالَ : هَذا " سِحْرٌ " سَحَرْتُمُوهُ ، فأوهَمَ أصحابَهُ أنه لا صِحَّةَ لهُ ، وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( وَكَانَ الْمَلأُ حَوْلَهُ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ أشْرَافِ قَوْمِهِ ، عَلَيْهِمْ الأَسْوِرَةُ ) فَقَالَ لَهُمْ : إنَّ هَذا لَسَاحِرٌ حَاذِقٌ بالسِّحْرِ ، { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } ؛ يُلقِي الفرقةَ والعداوة بينَكم فيُخرِجَكم من بلادكم ، { بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } ؛ أي ماذا تُشِيرُونَ عَلَيَّ في أمرهِ ، ولو تَفَكَّرَ هؤلاء الْجُهَّالُ في قولهِ ذلكَ لعَلِمُوا أنه ليس بإلهٍ لافتقارهِ إلى رأيهم ، ولكنَّهم لفَرْطِ جهلِهم مَوَّهَ عَلَيْهِمْ .