Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 152-152)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } ؛ وذلك : أنَّهُ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابُهُ إلَى الْمَدِيْنَةِ وَقَدْ أصَابَهُمْ مَا أصَابَهُمْ : قَالَ أنَاسٌ مِنْهُمْ : مِنْ أيْنَ أصَابَنَا هَذا وَقَدْ وَعَدَنَا اللهُ النَّصْرَ ؟ ! فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } الذي وعدَ بالنصرِ والظَّفَرِ يومَ أحُدٍ وهو قولهُ : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ } [ آل عمران : 120 ] الآيةُ . " وقَوْلُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم للرُّمَاةِ : " لاَ تَبْرَحُواْ مِنْ مَكَانِكُمْ " ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَعَلَ أحُداً خَلْفَ ظَهْرِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْمَدِيْنَةَ ، وَأقَامَ الرُّمَاةَ فِيْمَا يَلِي خَيْلَ الْمُشْرِكِيْنَ ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَاللهِ بْنَ جُبَيْرٍ الأَنْصَارِيَّ ، وَقَالَ لَهُمْ : " احْمُوا ظُهُورَنَا ، وَإنْ رَأيْتُمُونَا قَدْ عِشْنَا فَلاَ تُشْرِكُونَا ، وَإنْ رَأيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلاَ تَنْصُرُونَا " " وأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ وأَخَذُواْ فِي الْقِتالِ ، فَجَعَلَ الرُّمَاةُ يَتَرَشَّقُونَ خَيْلَ الْمُشْرِكِيْنَ بالنَّبْلِ ، وَالْمُسْلِمُونَ يَضْرِبُونَهُمْ بالسَّيْفِ ؛ حَتَّى وَلَّوْا هَاربيْنَ وانْكَشَفُواْ مَهْزُومِيْنَ ، فَذلِكَ قَوْلُهُ { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } أي تقتلونَهم قَتْلاً ذريعاً شديداً في أوَّل الحرب بأمْرِه وعلمِه { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } أي إلَى أن فَشِلْتُمْ جعلُوا ( حَتَّى ) بمعنى ( إلَى ) فحينئذ لا جوابَ لهُ ، وقيل : ( حَتَّى ) بمعنى : فَلَمَّا ، وفي الكلامِ تقديمٌ وتأخير . قالوا : وفِي قوله { وَتَنَازَعْتُمْ } مُقْحَمَةٌ تقديرهُ : حتَّى اذا تنازَعتم في الأمرِ وعصيتُم فشِلْتُم ؛ أي جَبُنْتُمْ وضَعُفْتُمْ . وكان { تَنَازَعْتُمْ } أنَّ الرُّمَاةَ لَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَقَعَ المُسْلِمُونَ فِي الْغَنَائِمِ ؛ قَالُواْ : قَدِ انْهَزَمَ الْقَوْمُ وَأمِنَّا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لاَ تُجَاوزُواْ أمْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَثَبَتَ عَبْدُاللهِ بْنُ جُبَيرٍ فِي نَفَرٍ يَسِيْرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ دُونَ الْعَشْرَةِ ؛ قِيْلَ : ثََمَانِيَةٌ ، وَانْطَلَقَ الْبَاقُونَ يَنْتَهِبُونَ ، فَلَمَّا نَظَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيْدِ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أبي جَهْلٍ إلَى ذلِكَ ؛ حَمَلُواْ عَلَى الرُّمَاةِ مِنْ قِبَلِ ذلِكَ الشِّعْب فِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ فَارِساً مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ ، وَكَانَ خَالِدُ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكاً ؛ فَقَتَلَ عَبْدَاللهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَمَنْ بَقِيَ مَعَهُ مِنَ الرُّمَاةِ ، وأَقْبَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ خَلْفِهِمْ ، وَتَفَرَّقَ الْمُسْلِمُونَ وَانْتَقَضَتْ صُفُوفُهُمْ وَاخْتَلَطُواْ ، وَحَمَلَ عَلَيْهِمُ الْمُشْرِكُونَ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ بَيْنِ قَتِيْلٍ وَجَرِيْحٍ وَمُنْهَزِمٍ وَمَدْهُوشٍ ، وَنَادَى إبْلِيْسُ : ألاَ إنَّ مُحَمَّداً قَدْ قُتِلَ ، فذلكَ قوْلُهُ تَعَالَى : { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ } أي لَمَّا اختلفتُم في الأمرِ الذي أمرَكم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من الثباتِ على المركزِ ، وعصيتُم الرسولَ من بعدِ ما أراكُم ما تحبُّون من النَّصرِ على عدوِّكم والظفرِ والغنيمة . قال بعضُ المفسِّرين : جوابُ { إِذَا فَشِلْتُمْ } هَا هُنَا مُقَدَّرٌ ، كأنهُ قالَ : إذا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ امْتُحِنْتُمْ بما رأيتُم من القتلِ والبلاءِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } ؛ معنى : مِنَ الرُّمَاةِ مَن يريدُ الحياة ؟ وهمُ الذينَ تركُوا الْمَرْكَزَ وَلم يَثْبُتُوا فيهِ ووقعُوا في الغنائمِ ، { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } يعني : الذينَ ثَبَتُوا في المركزِ مع عبدِاللهِ بن جُبير وباقِي الرُّماة حتَّى قُتِلُوا . قال ابنُ مسعود رضي الله عنه : ( مَا شَعَرْنَا أنَّ أَحُداً مِنْ أصْحَاب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيْدُ الدُّنْيَا وَعَرَضَهَا حَتَّى كَانَ يَوْمُ أحُدٍ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } ؛ أي صرفكَم اللهُ عن المشركينَ بالْهَزِيْمَةِ لِيَبْتَلِيَكُمْ ، قبل : المرادُ بالصَّرْفِ في هذه المواضع رَفْعُ النَّصْرِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } ؛ أي لم يُعَاقِبْكُمْ عنْدَ ذلك فلم تُقْتَلُوا جميعاً . وقال الكلبيُّ : ( تَجَاوَزَ عَنْكُمْ فَلَمْ يُؤَاخِذْكُمْ بذنبكُمْ ) ، { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } ؛ أي ذُو مَنٍّ عليهم بالعفوِ والتَّجاوُز .