Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 26-26)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } . قال عليٌّ رضي الله عنه قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " لَمَّا أرَادَ اللهُ تَعَالَى أنْ يُنَزِّلَ الْفَاتِحَةَ ؛ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ ؛ وَشَهِدَ اللهُ ؛ وَقُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ، تَعَلَّقْنَ بالْعَرْشِ وَقُلْنَ : تُهْبطُنَا دَارَ الذُّنُوب وَإلَى مَنْ يَعْصِيْكَ ؟ ! فَقَالَ اللهُ تَعَالَى : وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي ؛ مَا مِنْ عَبْدٍ قَرَأكُنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ إلاَّ أسْكَنْتُهُ حَضْرَةَ الْعَرْشِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ ، وَإلاَّ نَظَرْتُ إلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِيْنَ نَظْرَةً ، وَإلاَّ قَضَيْتُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِيْنَ حَاجَةً ، أدْنَاهَا الْمَغْفِرَةَ ، وَأعَذْتُهُ مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ وَنَصَرْتُهُ عَلَيْهِ ، وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلاَّ أنْ يَمُوتَ " ومعنى الآيةِ : قال ابنُ عبَّاس : ( لَمَّا فَتَحَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَوَعَدَ أمَّتَهُ مُلْكَ فَارسَ وَالرُّومَ ، قَالَ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ : هَيْهَاتَ ، مِنْ أيْنَ لِمُحَمَّدٍ مِلْكُ فَارسَ وَالرُّومَ ، هُمْ أعَزُّ وَأمْنَعُ مِنْ ذلِكَ ، ألَمْ يَكْفِ مُحَمَّداً مَكَّةَ وَالْمَدِيْنَةَ حَتَّى أطْمَعَ نَفْسَهُ فِي مُلْكِ فَارسَ وَالرُّومِ ) . ويقالُ في وجه اتِّصال هذه الآية بما قبلَها : إنَّ اليهودَ قالواُ : لا نتبعُكَ ؛ فإنَّ النبوَّة والملكَ لم يزل في أسلافِنا بني إسرائيل ، فَأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ . ومعناها : قُلْ يا مُحَمَّدُ : يا اللهُ يَا مَالِكَ الْمُلْكِ . وإنَّما زيدت الميمُ لأنَّها بدلٌ عن ( يَا ) التي هي حرفُ النداءِ ، ألا تَرَى أنه لا يجوزُ في الإخبار إدخالُ الميم ؛ لا يقالُ : غَفَرَ اللَّهُمَّ لي كما يقالُ في النداء اللَّهُمَّ اغْفِرْ ( ( لي ) ) ؛ ولهذا لا يجوزُ الجمع بين ( ( ما كان ) ) الميم في آخرهِ والنداء في أوَّله ، لأنه لا يجوزُ الجمع بين العِوَضِ والمعوَّض ، وإنَّما شُدِّدت الميمُ لأنَّها عِوَضٌ عن حرفين ، فإنَّ النداءَ حرفان ، وهذا اختيارُ سيبويه . وقال الفرَّاء : ( مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ : اللَّهُمَّ يَا اللهُ أمَّ بخَيْرٍ ؛ أي أقْصُدْ . طُرِحَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى الْهَاءِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } أي مالِكَ كلِّ مَلِكٍ ، هذه صفةٌ لا يستحقُّها أحدٌ غيرُ الله ، وقيل : معناه : مالِكَ أمرِ الدنيا والآخرة . وقال مجاهدُ : ( أرَادَ بالْمُلْكِ هُنَا النُّبُوَّةَ ) ، وقيل : إنَّ هذا لا يصلُح لأنَّه قالَ : { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ } واللهُ تعالى لا يَنْزِعُ النبوَّةَ من أحدٍ ؛ لأنه لا يريدُ لأداءِ الرسَالة إلاّ مَن يعلمُ أنه يؤدِّي الرسالةَ على الوجه ، وأنَّهُ لا يغيِّرُ ولا يبدِّلُ ، لأنه عالِمٌ بعواقب الأمور . ومعنى : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } أي تُعطي الملكَ من تشاء أنْ تعطيه . وقال الكلبيُّ : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ } يَعْنِي مُحَمَّداً وَأصْحَابَهُ ، { وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ } أيْ مِنْ أبي جَهْلٍ وَأصْحَابهِ ) . وقيل معناه : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ } يعني العربَ ، { وَتَنْزِعَ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ } يعني الرُّوم والعجمَ وسائر الأممِ . وقال بعضُهم : { تُؤْتِي الْمُلْكَ } أي العافيةَ ، قال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أصْبَحَ آمِناً فِي سِرْبهِ ؛ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ ؛ عَنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأنَّمَا حِيْزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحَذافِيْرِهَا " وقيل : هو القناعةُ . وقال ابنُ المباركِ : ( دَخَلْتُ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْريِّ بَمَكَّةَ فَوَجَدْتُهُ مَرِيْضاً شَاربَ الدَّوَاءِ وَبهِ غَمٌّ شَدِيْدٌ ، فَسَلَّمْتُ عَلِيْهِ وَقُلْتُ : مَا لَكَ يَا أبَا عَبْدِاللهِ ؟ فَقَالَ : أَنَا مَريْضٌ شَارِبُ الدَّوَاءِ وَبي غَمٌّ شَدِيْدٌ ، فَقُلْتُ : أعِنْدَكُ بَصَلَةٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، فَقُلْتُ : ائْتِنِي بهَا ، فَكَسَرْتُهَا ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : شُمَّهَا ؛ فَشَمَّهَا فَعَطَسَ عِنْدَ ذلِكَ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ للهِ رَب الْعَالَمِيْنَ ، فَسَكَنَ مَا بهِ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ الْمُبَارَكِ ؛ أنْتَ فَقِيهٌ وَطَبِيْبٌ ! فَقُلْتُ : مُجَرِّبٌ يَا أبَا عَبْدِاللهِ . قَالَ : فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَكَنَ مَا بهِ وَطَابَتْ نَفْسُهُ ، قُلْتُ : إنِّي أُرِيْدُ ( ( أنْ ) ) أسأَلَكَ حَدِيثاً ، قَالَ : سَلْ مَا شِئْتَ ، قُلْتُ : أخْبرْنِي مَنِ النَّاسُ ؟ قَالَ : الْفُقَهَاءُ ، قُلْتُ : فَمَنِ الْمُلُوكُ ؟ قَالَ : الزُّهَّادُ ، وَقُلْتُ : فَمَنِ الأَشْرَافُ ؟ قَالَ : الأَتْقِيَاءُ ، قُلْتُ : فَمَنِ السَّفَلَةُ ؟ قَالَ : الظَّلَمَةُ . ثُمَّ وَدَّعْتُهُ فَخَرَجْتُ ) . وقيل : معنى : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } يعني مُلْكَ المعرفةِ كما أُوتِيَ سحرةُ فرعون ، { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } كما نُزع من إبليسَ وبلعَامَ . وقيل : مَعْنَى الْمُلْكِ : الْجَنَّةُ كما أُوتِيَ الْمُؤْمِنُونَ . قال اللهُ تعالى : { وَمُلْكاً كَبِيراً } [ الإنسان : 20 ] . { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } كما نُزع من الكفَّار . وقيل : أراد بالْمُلْكِ توفيقَ الإيمانِ والطاعة . وقيلَ : هو قيامُ الليل . وقال الشَلَبيُّ : ( هُوَ الاسْتِغْنَاءُ مِنَ الْمُكَوِّنِ عَنِ الْكَوْنَيْنِ ) . قوله تعالى : { تُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } قال عطاءُ : { تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } يَعْنِي الْمُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَار ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } يَعْنِي فَارسَ وَالرُّومَ . وقيل : { تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } مُحَمَّداً وأصحابَه حتى دخلوا مكَّة بعشرةِ آلافٍ ظاهرين عليها { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } أبَا جهلٍ وأصحابَه حتى جُزَّتْ رؤوسُهم وألقوا في القُلَيب . وقيل : { تُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالإيمانِ والمعرفة ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بالكُفر والنكدة ، وقيل : { تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } بالطاعةِ ، { وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } بالمعصية ، وقيل : { تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } بالتوفيق والمعرفةِ ، { وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } بالحرمان والخُذلان ، وقيل : { تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } بالتمليك والتشديد ، { وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } بسلب الملك وتسليطِ العدُوِّ عليه ، وقيل : { تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } بقهرِ النفس ومخالفة الهوى ، { وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } من أتْباع الهوى ، وقيل : { تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } بأن يقهرَ الشيطان ، { وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } بأن يقهَرَهُ الشيطان ، وقيل : { تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } بالطاعة والرضا ، { وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } بالحرصِ والطمع . قال بعضُهم : الْحُرُّ عَبْدٌ مَا طَمَعْ ، وَالْعَبْدُ حُرٌّ مَا قَنَعْ . وقال الشافعيُّ رَحِمَهُ اللهُ : @ ألاَ يَا نَفْسُ إنْ تَرْضَي بفَوْتٍ فَأَنْتِ عَزِيْزَةُ أبَداً غَنِيَّهْ @@ وقال آخرُ : @ أفَادَ مِنِّي الْقَنَاعَةَ كُلَّ عِزٍّ وَهَلْ عِزٌّ أعَزُّ مِنَ الْقَنَاعَهْ فَصَيِّرْهَا لِنَفْسِكَ رأْسَ مَالٍ وَصَيِّرْ بَعْدَهَا التَّقْوَى بضَاعَهْ @@ وقال بعضُهم : معناهُ : { تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } بالاخلاصِ ، { وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } بالريَاء ، وقيل : { تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } بالجنَّة والرؤية ، { وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } بالنار والحجاب . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ؛ أي بيدِكَ الخيرُ والشرُّ ، فاكتفى بذكرِ الخير لأنه الأفضلُ ولأنه إنَّما قال ذلكَ على وجه الرَّغبة ، والرغبةُ إنَّما تقعُ في الخير لا في الشرِّ ، وفي ذكرِ أحد الأمرين دليلٌ على الآخر كما قال تعالى : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] ولم يذكر البردَ ؛ والمعنى تقيكُم الحرَّ والبردَ ، وقيل : معنى الآيةِ : { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } أي النصرُ والفتح والفيء والغنيمةُ وغير ذلك من خيرِ الدُّنيا والآخرة . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي من الإعطاء والنَّزع والعزِّ والذُّل .