Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 31-33)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } ؛ لَمَّا نزلت الآياتُ المتقدِّمة قالتِ اليهودُ : نحنُ أبناءُ اللهِ واحبَّاؤُه ، وإنَّما يقولُ الله مثلَ هذه الآياتِ في أعدائه ، وأرادوا بقولهِ أحبَّاؤُه : نُحِبُّهُ وَيُحِبُّنَا ؛ فأنزلَ اللهُ هذه الآية . والْمَحَبَّةُ : في الحقيقةِ هي الإرادةُ ، وهو أن تريدَ نَفْعَ غيرِك فيبلُغَ مرادَه في نفعك إيَّاهُ ، وأما الْعِشْقُ : وهو إفراطُ الْمَحَبَّةِ في هذا المعنى . وأما مَحَبَّةُ الطعامِ والملاذِ ؛ فهو شهوةٌ وتَوَقَانُ النفسِ . وأما مَحَبَّةُ العباد للهِ تعالى ، فاللهُ يستحيلُ عليه المنافع ، فلا يصحُّ أن يرادَ بمُحِبهِ هذه الطريقة لكي يراد بها إعظامُه وإجلاله وطاعتهُ ومحبَّة رسلهِ وأوليائِه ، ومحبَّة الله إيَّاهم إثابتهُ إياهم على طاعتِهم ؛ وإنعامهُ عليهم ؛ وثناؤُه عليهم ؛ ومغفرَتُه لهم . ومعنى الآيةِ : إنْ كنتُم تحبُّون طاعةَ الله والرضا بشرائعهِ فاتَّبعونِي على دينِي يَزِدْكُمُ اللهُ حُبّاً ، { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } ؛ في اليهوديَّة ؛ { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وروى الضحَّاك عن ابنِ عبَّاس وقال : " وَقَفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قُرَيْشٍ وَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَدْ نَصَبُواْ أصْنَامَهُمْ ، وَعَلَّقُوا عَلَيْهَا بَيْضَ النَّعَامِ ، وَجَعَلُواْ فِي آذانِهَا الشُّنُوفَ وَهُمْ يَسْجُدُونَ لَهَا ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ؛ وَاللهِ لَقَدْ خَالَفْتُمْ مِلَّةَ أبيْكُمْ إبْرَاهِيْمَ " وَقَالَتْ قُرَيْشُ : إنَّمَا نَعْبُدُ هَذِهِ حُبّاً للهِ لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللهِ زُلْفَى ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ " ) . أي قُلْ لَهُمْ يا مُحَمَّدُ صلى الله عليه وسلم إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبعُونِي يُحْببْكُمُ اللهُ ، فَأَنَا رسولُ اللهِ إليكم ، وحجَّتُه عليكم ، وأنا أوْلَى بالتعظيمِ من أصْناَمِكُمْ . فلما نزلَتْ هذهِ الآيَةُ عرضَها عليهم فلم يقبَلُوا . وقيل : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْيَهُودِيِّ ، فَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ أبي سَلُولٍ : إنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم يَجْعَلُ طَاعَتَهُ كَطَاعَةِ اللهِ ، وَيَأْمُرُنَا أنْ نُحِبَّهُ كَمَا أحَبَّتِ النَّصَارَى عِيْسَى عليه السلام ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } ؛ أي فإنْ لَم يفعلوا ما تدعوهُم إليه من إتِّباعِك وطاعةِ أمرِكَ فإنَّ اللهَ تعالى لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِيْنَ ؛ أي لا يغفرُ لَهم ولا يُثني عليهم . فلما نزلتْ هذه الآيةُ قالتِ اليَهُودُ : نحنُ أبناءُ إبراهيمَ وإسحاق ويعقوبَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ونحنُ على دينهم ، فأنزلَ الله قولَه تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } ؛ معناهُ : أنَّ اللهَ اصطفاهُم بالإسلام ، وإنَّ آدمَ كما لم ينفع أولادَه المشركين كذلك سائرَ الأنبياءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ لا ينفعونهم . وصَفْوةُ الله : هم الذين لا دَنَسَ فيهم بوجهٍ من الوجوهِ ؛ لا في اعتقادٍ ولا في الفعلِ ، والاصْطِفَاءُ : هو الاختيارُ ، والصَّفْوَةُ : هو الخالِصُ من كلِّ شيءٍ ، فمعناهُ : { ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ } أي اختارهُ واستخلَصه . واختلفُوا في آلِ عمران في هذهِ الآية ؛ قيلَ : أراد بهم موسى وهارُون عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ ، وقيلَ : أرادَ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ .