Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 81-82)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ } ؛ قرأ سعيدُ بن جبير ( لَمَّا ) بتشديد الميمِ ، وقرأ حمزةَُ ( لِمَا ) بكسر اللامِ والتخفيف ، وقرأ الباقون بالفتحِ والتخفيفِ . فمن فَتَحَ وخفَّف فهي لامُ الابتداءِ أدخلت على ( مَا ) ، كقولِ القائلِ : لَزَيدٌ أفضلُ من عمرٍو ، و ( مَا آتَيتُكُمْ ) اسمٌ ، والذي بعده صلةٌ . وجوابه : { لَتُؤْمِنُنَّ بهِ } ، وإن شئتَ جعلتَ خبر ( مَا ) من كتابٍ ، وتكون ( مِنْ ) زائدة معناه : لِمَا آتيتُكم كتاباً وحكمةً . ثم ابتدأ فقال : { ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ } أي ثم إن جاءكم رسولٌ مصدِّق لِمَا معكُم لتُؤْمِنُنَّ بهِ ، اللامُ لامُ القسَم ؛ تقديرهُ : وَاللهِ لَتُؤْمِنُنَّ بهِ ، فوكَّده في أول الكلام بلام التوكيدِ وفي أجزاءِ الكلام بلاَمِ القسَم كأنه استحلَفَهم : وَاللهِ لَتُؤْمِنُنَّ بهِ . وأخذُ الميثاقِ في معنى التَّحليفِ ؛ لأن الْحِلْفَ وَثِيْقَةٌ ، وموضع ( مَا ) في قولهِ ( لِمَا ) نُصِبَ بقوله ( آتَيْتُكُمْ ) ، كأنهُ قالَ : لِلَّذي اتَيْتُكُمُوهُ مِنْ كِتَابٍ . وقال الزجَّاج : ( هَذِهِ لاَمُ التَّخْفِيْفِ دَخَلَتْ عَلَى ( مَا ) لِلْجَزَاءِ ؛ وَمَعْنَاهُ : لَهُمَا آتَيْتُكُمْ ) . ودخولُ اللاَّم في الشَّرطِ والجواب للتوكيدِ كما في قولهِ تعالى : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [ الإسراء : 86 ] وكما يقولُ : لَئِنْ جئتَني لأكرمتُكَ . ومن قرأ ( لِمَا ) بالكسر والتخفيف فهي لاَمُ الإضافةِ دخلت على ( مَا ) التي هي بمعنى الَّذي ؛ ومعناه : للَّذي أتيتُكم ؛ يعني : الذي أخذ ميثاقَ النبيين لأجْلِ الذي آتينَاهُم من كتابٍ وحكمةٍ ؛ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لَمَآ آتَيْنَاكُمْ مِّن كِتَابٍ ) : قرأ نافعُ بالألف والنُّون على التَّعْظِيْمِ ؛ لأنَّ عِظَمَ الشَّأْنِ قد يُعَبرُ عن نفسِه بلفظِ الجمعِ . وقرأ الآخرونَ ( آتَيْتُكُمْ ) . واختلفَ المفسِّرون في المعنِيِّ بهذه الآية ، فقال قومٌ : إنَّما أخذ الميثاقَ على الأنبياءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ : أن يُصَدِّقَ بعضُهم بعضاً ، ويأمُرَ بعضُهم بالإيْمان ببعضٍ ، فذلك معنَى النُّصْرَةِ بالتصديقِ ، وهذا قولُ ابن جُبير وطاوُوس وقتادةَ والحسنِ والسديِّ ، يدلُّ عليه ظاهرُ الآية . قالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه : ( لَمْ يَبْعَثِ اللهُ نَبيّاً إلاَّ أخَذ عَلَيْهِ الْعَهْدَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ ، وَأخَذ الْعَهْدَ عَلَى قَوْمِهِ لَيُؤمِنُنَّ بهِ ؛ وَلَئِنْ بُعِثَ وَهُمْ أحْيَاءٌ لَيَنْصُرُنَّهُ ) . وقال بعضُهم : إنَّما أخذ الميثاق على أهلِ الكتاب ؛ وهو قولُ مجاهدٍ والربيعِ قَالُواْ : ( ألاَ تَرَى إلَى قولهِ : { ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ } إنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ مَبْعُوثاً إلَى أهْلِ الْكِتَاب دُونَ النَّبيِّيْنَ ) . وقال بعضُهم : إنَّما أخذ العهدَ على النبيِّين وأُمَمِهم ؛ واكتفَى بذِكْرِ الأنبياءِ عن ذكرِ الأُمم ؛ لأنَّ أخذ الميثاقِ على المتبُوعِ دلالةٌ على أخذهِ على الأتْبَاعِ ، وهذا قولُ ابنِ عباس وهو أوْلَى بالصواب . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي } ؛ أي قالَ اللهُ تعالى لأنبيائهِ : أقْرَرْتُمْ بما أمرتُكُم به على ما قُلْتُ لكم وقَبلْتُمْ على ذلكم عَهْدِي . ومعنى { أَخَذْتُمْ } أي قَبلْتُمْ ؛ نظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ } [ المائدة : 41 ] أي فَاقْبَلُوهُ ، وقولهُ : { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } [ البقرة : 48 ] أي لا يُقْبَلُ ، وقولهُ : { وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ } [ التوبة : 104 ] أي يَقْبَلُهَا . والإِصْرُ في اللُّغة : الثِّقَلُ ؛ لكن يُراد به العَهْدُ لِما فيه من الثِّقَلِ . وقال بعضُهم : لفظُ الأخذِ يحتملُ وجهين ؛ أحدُهما : قَبلْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ عَهْدِي ، والثانِي : أخَذْتُمُ الْعَهْدَ عَلَى ذلِكُمْ بذلِكَ عَلَى أُمَمِكُمْ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا } ؛ أي قالَتِ الأنبياءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ : أقْرَرْنَا بالْعَهْدِ ، { قَالَ } اللهُ ؛ تَعَالَى ؛ { فَٱشْهَدُواْ } ؛ أي يشهَدُ بعضُكم على بعضٍ بذلكَ ، واشهَدُوا على أتْباعكُم . وقيل : معنى { فَٱشْهَدُواْ } أي بَيِّنُواْ لِمن يكونُ بعدَكم ؛ لأن الشاهدَ هو الذي يُصَحِّحُ دعوَى المدَّعي ، ثم قالَ تعالى : { وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } ؛ أي أنَا مِن الشاهدين عليكُم وعلى أُمَمِكُمْ . وقيل : معنى : { فَٱشْهَدُواْ } أي قالَ للملائكةِ : فَاشْهَدُواْ على إقرارهم . وشهادةُ الله للنبيينَ تَبْينَةُ أمرِ نبوَّتِهم بالمعجزاتِ ، { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } .