Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 9-11)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ؛ أي أنا الدَّاعِي الذي يدعُوكَ ، أنا اللهُ العزيزُ في مُلْكِي ، الحكيمُ في أمرِي وقضائي . فإن قيلَ : بمَاذا عَرَفَ مُوسَى ؟ قُلْنَا : إنَّما عَرَفَ نبوَّةِ نفسهِ أن ذلكَ النداءَ من اللهِ تعالى حتى جعلَ يدعُو الناسَ إلى نُبُوَّةِ نفسهِ بالمعجزة ، وذلك أنهُ رأى شجرةً أخضرَ ما يكونُ من الشَّجرِ في أنضرَ ما يكون ، لَها شعاعٌ يرتفعُ إلى السَّماء في الهواءِ ، والنارُ تلتَهِبُ في أوراقِها والأغصانِ ، فلا النارُ تُحْرِقُ الأوراقَ ولا رطوبةُ الشجرِ والأغصانِ تُطْفِىءُ النارَ ، فلما رأى ذلكَ بخلافِ العادة ، عَلِمَ أنه لا يكونُ ذلك إلاّ مِن صُنْعِ اللهِ تعالى . قَوْلُهُ : { وَأَلْقِ عَصَاكَ } ؛ أي وَقِيْلَ لهُ : ألْقِ عَصَاكَ من يدِكَ ، فألْقَاهَا فَاهْتَزَّتْ { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ } ؛ أي تضطربُ كأنَّها جَانٌّ ، والْجَانُّ : الحيَّةُ البيضاءُ الخفيفة السريعةُ ، السريع شدَّة الاضطراب يقال لها الْمِسَلَّةُ . وإنَّما شبَّهَها بالْجَانِّ في خِفَّةِ حركَتِها وسرعةِ انتشارها عن الأعيُنِ ، وشبَّهَها في موضعِ آخر بالثُّعبان لِعِظَمِهَا . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَّىٰ مُدْبِراً } ؛ أي أعْرَضَ موسى هَارباً من الخوفِ من الحيَّة ، { وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي لَم يَرْجِعْ ولَم يَلْتَفِتْ إلى شيءٍ وراءَهُ ، يقال : عَقَّبَ فلانٌ إذا رَجَعَ . فقالَ اللهُ : { يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ } ؛ مِن ضَرَرها ، { إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } ؛ أي لا يخافُ عندي وفي حُكْمِي مَن أرسلتهُ ، { إِلاَّ مَن ظَلَمَ } ؛ مِن الْمُرْسَلِيْنَ بارتكاب الصغيرةِ { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ } ، ثُمَّ تابَ مِن بعد ذلكَ ، { فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ؛ به ، فكان السببُ في هذا الاستثناءِ أنَّ موسى كان مُستَشْعِراً حقَّهُ لِمَا كان منه من قِبَلِ القبطيِّ ، فأَمَّنَهُ اللهُ بهذا الكلامِ . والصغائرُ والكبائر من الذُّنوب تُسمَّى ظُلْمَاً ؛ ولذلكَ قال مُوسَى { إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } [ القصص : 16 ] . ويقالُ : إن قولَهُ { إِلاَّ مَن ظَلَمَ } استثناءٌ منقطع ، ومعناهُ : لكِنْ مَن ظَلَمَ ، فإنه يَخافُني إلاّ أن يتوبَ ويعملَ صالحاً ، فإنِّي أغفرُ له وأرْحَمهُ . والمعنى : إلاّ من ظَلَمَ نفسه بالمعصيةِ { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً } أي توبةً ونَدَماً { بَعْدَ سُوۤءٍ } عملهِ { فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } كأنه قالَ : لا يخافُ لديَّ المرسلونَ الأنبياءُ والتَّائبُونَ ، وقال بعضُهم : ( إلاّ ) ها هُنا بمعنى ( ولا ) كأنهُ قال : { لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ } .