Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 9-9)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } ؛ يُذكِّرُهم اللهُ إنْعَامَهُ عليهم في دفعِ الأحزَاب عنهم من غيرِ قتالٍ ، وذلك : أنَّ الْكُفَّارَ جَاءُوا بأَجْمَعِهِمْ فِي وَقْعَةِ الْخَنْدَقِ ، وَأحَاطُواْ بالْمَدِيْنَةِ مِنْ أعْلاَهَا وَأسْفَلِهَا ، طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدِ الأَسَدِي وَأصْحَابُهُ مِنْ فَوْقِ الْوَادِي ، وَكَانَ أبُو الأَعْوَر السُّلَمِيُّ وَأصْحَابُهُ مِنْ أسْفَلِ الْوَادِي ، وَكَانَ أبُو سُفْيَانٍ وَأصْحَابُهُ وَيَهُودُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي مُوَاجَهَةِ الْمُؤْمِنِيْنَ ، فَاشْتَدَّ الْخَوْفُ بالْمُؤْمِنِيْنَ وَزَاغَتْ أبْصَارُهُمْ ؛ أيْ مَالَتْ مِنَ الْخَوْفِ ، وَيُقَالُ : مَالَتْ أبْصَارُ الْمُنَافِقِيْنَ خَوْفاً مِنَ النَّظَرِ إلَيْهِمْ . وكانَ الكُفَّارُ خَمْسَةَ عَشَرَ ألْفاً ، وبَلَغَتْ قُلُوبُ الْمُسْلِمِيْنَ الْحَنَاجِرَ ؛ أيْ كَادَتْ تَبْلُغُ الْحُلُوقَ ، وَذلِكَ أنَّ شِدَّةَ الْخَوْفِ تَرْفَعُ الرِّئَةَ ، فترفعُ الرِّئَةُ القلبَ . كما رُوي : " أنَّ الْمُؤْمِنِيْنَ قَالُواْ : يَا رَسُولَ اللهِ ! قَدْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ، فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " قُولُواْ : اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا ، يَكْفِيْكُهُمُ اللهُ تَعَالَى " فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَى الْكُفَّار ريْحاً بَاردَةً مُنْكَرَةً شَغَلَتْهُمْ عَنِ الاسْتِعْدَادِ لِلحَرْب ، وَمَنَعَتْهُمْ مِنَ الثَّبَاتِ عَلَى الْمَكَانِ ، وَقَلَعَتْ خِيَامَهُمْ وَأكْفَأَتْ أوَانِيَهِمْ ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مِنْهَا فِي سَلاَمَةٍ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ إلاَّ مَسَافَةُ الْخَنْدَقِ ، وَكَانَ ذلِكَ إحْدَى مُعْجِزَاتِهِ عليه السلام كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم : " نُصِرْتُ بالصَّبَا ، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بالدَّبُور " " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ } ؛ يعني الذين تَحَزَّبُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ الخندق ، وهم عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وأبُو سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وبَنُو قُرَيْظَةَ ، { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً } ، وهي الصَّبَا ، أُرسِلَتْ عليهم حتى أكفَأَتْْ قدورَهم ونزعت فَسَاطِيْطَهُمْ ، وقوله : { وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } ، يعني الملائكةَ ؛ { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } . ورُوي : " أنَّ شَابّاً مِنْ أهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ : يَا أبَا عَبْدِاللهِ هَلْ رَأيْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : ( إيْ وَاللهِ لَقَدْ رَأيْتُهُ ) قَالَ : وَاللهِ لَوْ رَأيْنَاهُ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى رقَابنَا ، وَمَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ ، فَقَالَ لَهُ حُذيْفَةُ : ( يَا ابْنَ أخِي أفَلاَ أُحَدِّثُكُ عَنِّي وَعَنْهُ ؟ ) قَالَ : بَلَى . قَالَ : ( وَاللهِ لَوْ رَأيْتَنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَبنَا مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ مَا لاَ يَعْلَمُهُ إلاَّ اللهُ . قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ ، ثُمَّ قَالَ : " ألاَ رَجُلٌ يَأْتِي بخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ رَفِيْقِي فِي الْجَنَّةِ ؟ " فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنَّا أحَدٌ مِمَّا بنَا مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَالْجَهْدِ . ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللهُ ، ثُمَّ قَالَ : " ألاَ رَجُلٌ يَأْتِيْنِي بخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ رَفِيْقِي فِي الْجَنَّةِ ؟ " فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنَّا أحَدٌ مِمَّا بنَا مِنَ الْجَهْدِ وَالْخَوْفِ وَالْجُوعِ . فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أحَدٌ ، دَعَانِي فَلَمْ أجِدْ بُدّاً مِنْ إجَابَتِهِ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : " اذْهَبْ فَجِئْ بخَبَرِ الْقَوْمِ ، وَلاَ تُحْدِثَنَّ شَيْئاً حَتَّى تَرْجِعَ " . قَالَ حُذيْفَةُ : قُمْتُ وَجَنْبَيَّ يَضْطَرِبَانِ ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأسِي وَوَجْهِي ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ، وَعَنْ يَمِيْنِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ، وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ " . قَالَ : فَانْطَلَقْتُ أمْشِي حَتَّى أتَيْتُ الْقَوْمَ ، وَإذا ريْحُ اللهِ وَجُنُودُهُ يَفْعَلُ بهِمْ مَا يَفْعَلُ ، مَا يَسْتَمْسِكُ لَهُمْْ بنَاءٌ ، وَلاَ تَثْبُتُ لَهُمْ نَارٌ ، وَلاَ يَطْمَئِنُّ لَهُمْ قِدْرٌ . فَبَيْنَمَا هُمْ كَذلِكَ ، إذْ خَرَجَ أبُو سُفْيَانَ مِنْ رَحْلِهِ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ؛ مَا أنْتُمْ بدَار مُقَامٍ ، لَقَدْ هَلَكَتِ الْخُفُّ وَالْحَافِرْ وَأخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَهَذِه الرِّيْحُ لاَ يَسْتَمْسكُ لَنَا مَعَهَا شَيْءٌ ، وَلاَ تَثْبُتُ لَنَا نَارٌ وَلاَ تَطْمَئِنُّ قِدْرٌ . ثُمَّ عَجَّلَ فَرَكِبَ رَاحِلََتَهُ ، وَإنَّهَا لَمَعْقُولَةٌ مَا حَلَّ عِقَالَهَا إلاَّ بَعْدَمَا رَكِبَهَا . فَقَالَ حُذيْفَةُ : فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَوْ رَمَيْتُ عَدُوَّ اللهِ فَكُنْتُ قَدْ صَنَعْتُ شَيْئاً ، فَأَوْتَرْتُ قَوْسِي وَأنَا أُرِيْدُ أنْ أرْمِيَهُ ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " وَلاَ تُحْدِثَنَّ شَيْئاً حَتَّى تَرْجِعَ " . فَحَطَطْتُ الْقَوْسَ ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : " مَا الْخَبَرُ ؟ " فَأَخْبَرْتُهُ بذلِكَ ، فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ . ثُمَّ أدْنَانِي مِنْهُ وَبي مِنَ الْبَرْدِ مَا أجِدُهُ ، فَأَلْقَى عَلَيَّ طَرَفَ ثَوْبهِ ، وَألْزَقَ صَدْري ببَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ) " .