Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 16-16)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } ؛ أي وَرثَ نُبُوَّتَهُ وعلمَهُ ومُلكَهُ ، وذلك أنهُ كان لداودَ تِسْعَةَ عشرَ إبناً ذكراً ، فوَرثَ سليمانُ مُلْكَهُ ومجلسَهُ ومقامه ونبوَّته مِن بينهم . وعن أبي هريرةَ قال : ( نَزَلَ كِتَابٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى دَاوُدَ عليه السلام مَخْتُوماً ، فِيْهِ عَشْرُ مَسَائِلَ ؛ أن اسْأَل ابْنَكَ سُلَيْمَانَ عَنْهُنَّ ، فَإنْ أخْرَجَهُنَّ فَهُوَ الْخَلِيْفَةُ مِنْ بَعْدِكَ . قَالَ : فَدَعَا دَاوُدُ سَبْعِيْنَ قِسِّيْساً وَسَبْعِيْنَ حَبْراً ، وَأجْلَسَ سُلَيْمَانَ بَيْنَهُمْ ، وَقَالَ لَهُ : يَا نَبيَّ اللهِ ؛ إنَّهُ نَزَلَ كِتَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فِيْهِ عَشْرُ مَسَائِلَ ، أرَدْتُ أنْ أسْأَلَكَ عَنْهُنَّ ، فَإنْ أنْتَ أخْرَجْتَهُنَّ فَأَنْتَ الْخَلِيْفَةُ مِنْ بَعْدِي . فَقَالَ سُلَيْمَانُ : لِتَسْأَلْ نَبيَّ اللهِ عليه السلام عَمَّا اللهُ يَرَاهُ ، وَمَا تَوْفِيْقِي إلاَّ باللهِ . قَالَ : أخْبرْنِي يَا نَبيَّ : مَا أبْعَدُ الأَشْيَاءِ ؟ وَمَا أقْرَبُ الأَشْيَاءِ ؟ وَمَا آنَسُ الأَشْيَاءِ ؟ وَمَا أوْحَشُ الأَشْيَاءِ ؟ وَمَا الْقَائِمَانِ ؟ وَمَا الْمُخْتَلِفَانِ ؟ وَمَا الْمُتَبَاغِضَانِ ؟ وَمَا الأَمْرُ الَّذِي إذا رَكِبَهُ الرَّجُلُ حَمَدَ آخِرَهُ ؟ وَمَا الأَمْرُ الَّّذِي إذا رَكِبَهُ الرَّجُلُ ذمَّ آخِرَهُ ؟ فَقَالَ سُلَيْمَانُ : أمَّا أقْرَبُ الأَشْيَاءِ فَالآخِرَةُ ، وَأمَّا أبْعَدُ الأَشْيَاءِ فَمَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا ، وَأمَّا آنَسُ الأَشْيَاءِ فَجَسَدٌ فِيْهِ رُوحٌ ، وَأمَّا أوْحَشُ الأَشْيَاءِ فَجَسَدٌ لاَ رُوحَ فِيْهِ ، وَأمَّا الْقَائِمَانِ فَالسَّّمَاءُ والأَرْضُ ، وَأمَّا الْمُخْتَلِفَانِ فَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَأمَّا الْمُتَبَاغِضَانِ فَالْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ ، وَأمَّا الأَمْرُ الَّّذِي إذا رَكِبَهُ الرَّجُلُ حَمَدَ آخِرَهُ فَالْحِلْمُ عَلَى الْغَضَب ، وَأمَّا الأمْرُ الَّذِي إذا رَكِبَهُ ذمَّ آخِرَهُ فَالْحِدَّةُ عَلَى الْغَضَب . قَالَ : فَفَكَّ الْخَتْمَ فَإذا هِيَ هَذِهِ الْمَسَائِلُ سَوَاءٌ عَلَى مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ . فَقَالَ الْقِسِّيْسُونَ وَالأَحْبَارُ : لَنْ نَرْضَى حَتَّى نَسْأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، فَإنْ هُوَ أخْرَجَهَا فَهُوَ الْخَلِيْفَةُ مِنْ بَعْدِكَ . فَقَالَ سُلَيْمَانُ : سَلُونِي وَمَا تَوْفِيْقِي إلاَّ باللهِ ، قَالُواْ : مَا الشَّيْءُ الَّذِي إذا صَلُحَ صَلُحَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ ؟ وَإذا فَسَدَ فَسَدَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ ؟ قَالَ : هُوَ الْقَلْبُ ؛ إذا صَلُحَ صَلُحَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ ، وَإذا فَسَدَ فَسَدَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ . قًَالُواْ : صَدَقْتَ ! أنْتَ الْخَلِيْفَةُ مِنْ بَعْدِهِ . وَدَفَعَ إلَيْهِ دَاوُدُ قَضِيْبَ الْمُلْكِ ، وَمَاتَ مِنَ الْغَدِ ) . وعن محمَّد بن جعفرٍ عن أبيهِ قال : ( أُعْطِيَ سُلَيْمَانُ مُلْكَ مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَاربهَا ، فَمَلَكَ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتَّةَ أشْهُرٍ ، مَلَكَ أهْلَ الدُّنْيَا كُلَّهُمْ مِنَ الْجِنِّ والإنْسِ وَالشَّيَاطِيْنِ وَالدَّوَاب وَالطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ ، وَأُعْطِيَ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَمَنْطِقَ كُلِّ شَيْءٍ ) . وقولهُ تعالى : { وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ } ؛ صَوْتٌ منهُ . قال الفرَّاءُ : ( مَنْطِقُ الطَّيْرِ : مَعْنَى كَلاَمِ الطَّيْرِ ، جَعَلَهُ كَمَنْطِقِ الرَّجُلِ إذا فُهِمَ ) . قال مقاتلُ : ( كَانَ سُلَيْمَانُ جَالِساً إذْ مَرَّ بهِ طَائِرٌ ، فَقَالَ لِجُلَسَائِهِ : هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ هَذا الطَّائِرُ ؟ قَالُواْ : لاَ ، قَالَ : إنَّهُ قَالَ لِي : السَّلاَمُ عَلَيْكَ أيُّهَا الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيْلَ . وَمَرَّ سُلَيْمَانُ ذاتَ يَوْمٍ عَلَى بُلْبُلٍ فَوْقَ شَجَرَةٍ يُحَرِّكُ رَأسَهُ وَيُمِيْلُ ذنَبَهُ وَيَصِيْحُ ، فَقَالَ لأَصْحَابهِ : هَلْ تَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذا الْبُلْبُلُ ؟ قَالُواْ : اللهُ أعْلَمْ ! قَالَ : إنَّهُ يَقُولُ : أكَلْتُ نِصْفَ ثَمَرَة فَعَلَى الدُّنْيَا الْعَفَاءُ ) . وعن الكلبيِّ قال : ( صَاحَ وَرشَانٌ عِنْدَ سُلَيْمَانَ ، فَقَالَ : أتَدْرُونَ مَا يقُولُ ؟ قَالُواْ : لاَ ! قَالَ : إنَّهُ يَقُولُ : لِدُو لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَاب . وَصَاحَتْ فَاخِتَةٌ عِنْدَ سُلَيْمَانَ ؛ فَقَالَ : إنَّهَا تَقُولُ : لَيْتَ ذا الْخَلْقِ لَمْ يُخْلَقُواْ ، وَلَيْتَهُمْ إذا خُلِقُوا عَلِمُوا لِمَاذا خُلِقُواْ . وَصَاحُ هُدْهُدٌ فَقَالَ : إنَّهُ يَقُولُ : كَمَا تُدِيْنُ تُدَانُ ، وَصَاحَ طَاوُوسٌ عِنْدَهُ ؛ فَقَالَ : إنَّهُ يَقُولُ : مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ . وَصَاحَ صُرَدٌ عِنْدَهُ ؛ فَقَالَ : إنَّهُ يَقُولُ : اسْتَغْفِرُواْ اللهَ يَا مُذْنِبيْنَ . وَصَاحَ خِطَّانٌ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : إنَّهُ يَقُولُ : قَدِّمُواْ خَيْراً تَجِدُوهُ . وَهَدَرَتْ حَمَامَةٌ ؛ فَقَالَ : إنَّهَا تَقُولُ : سُبْحَانَ رَبي الأَعْلَى مِلْئَ سَمَاوَاتِهِ وَأرْضِهِ . وَصَاحَ قُمْرِيٌّ ؛ فَقَالَ : إنَّهُ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبي الْقُدُّوسُ . وَصَاحَ بَازٌ فَقَالَ : إنَّهُ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبي وَبحَمْدِهِ . وَالضِّفْدَعُ يَقُولُ : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهَهُ . وَالْقَطَاةُ تَقُولُ : مَنْ سَكَتَ سَلِمَ . وَالْحَدَأةُ تَقُولُ : سُبْحَانَ الْمَذْكُور بكُلِّ لِسَانٍ ) . وعن مكحولٍ قال : ( صَاحَ دَرَّاجٌ عِنْدَ سُلَيْمَانَ عليه السلام فَقَالَ : أتَدْرُونَ مَا يَقُولُ ؟ قَالُواْ : لاَ ! قَالَ : إنَّهُ يَقُولُ : عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) . وعنِ الحسَنِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الدِّيْكَ يَقُولُ فِي صِيَاحِهِ : اذْكُرُوا اللهَ يَا غَافِلِيْنَ " وعن الحسنِ بنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قالَ : ( إذا صَاحَ النَّسْرُ قَالَ : يَا ابْنَ آدَمَ عِشْ مَا عِشْتَ آخِرُهُ الْمَوْتُ ، وَإذا صَاحَ الْعُقَابُ قَالَ : فِي الْبُعْدِ مِنَ النَّاسِ أُنْسٌ ، وَإذا صَاحَ الْقَنْبَرُ قَالَ : إلَهِي الْعَنْ مُبْغِضِي آلَ مُحَمَّدٍ ) . ورُوي أنَّ قَوماً من أهلِ العِرَاقِ مِن أهل الكتاب وَفَدُوا على ابنِ عبَّاس رضي الله عنهما ؛ فقال لهُ : أنتَ ابنُ عمِّ الذي يزعمُ أنه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قالَ : ( نَعَمْ ) . قالُوا : يا قومِ قد عرَفْنا الكُتُبَ ، وعرَفْنا ما فيها ونحنُ نسألُكَ عن سبعةِ أشياءَ ، فإنْ أنتَ أخبرتَنا بها آمَنَّا وصدَّقنا ، قالَ : ( اسْأَلُونِي تَفَقُّهاً وَلاَ تَسْأَلُونِي تَعَنُّتاً ) . قالوا : أخبرْنا ما يقولُ القَنْبَرُ في صفيرهِ والزَّرزُورُ والدَّراجُ ؟ وما يقولُ الدِّيكُ في صياحهِ ؟ والضِّفدعُ في نَقِيْقِهِ ؟ والحِمَارُ فِي نَهِيْقِهِ ، والفَرَسُ في صهيلهِ ؟ فقَالَ : ( أمَّا الْقَنْبَرُ فَإنَّهُ يَقُولُ : اللَّهُمَّ الْعَنْ مُبْغِضِي مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ . وأمَّا الزَّرْزُورُ فَإنَّهُ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ قُوتَ يَوْمٍ بيَوْمٍ يَا رَزَّاقُ . وَأمَّا الدَّرَاجُ فَيَقُولُ : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى . وأمَّا الدِّيْكُ فَإنَّهُ يَقُولُ : اذْكُرُواْ اللهَ يَا غَافِلِيْنَ . وَأمَّا الضِّفْدَعُ فَإنَّهُ يَقُولُ : سُبْحَانَ الْمَعْبُودِ فِي لُجَجِ الْبحَار . وَأمَّا الْحِمَارُ فَإنَّهُ يَقُولُ : اللَّهُمَّ الْعَنِ الْعَشَّارَ . وَأمَّا الْفَرَسُ فَإنَّهُ يَقُولُ " إذا الْتَقَى الصَّفَّانِ " : سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ ) . فقَالُوا : يا ابنَ عبَّاس نشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وأنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللهِ ، وحَسُنَ إسلامُهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ } ؛ يعني من أمرِ الدُّنيا والآخرةِ ، وقال مقاتلُ : ( يَعْنِي الْمُلْكَ وَالنُّبُوَّةَ وَتَسْخِيْرَ الرِّيَاحِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِيْنِ ) . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } ؛ أي الزيادةُ الظَّاهرة على ما أُعْطِي غيرُنا .