Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 55-55)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } ؛ أوَّلُ هذه الآيةِ مُتَّصِلٌ بقولهِ : { خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } . وقيلَ : معناهُ : واذكروا { إِذْ قََالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } . قال الضحَّاك : ( كَسَا اللهُ عِيْسَى الرِّيْشَ وَأَلْبَسَهُ النُّورَ ؛ وَقَطَعَ عَنْهُ لَذةَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَب فَطَارَ فِي الْمَلاَئِكَةِ ) . واختلفَ المفسرون في معنى التَّوَفِّي في هذه الآيةِ ؛ فقال الحسنُ والكلبي والضحَّاك وابن جُريج : ( مَعْنَاهُ : إنِّي قَابِضُكَ وَرَافِعُكَ مِنَ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ ) . فعلى هذا القولِ لِلتَّوَفِّي ثلاثُ تأويلاتٍ : أحدُها : إنِّي رافعُكَ إلَيَّ وَافِياً لَنْ ينالوُا منكَ شيئاً ؛ من قولِهم : تَوَفَّيْتُ كَذا وَاسْتَوْفَيْتُهُ ؛ إذا أخدتُه تامّاً ، والأخذُ معناهُ : إنِّي مُسَلِّمُكَ ؛ مِن قولِهم : تَوَفَّيْتُ كَذا إذا سَلَّمْتَهُ . وقال الحسنُ : ( مَعْنَاهُ : إنِّي مُنَيِّمُكَ وَرَافِعُكَ إلَيَّ مِنْ نَوْمِكَ ) . يدلُّ عليهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ } [ الأنعام : 60 ] أي يُنِيْمُكُمْ ؛ لأن النومَ أخُو الموتِ . ورويَ عن ابن عبَّاس أنَّ معنى الآيةِ : ( إنِّي مُمِيتُكَ ) يدلُّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [ السجدة : 11 ] ولهُ على هذا القولِ تأويلانِ ؛ أحدُها : قال وَهَبُ بن مُنَبهٍ : ( تَوَفَّاهُ اللهُ ثَلاَثَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَار ثُمَّ أحْيَاهُ وَرَفَعَهُ إلَيْهِ ) . والآخَرُ : قال الضحَّاك : ( إنَّ فِي الْكَلاَمِ تَقْدِيْماً وَتَأْخِيْراً ؛ مَعْنَاهُ : إنِّي رَافِعُكَ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِيْنَ كَفَرُواْ ؛ وَمُتَوَفِّيْكَ بَعْدَ إنْزَالِكَ مِنَ السَّمَاءِ ) قال الشاعرُ : @ ألاَ يَا نَخْلَةً مِنْ ذاتِ عِرْقٍ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ السَّلاَمُ @@ أي عليكِ السلامُ ورحمةُ اللهِ . قال صلى الله عليه وسلم : " أنَا أوْلَى النَّاسِ بعِيْسَى عليه السلام ؛ لأنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبيٌّ ، وَإنَّهُ نَازلٌ عَلَى أُمَّتِي وَخَلِيْفَتِي فِيْهِمْ . فَإذا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ ؛ وَإنَّهُ رَجُلٌ مَرْبُوعُ الْخَلْقِ إلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ ، سَبْطُ الشَّعْرِ كَأَنَّ شَعْرَهُ يَقْطُرُ وَإنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ ، يَدُقُّ الصَّلِيْبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيْرَ ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الإسْلاَمِ ، وَيُهْلِكُ اللهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا ، ويُهْلِكُ اللهُ فِي زَمَانِهِ الدَّجَّالَ ، وَيَقَعُ أمْنُهُ فِي الأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعِي الأُسُودُ مَعَ الإبلِ ، وَالنُّمُورُ مَعَ الْبَقَرِ ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ ، وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بالْحَيَّاتِ لاَ يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، وَيَلْبَثُ فِي الأَرْضِ أرْبَعِيْنَ سَنَةً " وفي رواية كَعْبٍ : " أرْبَعَةٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ وَيُوْلَدُ لَهُ ثُمَّ يَمُوتُ ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُوهُ فِي بَيْتِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم " . وقيل للحسن بْنِ الفَضْلِ : هَلْ تَجِدُ نُزُولَ عِيْسَى مِنَ السَّمَاءِ فِي الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } [ آل عمران : 46 ] وَهُوَ لَمْ يَكْتَهِلُ فِي الدُّنْيَا ، وَإنَّمَا رُفِعَ وَهُوَ شَابٌّ ، وَإنَّمَا مَعْنَاهُ وَكَهْلاً بَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ ) . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " كَيْفَ تَهْلَكُ أُمَّةٌ أنَا فِي أوَّلِهَا ؛ وَعِيْسَى فِي آخِرِهَا ؛ وَالْمَهْدِيُّ مِنْ أهْلِ بَيْتِي فِي وَسَطِهَا ؟ ! " وقال ابنُ عمر : " رَأَيْنَا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَبَسَّمُ فِي الطَّوَافِ ، فَقِيْلَ لَهُ فِي ذلِكَ ؛ فَقَالَ : " اسْتَقْبَلَنِي عِيْسَى فِي الطَّوَافِ وَمَعَهُ مَلَكَانِ " " . وقوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي مُخْرِجُكَ من بين أظهُرِهم ومُنَجِّيْكَ منهُم ، فإنَّهم كانوا أرْجَاساً . وكان تطهيرُ عيسى منهم إزالَتَهُم عنهُ برفعهِ ، فإنَّ التطهُّرَ إزالةُ الأنْجَاسِ عنِ الثوب والبدنِ . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } أي إلى السَّماء ، وقيل : إلى كَرَامَتِي كما قالَ إبراهيمُ عليه السلام : ( إنِّي ذاهِبٌ إلَى رَبي ) أي حَيْثُ أمَرَنِي رَبي . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } معناهُ : جاعلُ الذينَ آمنوا بكَ فوقَ الذين كذبوا بكَ ؛ أي فوقَهم في العزِّ والغَلَبَةِ ؛ لا تَرَى يهودياً حيثُ كان إلاَّ أذلَّ من النصرانِيِّ . قالوا : وهذا يدلُّ على أنه لا يكونُ لليهود مُلْكٌ كما هو للنَّصارى . وقيل : أرادَ بقوله { فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فوقَهم بالحجَّة والبرهان ، قال ابنُ عباس والربيع وقتادةُ والشعبي ومقاتلُ والكلبيُّ : ( الْمُرَادُ بالَّذِيْنَ اتَّبَعُواْ عِيْسَى أمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِيْنَ صَدَّقُوهُ فِيْمَا قَالَ ؛ فَوَاللهِ مَا تَبعَهُ مَنِ ادَّعَاهُ رَبّاً ؛ تَعَالَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَتَقَدَّسَ أنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ) . قال الضحَّاكُ : ( يَعْنِي الْحَوَارِيِّيْنَ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ؛ أي مَرْجِعُ الكفَّار والمؤمنين إلَيَّ ؛ { فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } من أمرِ الدِّين وأمرِ عيسَى عليه السلام .