Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 186-186)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } ؛ وذلك أنَّ الله تعالى لَمَّا ذكرَ الجنَّة أتى عَقِبَهَا بما يدعو إليها ويُوجِبُها فقالَ : { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } أي لَتُخْتَبَرُنَّ بالنقصِ والذهاب في الأموالِ ، وفي أبدانِكم بالأمراضِ والأوْجاعِ . ويقال : إنَّ المرادَ بالإبتلاءِ فَرَائِضَ الدينِ مثلَ الجهادِ في سبيلِ الله والإنفاقِ فيه . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً } ؛ معناهُ : وَلَتَسْمَعُنَّ من اليهودِ والنصارى ومشركي العرب كلامَ أذَى كثيراً . أمَّا من اليهودِ فقولُهم : عُزَيْرٌ ابنُ اللهِ ، وقولُهم : إنَّ اللهُ فَقِيْرٌ وَنَحْنُ أغْنِيَاءٌ . ومنَ النصارَى قولَهم : الْمَسِيْحُ ابنُ اللهِ ، وقولَهم : إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ . ومِن المشركينَ قولَهم : الْمَلاَئِكَةُ بَنَاتُ اللهِ ، وعبادتَهم الأوثانَ ونصبَهم الحربَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم . والأذى : مَا يَكْرَهُ الإنْسَانُ وَيَغْتَمُّ بهِ . قال الزهريُّ : " نَزَلَتْ فِي كَعْب بْنِ الأَشْرَفِ ؛ وَذَلِكَ أنَّهُ كَانَ يَهْجُو النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ، وَيَسُبُّ الْمُسْلِمِيْنَ وَيُحَرِّضُ الْمُشْرِكِيْنَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابهِ فِي سَمَرِهِ حَتَّى آذاهُمْ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لِي بابْنِ الأَشْرَفِ ؟ " فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الأَنْصَاريُّ : أنَا لَكَ بهِ يَا رَسُولَ اللهِ أنَا أقْتُلُهُ ، قال : " أفْعَلُ إنْ قَدِرْتَ عَلَى ذلِكَ " ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّهُ لاَ بُدَّ لَنَا أنْ نَقُولَ ؟ قَالَ : " قُولُواْ مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ ذلِكَ " . وَاجْتَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، وَأبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أخُو كَعْبٍ مِنَ الرِّضَاعَةِ ، وَهُوَ سَلْكَانُ بْنُ سَلاَمَةَ بْنُ وَقَشٍ ، وَعَبَّادُ بْنُ بشْرِ بْنِ وَقَشٍ ، وَالْحَارثُ بْنُ أوْسٍ ، وَأبُو عَبْسِ ابْنِ جَبْرٍ ، وَمَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدَ ثُمَّ وَجَّهَهُمْ ، فقَالَ : " انْطَلِقُواْ عَلَى اسْمِ اللهِ ، اللَّهُمَّ أعِنْهُمْ " . ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى بَيْتِهِ ، وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ ، فَأَتَوا حَتَّى انْتَهَواْ إلَى حِصْنِهِ ؛ فَقَوَّمُواْ أبَا نَائِلَةَ لأَنَّهُ أخُوهُ مِنَ الرِّضَاعَةِ ، فَجَاءَهُ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا كَعْبُ ؛ إنِّي جِئْتُكَ لِحَاجَةٍ أريْدُ ذِكْرَهَا لَكَ فَاكْتُمْهَا عَلَيَّ ، قَالَ : أفْعَلُ ، قَالَ : كَانَ قُدُومُ هَذا الرَّجُلِ بلاَدَنَا بَلاَءً عَلَيْنَا ؛ عَادَتْنَا الْعَرَبُ فَرَمَوْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ ؛ وَانْقَطَعَتْ عَنَّا السَّبيلُ حَتَّى ضَاعَتِ الْعِيَالُ وَجَهَدَتِ الأَنْفُسُ . فَقَالَ كَعْبُ ابْنُ الأَشْرَفِ : أمَا وَاللهِ لَقَدْ أخْبَرْتُكَ أنَّ الأَمْرَ سَيَصِيْرُ إلَى هَذا . فَقَالَ أبُو نَائِلَةَ : إنَّ مَعِيَ أصْحَاباً أرَدْنَا أنْ تَبيْعَنَا مِنْ طَعَامِكَ وَنَرْهَنُكَ وَنُوْثِقُ لَكَ سِلاَحاً ، وَقَدْ عَلِمْتَ حَاجَتَنَا الْيَوْمَ إلَى السِّلاَحِ ، فَقَالَ : هَاتُواْ سِلاَحَكُمْ ، وَأَرَادَ أبُو نَائِلَةَ يَذْكُرُ السِّلاَحَ حَتَّى لاَ يُنْكِرَ السِّلاَحَ إذا رَآهُ ، فَرَجَعَ أبُو نَائِلَةَ إلَى أصْحَابهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ ، فَأَقْبَلُواْ إلَيْهِ حَتَّى انْتَهُواْ إلَيْهِ ، وَكَانَ كَعْبٌ حَدِيْثَ عَهْدٍ بعُرْسٍ . فَبَادَأهُ أبُو نَائِلَةَ فَوَثَبَ فِي مِلْحَفِهِ ؛ فَأَخَذتِ امْرَأتَهُ بنَاصِيَتِهِ وَقَالَتْ : إنَّكَ رجُلٌ مُحَاربٌ وَصَاحِبُ الْحَرْب لاًَ يَنْزِلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : إنَّ هَؤُلاَءِ وَجَدُونِي نَائِماً مَا أيْقَظُونِي ؛ وَإنَّهُ أبُو نَائِلَةَ أخِي ، قَالَتْ : فَكَلِّمْهُمْ مِنْ فَوْقِ الْحِصْنِ ، فَأَبَى عَلَيْهَا ، فَنَزَلَ إلَيْهِمْ فَتَحََدَّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً ثُمَّ قَالُواْ لَهُ : يَا ابْنَ الأَشْرَفِ ؛ هَلْ لَكَ أنْ نَتَمَاشَى وَنَتَحَدَّثَ سَاعَةً ؟ فَمَشَى مَعَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ إنَّ أبَا نائِلَةَ جَعَلَ يَدَهُ عَلَى رَأسِ كَعْبٍ ثُمَّ شَمَّهَا وَقَالَ : مَا شَمَمْتُ طِيْبَ عُرْسٍِ قَطٌّ مِثْلَ هذا ! قَالَ كَعْبٌ : إنَّهُ طِيْبُ أمِّ فُلاَنٍ ؛ يَعْنِي امْرَأتَهُ . ثُمَّ مَشَى سَاعَةً ، فَعَادَ أبُو نَائِلَةَ لِمِثْلِهَا حَتَّى اطْمَأَنَّ ثُمَّ مَشَى سَاعَةً ، ثُمَّ عَادَ بمثْلِهَا ، ثُمَّ أخَذ بفَوْدِ رَأَسِهِ حَتَّى اسْتَمْكَنَ ، ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابهِ : اضْرِبُوا عَدُوَّ اللهِ ؛ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أسْيَافُنَا فَلَمْ تُغْنِ شَيْئاً ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَرَكَزْتُ مِغْوَلاً فِي ثُنَّتِهِ ، ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَتْ عَانَتَهُ ، فَصَاحَ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ مِنْ حَوْلِهَا حِصْنٌ إلاَّ وَقَدْ أوْقَدَ نَاراً ، فَوَقَعَ عَدُوُّ اللهِ عَلَى الأَرْضِ ، وقَدْ أصِيْبَ الْحَارثُ بْنُ أوْسٍ بجُرْحٍ فِي رَأَسِهِ ؛ أصَابَهُ بَعْضُ أسْيَافِنَا ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ وَأبْطَأَ عَلَيْنَا ؛ فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ اْحتَمَلْنَاهُ وَجِئْنَا بهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم آخِرَ اللَّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إلَيْنَا ؛ فَأَخْبَرْنَاهُ بقَتْلِ كَعْبٍ وَجِئْنَا برَأسِهِ إلَيْهِ ، وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبنَا فَبَرَأ ، وَرَجَعْنَا إلَى أهْلِنَا ، فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتِ الْيَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بعَدُوِّ اللهِ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ ظَفَرْتُمْ بهِ مِنْ رَجُلِ يَهُودٍ فَاقْتُلُوهُ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } ؛ أي إنْ تَصْبرُواْ على أذى الكفَّار وتتَّقُوا معصيةَ اللهِ فإنَّ ذلكَ مِن عزمِ الأمور وخيرِها ؛ أي من حقيقة الإيمان .