Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 54-54)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } ؛ يعني مَكَرَ الكفارُ الذين لم يؤمنوا بقصدهم قَتْلَ عيسى عليه السلام ، وَالْمَكْرُ : هُوَ الاحْتِيَالُ فِي تَدْبيْرِ الشَّرِّ . وقَوْلُهُ : { وَمَكَرَ ٱللَّهُ } أي جَازَاهُمُ اللهُ على ما تقدَّم أنَّ الجزاءَ على المكرِ يُسمى مَكراً ، كما في الاعتداءِ والسيِّئة والاستهزَاء . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } أي هو أفضلُ الصانعين حين يجازي الكفارَ على صُنعهم ؛ وَخَلَّصَ الممكورَ بهِ ؛ وذلك أنَّ عيسى عليه السلام بعد إخراجِ قومه إياهُ وأمَّهُ مِن بين أظهرِهم عادَ إليهم مع الحواريِّين ، ودعاهُم إلى الإسلام فَهَمُّوا بقتلهِ وتواطَأُوا عليه ، وذلك مكرهُم ، فلمَّا أجْمَعوا على قَتْلِهِ هَرَبَ منهُم إلى بيتٍ فدخلَهُ فرفعَه جبريلُ من الْكُوَّةِ إلى السَّماء . فقال مَلِكُ اليهودِ واسْمُه يَهُودا ، لِرَجُلٍ خَبيْثٍ منهم يقال لهُ طِيْطَانُوسَ : أدْخُلْ عليه البيتَ ، فدخلَ فألقَى اللهُ عليه شَبَهَ عيسَى عليه السلام ، فلمَّا لَم يجدْ عيسى خرجَ ؛ فَرَأوْهُ على شَبَهِ عيسى فظنُّوا أنهُ عيسى ؛ فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ ، ثُمَّ قالوا : وَجْهُهُ يشبهُ وجهَ عيسى ، وبدنهُ يشبهُ بدنَ صاحبنا ، فإن كانَ هذا صاحبُنا فأينَ عيسى ؟ وإن كان هذا عيسَى فأين صاحبُنا ؟ فوقعَ بينهم قتالٌ ، فقتلَ بعضُهم بعضاً . وقال وَهَبُ : ( لَمَّا طَرَقُواْ عِيْسَى فِي بَعْضِ اللَّيْلِ وَنَصَبُواْ لَهُ خَشَبَةً لِيَقْتُلُوهُ ؛ أظْلَمَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ فَصَلَبُواْ رَجُلاً مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ يَهُودَا ظَنُّواْ أنَّهُ عِيْسَى عليه السلام ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّهُمْ عَلَيْهِ ، وَذلِكَ أنَّ عِيْسَى جَمَعَ الْحَوَاريِّيْنَ فِي تِلْكَ اللًَّيْلَةِ ثُمَّ قَالَ : لَيَمْكُرَنَّ بي أحَدُكُمْ قَبْلَ أنْ يَصِيْحَ الدِّيْكُ ، وَيَبيْعُنِي بدَرَاهِمَ يَسِيْرَةٍ . فَخَرَجُواْ وَتَفَرَّقُواْ ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَطْلُبُهُ ؛ فَأَتَى أحَدُ الْحَوَاريِّيْنَ وَقَالَ لِلْيَهُودِ : مَا تَجْعَلُونَ لِمَنْ يَدُلُّكُمْ عَلَى عِيْسَى ؟ فَجَعَلُواْ لَهُ ثَلاَثِيْنَ دِرْهَماً ، فَأَخَذهَا وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا دَخَلُواْ الْبَيْتَ وَرُفِعَ عِيْسَى ، ألْقَى اللهُ شَبَهَ عِيْسَى عَلَى الَّذِي دَلَّهُمْ عَلَيْهِ ؛ فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ ، فَرُويَ أنَّهُ لَمَّا أخَذُوهُ لِيَقْتُلُوهُ قَالَ لَهُمْ : أنَا الَّذِي دَلَلَتُكُمْ عَلَيْهِ , فَلَمْ يَقْبَلُواْ مِنْهُ وَلَمْ يَلْتَفِتُواْ إلَيْهِ وَصَلَبُوهُ وَهُمْ يَظُّنُّونَهُ عَيْسَى ) . قالَ أهلُ التواريخِ : ( حملَتْ مريَم بعيسى ولَها ثلاثَ عشرةَ سنةً ، وولدَتْ عيسى لِمُضِيِّ خمسٍ وستِّين سنةً من غَلَبَةِ الاسكندر على أرضِ بَابلَ ، وأوحَى اللهُ إليه على رأسِ ثلاثين ، ورفعَهُ اللهُ من بيتِ المقدسِ ليلةَ القدر من شهر رَمَضَانَ وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين سنةً ، وعاشَتْ أمُّهُ بعدَ رفعهِ ستَّ سنين ) . وَالْمَكْرُ : هُوَ السَّعْيُ بالْفَسَادِ فِي سَتْرٍ وَمُنَاجَاةٍ ، وأصلهُ مِنْ قَوْلِ الْعَرَب : مَكَرَ اللَّيْلُ وَأَمْكَرَ ؛ إذا أظْلَمَ . والمكرُ من المخلوقين : الْخَبُّ والخديعةُ والغِيْلَةُ ، وهو مِن الله استدراجُهُ العبادَ ، قال اللهُ تعالى : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] قال ابنُ عباس : ( كُلَّمَا أحْدَثُواْ خَطِيْئَةً تَجَدَّدَتْ لَهُمْ نِعْمَةٌ ) . وقال الزجَّاجُ : ( مَكْرُ اللهِ مُجَازَاتُهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ ، فَسُمِّيَ الْجَزَاءُ باسْمِ الابْتِدَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } [ البقرة : 15 ] وَقَوْلِهِ : { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] ) . وقال عمرُو بن كُلثوم : @ ألاَ لاَ يَجْهَلَنَّ أحَدٌ عَلَيْنَا فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِيْنَا @@ وسألَ رجلٌ جنيداً : كيفَ رضي اللهُ المكرَ لنفسه وقد عابَ به غيرَهُ ؟ قال : لاَ أدري ، ولكن أنْشَدَنِي : @ فَدَيْتُكَ قَدْ جُبلْتُ عَلَى هَوَاكَ فَنَفْسِي لاَ يُنَازِعُنِي سِوَاكاَ أُحِبُّكَ لاَ ببَعْضٍ ، بَلْ بكُلٍّ وَإنْ لَمْ يُبْقِ حُبُّكَ لِي حِرَاكَا وَيَقْبَحُ مِنَ سُؤَاكَ الْفِعْلُ عِنْدِي وَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْكَ ذاكَا @@ فقالَ الرجلُ : أسألُكَ عن آيةٍ في كتاب اللهِ تعالى وتُجيبني بشعرِ فلان ؟ ! فقالَ : وَيْحَكَ ! قد أجبتُكَ إن كنتَ تعقِلُ ، ومكرُ اللهِ بهم خاصَّة في هذه الآيةِ إلقاؤُهُ الشَّبَهَ على صاحبهم الذي أرادَ قَتْلَ عيسى عليه السلام .