Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 10-10)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ } أي مَالَتْ عن كلِّ شيء ، فلم تَنْظُرْ إلاَّ إلى عدُوِّها مُقبلاً مِن كلِّ جانب ، { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } ، وَالْحَنْجَرَةُ جَوْفُ الْحَلْقِ . قال قتادةُ : ( شَخَصَتِ الْقُلُوبُ مِنْ مَكَانِهَا ، فَلَوْلاَ أنَّهُ ضَاقَ الْحُلْقُومُ عَنْهَا أنْ تَخْرُجَ لَخَرَجَتْ ) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } يعني الملائكةَ ، بَعَثَ اللهُ ملائكةً على المشركين فقَلَعَتْ أوتادَ الخيلِ وأطْنَابَ الْفَسَاطِيْطِ ، وأطفأَتِ النيرانَ وجالَتِ الخيلُ بعضُها في بعضٍ ، وكَثُرَ تكبيرُ الملائكةِ في جوانب عسكَرِهم حتى وقعَ بهم الرعبُ فانْهَزَمُوا من غيرِ قتالٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } ، أي مِن فوق الوادِي مِن قِبَلِ المشرقِ عليهم مالكُ بن عوفٍ البَصْرِيّ ، وعُيَينَةُ بن حِصْنِ الفزَّاري في ألْفٍ مِنْ غَطَفَانَ ، { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } ، يعني مِن قِبَلِ المغرب فيهم أبُو سفيانَ في قُريشٍ ومَن تَبعَهُ ، وأبو الأعْوَر السُّلمي من قِبَلِ الخندقِ . وكانَ مِن حديثِ الخندقِ : " أنَّ نَفَراً مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ حَييُّ بْنُ أخْطَبَ وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبْيعِ وَهَوْذةُ بْنِ قَيْسٍ وَأبُو عُمَارَةَ الْوَائِلِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي النَّضِيْرِ خَرَجُواْ حَتَّى قَدِمُواْ عَلَى قُرَيْشِ فَدَعَوْهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجَابُوهُمْ فَاجْتَمَعُواْ مَعَ قُرَيْشٍ . فَسَارَتْ وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنٍ الْفَزَّاريُّ ، وَسَارَتْ بَنُو مُرَّةً وَقَائِدُهَا الْحَارثُ بْنُ عَوْفٍ ، وَسَارَتْ بَنُو أشْجَعَ وَقَائِدُهَا مُسْعِرُ بْنُ رَخَيْلَةَ الأَشْجَعِيُّ ، وَسَارَتْ قُرَيْشُ وَقَائِدُهَا أبُو سُفْيَانَ . فَلَمَّا سَمِعَ بهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِيْنَةِ ، وَكَانَ الَّذِي أشَارَ بالْخَنْدَقِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَلْمَانُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إنَّا كُنَّا بفَارسَ إذا حُوصِرْنَا خَنْدَقْنَا . فَحَفَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى أحْكَمُوهُ . فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَفْرِ الْخَنْدَقِ ، أقْبَلَتْ قُرَيْشُ حَتَّى نَزَلَتْ بمَجْمَعِ الأَسْيَالِ مِن رُومَة ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ وَهُمْ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ ، فَكَانَ الْخَنْدَقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِيْنَ ، وَعَظُمَ عِنْدَ ذلِكَ الْبَلاَءُ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ ، وَأتَاهُمُ الْعَدُوُّ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أسْفَلَ مِنْهُمْ ، حَتَّى ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ ، وَظَهَرَ النِّفَاقُ فِي الْمُنَافِقِيْنَ ، حَتَّى قَالَ مُعْتَبُ بْنُ بَشِيْرِ الْمُنَافِقُ : كَانَ مُحَمَّدُ وَعَدَنَا أنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، فَأَحَدُنَا لاَ يَقْدِرُ أنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ ، مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُوراً . فذلك قوله تعالى : { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } . فَأَقَامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَأقَامَ الْكُفَّارُ مَعَهُ بضْعاً وَعِشْرِيْنَ لَيْلَةً قَرِيْباً مِنْ شَهْرٍ ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَوْمِ إلاَّ الرَّمْيَ بالنَّبْلِ وَالْحَصَى وَالْحِصَار . فَلَمَّا اشْتَدَّ الْبَلاَءُ عَلَى النَّاسِ وَاسْتَطَالَ ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حُصَيْنِ وَإلَى الْحَارثِ بْنِ عَوْفٍ وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ ، وَأعْطَاهُمَا ثُلْثَ ثِمَار الْمَدِيْنَةِ عَلَى أنْ يَرْجِعَا بمَنْ مَعَهُمَا مِنَ الْقَوْمِ ، فَجَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ حَتَّى وَقَعَ الْكِتَابُ وَلَمْ تَقَعِ الشَّهَادَةُ ، فَذكَرَ ذلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَاسْتَشَارَهُمَا فِي ذلِكَ ، فَقَالاَ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ أهَذا شَيْءٌ أمَرَكَ اللهُ بهِ أمْ أمْرٌ تُحِبُّهُ أنْتَ أمْ أمْرٌ تَصْنَعُهُ لَنَا ؟ فَإنْ كَانَ أمْراً مِنَ اللهِ لَكَ فَلاَ بُدَّ لَنَا مِنَ الْعَمَلِ بهِ ، وَإنْ كَانَ أمْراً تُحِبُّهُ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ، وَإنْ كَانَ شَيْئاً تَصْنَعُهُ لَنَا فَعَرِّفْنَا بهِ ، فَقَالَ صلى الله الله عليه وسلم : " بَلْ وَاللهِ مَا صَنَعْتُ ذلِكَ إلاَّ أنِّي رَأيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ بقَوْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَأَرَدْتُ أنْ أكْسِرَ عَنْكُمْ شَوْكَتَهُمْ " . فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؛ لَقَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلاَءِ الْْقَوْمِ عَلَى الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الأَوْثَانِ لاَ نَعْبُدُ اللهَ وَلاَ نَعْرِفُهُ ، وَهُمْ لاَ يَطْمَعُونَ أنْ يَأْكُلُوا مِنْ ثِمَارنَا تَمْرَةً إلاَّ قِرَاءً أوْ شِرَاءً ، فَكَيْفَ وَقَدْ أكْرَمَنَا اللهُ بالإسْلاَمِ وَأعْزَّنَا بكَ نُعْطِيْهِمْ أمْوَالَنَا ! مَا لَنَا بهَذا مِنْ حَاجَةٍ ، وَاللهِ لاَ نُعْطِيْهِمْ إلاَّ السَّيْفَ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ، فقال صلى الله عليه وسلم : " فَأَنْتَ وَذاكَ " . فَتَنَاوَلَ سَعْدٌ الصَّحِيْفَةَ الَّتِي كَتَبُواْ فِيْهَا صُلْحَهُمْ فَمَحَاهَا . ثُمَّ إنَّهُمْ تَرَامَواْ بالنَّبْلِ ، فَوَقَعَتْ رَمْيَةٌ فِي أكْحَلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَطَعَتْهُ ، رَمَاهُ ابْنُ الْغُرْفَةِ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَمَا زَالَ أكْحَلُهُ يَسِيْلُ دَماً حَتَّى خِيْفَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ سَعْدٌ : اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ أبْقَيْتَ مِنْ حَرْب قُرَيْشٍ فَأَبْقِنِي لَهَا ، فَإنَّهُ لاَ شَيْءَ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ جِهَادِ قَوْمٍ آذواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذبُوهُ وَأخْرَجُوهُ ، وَإنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ لَنَا شَهَادَةً وَلاَ تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ . ثُمَّ أتَى نَعِيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْغَطَفَانِيُّ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ قَدْ أسْلَمْتُ وَإنَّ قَوْمِي مِنْ غَطَفَانَ لَمْ يَعْلَمُواْ بإسْلاَمِي ، فَمُرْنِي فِيْهِمْ بمَا شِئْتَ ، فَقَالَ عليه السلام : " إنَّمَا أنْتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَخَذِّلْ عَنَّا إنِ اسْتَطَعْتَ " . فَخَرَجَ نَعِيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أتَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيْماً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا بَنِي قُرَيْظَةَ ؛ لَقَدْ عَلِِمْتُمْ وُدِّي لَكُمْ وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ المَحَبَّةِ . قَالُواْ : صَدَقْتَ ؛ لَسْتَ عِنْدَنَا بمُتَّهَمٍ . فَقَالَ لَهُمْ : إنَّ قُرَيْشاً وَغَطَفَانَ جَاءُوا لِحَرْب مُحَمَّدٍ ، وَإنَّ قُرَيْشاً وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَهَيْئَتِكُمْ ؛ لأنَّ هَذِهِ بَلَدُكُمْ وَبهَا أمْوَالُكُمْ وَأبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ ، لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى أنْ تَحَوَّلُواْ إلَى غَيْرِكُمْ ، وَإنَّ قُرَيْشاً وَغَطَفَانَ أمْوَالُهُمْ وَأوْلاَدُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ بَعِيدُونَ ، إنْ رَأوْا لَهُمْ هَا هُنَا صَوْلَةً وَغَنِيْمَةً أخَذُوهَا ، وَإنْ كَانَ غَيْرَ ذلِكَ لَحِقُواْ ببلاَدِهِمْ ، وَخَلَّواْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَذا الرَّجُلِ وَهُوَ رَجُلٌ ببَلَدِكُمْ لاَ طَاقَةَ لَكُمْ بهِ ، فَلاَ تُقَاتِلُوهُ حَتَّى تَأْخُذُواْ رَهْناً مِنْ أشْرَافِ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ يَكُونُونَ بأَيْدِيكُمْ ثِقَةً عَلَى أنْ يُقَاتِلُواْ مَعَكُمْ . فَقَالُواْ لَهُ : لَقَدْ أشَرْتَ برَأيٍ وَنَصِيْحَةٍ . ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أتَى قُرَيْشاً ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ؛ قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إيَّاكُمْ وَفِرَاقِي مُحَمَّداً ، وَقَدْ بَلَغَنِي أمْراً رَأيْتُ حَقّاً عَلَيَّ أنْ أُبْلِغْكُمُوهُ نُصْحاً لَكُمْ ، فَاكْتُمُواْ عَلَيَّ . قَالُواْ : نَفْعَلُ ! قَالَ : اعْلَمُواْ أنَّ مَعْشَرَ الْيَهُودِ قَدْ نَدِمُواْ عَلَى مَا صَنَعُواْ فِيْمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ ، وَقَدْ أرْسَلُواْ إلَيْهِ : أنَّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى فِعْلِنَا ، فَهَلْ يُرْضِيْكَ عَنَّا أنْ نَأْخُذ مِنَ الْقَبيْلَتَيْنِ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رجَالاً مِنْ أشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيكَهُمْ فَتَضْرِبُ رقَابَهُمْ ، ثُمَّ نَكُونُ مَعَكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ : نَعَمْ ، وَأنْتُمْ إذا بَعَثَتِ الْيَهُودُ إلَيْكُمْ يَلْتَمِسُونَ مِنْكُمْ رَهْناً مِنْ رجَالِكُمْ فَلاَ تَدْفَعُواْ إلَيْهِمْ رَجُلاً وَاحِداً . ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أتَى غَطَفَانَ فَقَالَ لَهُمْ : يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ ؛ أنْتُمْ أصْلِي وَعَشِيْرَتِي وَأحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ ، وَلاَ أرَاكُمْ تَتَّهِمُونِي . قَالُواْ : صَدَقْتَ ! قَالَ : فَاكْتُمُواْ عَلَيَّ ، قَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشٍ وَحَذرَهُمْ مَا حَذرَهُمْ . فَأَرْسَلَ أبُو سُفْيَانَ وَرُؤُوسُ غَطَفَانَ إلَى يَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ نَفَراً مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ ، فَأَتُوْهُمْ وَقَالُواْ لَهُمْ : قَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ ، فَأَعِدُّواْ لِلْقِتَالِ حَتَّى يَفْرَغَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ . فَقَالَ بَنُو قُرَيْظَةَ : لَسْنَا بالَّّذِي نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُونَا رَهْناً مِنْ رجَالِكُمْ تَكُونُ ثِقَةً بأَيْدِيْنَا ، فَإنَّا نَخَافُ أنَّكُمْ إذا اشْتَدَّ عَلَيْكُمُ الْحَرْبُ وَالْقِتَالُ أنْ تَسِيْرُواْ إلَى بلاَدِكُمْ وَتَتْرُكُونَا ، وَهَذا الرَّجُلُ قَرِيْبٌ مِنْ بلاَدِنَا ، وَلاَ طَاقَةَ لَنَا بهِ . فَرَجَعَتِ الرُّسُلُ بمَا قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، فَقَالَتْ قُرَيْشُ وَغَطَفَانُ : وَاللهِ إنَّ الَّذِي حَدَّثَنَا بهِ نَعِيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌّ . وَأرْسَلُواْ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ : وَاللهِ لاَ نَدْفَعُ إلَيْكُمْ رَجُلاً وَاحِداً مِنْ رجَالِنَا ، وَلَكِنَّكُمْ إنْْ كُنْتُمْ تُرِيْدُونَ الْحَرْبَ فَاخْرُجُواْ مَعَنَا فَقَاتِلُواْ وَنَحْنُ مَعَكُمْ . قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ : لاَ نُقَاتِلُ إلاَّ إذا أعْطَيْتُمُونَا رَهْناً مِنْ رجَالِكُمْ . فَقَالُواْ لَهُمْ : حَدَّثَنَا نَعِيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ بذلِكَ فَلَمْ نُصَدِّقْهُ ، فَقَالُواْ لَهُمْ : إنَّ الَّذِي ذكَرَهُ لَكُمْ حَقٌّ . وَخَذلَ اللهُ بَيْنَهُمْ ، وَبَعَثَ عَلَيْهِمْ الرِّيْحَ فِي لَيْْلَةٍ شَاتِيَةٍ شَدِيْدَةِ الْبَرْدِ حَتَّى انْصَرَفُواْ رَاجِعِيْنَ ، وَالْحَمْدُ للهِ رَب الْعَالَمِيْنَ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } ، فأمَّا المنافقونَ فظَنُّوا أنَّ مُحَمَّداً وأصحابَهُ سَيُغلبون ويُستأصَلون ، وأما المؤمنونَ فأيقَنُوا أنَّ ما وعدَهم اللهُ تعالى حقٌّ ، وأنه سيُظْهِرُ دِيْنَهُ على الدِّين كلِّه ولو كَرِهَ المشركونَ . قال الحسنُ في معنى : { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } : ( يَعْنِي ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ باللهِ خَيْراً ، وَظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أنَّ الْكَافِرِيْنَ ظَهَرُواْ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ ) . قرأ نافعُ وعاصم وابنُ عامر : ( الظُّنُونَا ) و ( الرَّسُولاَ ) و ( السَّبيْلاَ ) بإثباتِ الألف فيها وَقْفاً ووَصْلاً لأنه من أواخرِ الآي ، وقرأ أبو عمرٍو بغير ألفٍ وقفاً ووَصْلاً ، وقرأ الباقون بالألفِ في الوقفِ دون الوصلِ .