Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 26-31)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } ؛ أراد بالعرشِ في هذه الآية سريرَ الْمُلْكِ الذي عظَّمَهُ اللهُ ورفعَهُ فوقَ سَماوات سبعٍ وجعلَهُ أعظمَ من السَّماواتِ والأرض ، ومِن أعظم كلِّ خلقٍ ، وجعل الملائكة تَحُفُّ به وترفعُ أعمالَ العباد إليهِ ؛ أي هو الذي يستحقُّ العبادةَ لا غيره ، وهو ربُّ العرشِ لا ملكةَ سَبَأ ؛ لأن عرشَها وإن كان عَظِيماً لا يبلغُ عرشَ الله في العِظَمِ . فلمَّا فَرَغَ الهدهدُ من كلامه ، { قَالَ } ؛ سليمانُ للهدهدِ : { سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ } ؛ فيما أخبَرْتَنا به مِن هذه القصَّة ، { أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } فنعذِّبُك . ثُم كتبَ سليمانُ كِتاباً خَتَمَهُ بخَاتَمٍ ودفعهُ إلى الهدهدِ ، وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ } ؛ أي إلى أهل سبأ . وقولهُ تعالى : { ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } ؛ أي انصرِفْ عنهم ، وهذا على التقديْمِ والتأخيرِ ، تقديرهُ : { فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } ؛ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ؛ لأن التولِّي عنهم بعد الجواب ، ومعنى { فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } أي ماذا يردُّونَ من الجواب . وَقِيْلَ : معناهُ : { ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } أي انْصَرِفْ عنهم قَليلاً إلى حيث لا يَرَوْنَكَ { فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } أي يقولُون ويردون ويحسبون . وكان كتابُ سُليمانَ عليه السلام : مِنْ عَبْدِ اللهِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ إلَى بَلْقِيْسَ مَلِكَةِ سَبَأ ، السَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى . أمَّا بَعْدُ : فَلاَ تَعْلُوا عَلَيَّ وأتُونِي مُسْلِمِيْنَ . وقال ابنُ جريج : ( لَمْ يَزِدْ سُلَيْمَانُ عَلَى نَصِّ اللهِ فِي كِتَابهِ ) . فلمَّا كَتَبَ الكتابَ طَبَعَهُ بالْمِسْكِ وخَتَمَهُ بخاتَمهِ ، وقال للهُدهدِ : اذْهَبْ بهِ ، فأخذ الكتابَ بمنقارهِ وذهبَ به . فلما أغلقَتِ المرأةُ الأبوابَ دونَها ونامَتْ على سريرِها ، ووضعت المفاتيحَ تحت وسادَتِها ، فأتَى بها الهدهدُ من الكُوَّةِ وهي نائمةٌ مستلقية على قَفَاهَا ، فألقى الكتابَ على وجهِها ونبَّهَها بمنقارهِ وصوتهِ ، فأخذتِ الكتابَ ، وكانت كاتبةً قارئة عربيَّة من تُبَّعِ بنِ سراحيل الْحِمْيَرِيِّ ، فقرأتِ الكتابَ وناخَرَ الهدهدُ غيرَ بعيدٍ ، فدعت بذوي الرَّأيِ من قومِها وهم اثنا عشرَ ألفَ قائدٍ مع كلِّ قائد مائة ألفِ مُقاتلٍ . وقال قتادةُ : ( كَانَ أهْلُ مَشُورَتِهَا ثَلاَثُمِائَةٍ وَثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً ) فجَاؤُا إليها ، و { قَالَتْ } لَهم : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } ؛ أي حَسَنٌ ، وَقِيْلَ : شريفٌ ، وَقِيْلَ : مَخْتُومٌ ، قال صلى الله عليه وسلم : " كَرَامَةُ الْكِتَاب خَتْمُهُ " وقولهُ تعالى : { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } ؛ أي الكتابُ مِن سليمانَ ، { وَإِنَّهُ } ؛ المكتوب ، { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُواْ } أي لا تَستَكِبُروا ، { عَلَيَّ } ولا ترَفَّعُوا علَيَّ ، { وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ؛ منقادِين طائعين . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ } بدلٌ من ( كِتَابٌ ) وموضعهُ على هذا القولِ رفعٌ ، ويجوزُ أن يكون نَصباً على معنى بأن لاَ تَعْلُوا عَلَيَّ . وَقِيْلَ : معنى قوله { وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } أي مُؤمِنين باللهِ ورسولهِ مِن الإسلامِ الذي هو دِينُ اللهِ . وَقِيْلَ : مُستَسْلِمين لأَمْرِي فيما أدعُوكُم إليه ، فإنِّي لا أدعُوكُم إلاّ إلى حقٍّ ، فأطيعُونِي قبلَ أن أكْرِهَكُم على ذلكَ .