Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 26-27)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ } ؛ معناهُ : وأنزلَ الذين عَاوَنُوا المشركينَ من أهلِ الكتاب وهم بنُو قريظةَ ، نقَضُوا العهدَ وأعَانُوا الأحزابَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فأنزَلَهم اللهُ من حُصونِهم مع شدَّةِ شوكَتِهم ، وألقَى في قلوبهم الرُّعبَ . " وذلك أنَّ بنِي قريظةَ كانوا قد عاهَدُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن لاَ ينصرُوا أعداءَهُ عليهِ ، فلما رَأوا الأحزابَ وكَثرَتَهم ظنُّوا أنَّهم يستأصِلُون المؤمنينَ ، فنَقَضُوا العهدَ ولَحقوا بهم . فَلَمَّا هَزَمَ اللهُ الْمُشْرِكِيْنَ وَرَجَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى بَيْتِهِ ، أرَادَ أنْ يَنْزَعَ لاَمَتَهُ ، فَسَمِعَ هَسِيْساً ، فَنَظَرَ فَإذا جِبْرِيْلُ عليه السلام فِي دِرْعِهِ وَسِلاَحِهِ ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيْلُ : أتَنْزَعُ لاَمَتَكَ يا رَسُولَ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةُ لَمْ يَنْزعُواْ حَتَّى يُقَاتِلُواْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَيُصَلَّى فِيهِمْ الْعَصْرُ ؟ ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " وَكَيْفَ لِي بِقِتَالِهِمْ وَهُمْ فِي حُصُونِهِمْ ؟ ! " فَقَالَ جِبْرِيْلُ : لأُلْهِمَنَّكَ ذلِكَ ، فَوَاللهِ لأَدُقَّنَّهُمُ الْيَوْمَ كَمَا يُدَقُّ الْبَيْضُ عَلَى الصَّفَا . فَنَادَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَصْحَاب ، فَخَرَجُواْ إلَى حُصُونِ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَأُلْقِي الرُّعْبُ فِي قُلُوب الْقَوْمِ حَتَّى طَلَبُواْ الصُّلْحَ ، وَأبَواْ إلاَّ أنْ يَنْزِلُواْ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ . وَكَانَ سَعْدُ قَدْ أصَابَهُ سَهْمٌ فِي أكْحَلِهِ فِي حَرْب الْخَنْدَقِ ، فَسَأَلَ اللهَ أنْ يُؤْخِّرَهُ إلَى أنْ يَرَى قُرَّةَ عَيْنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَاسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ . فَلَمَّا طَلَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ النُّزُولَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ ، رَضِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَحُمِلَ سَعْدٌ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدِ احْتَبَسَ أكْحَلُهُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " احْكُمْ فِيْهِمْ " . فَقَالَ : حَكَمْتُ فِيْهِمْ بأَنَّ يُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَيُسْبَى ذرَاريَهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأمْوَالُهُمْ . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " حَكَمْتَ فِيْهِمْ مِثْلَ مَا حَكَمَ اللهُ فِيْهِمْ " . فَلَمَّا قُتِلَتْ مُقَاتِلَتُهُمْ وَسُبيَتْ نِسَاؤُهُمْ وَذرَاريَهُمْ ، انْفَجَرَ أكْحَلُ سَعْدٍ فَمَاتَ رَحِمَهُ اللهُ " . والصَّيَاصِيُّ : جمعُ صِيصَةٍ ، وصِيْصَةُ الثَّور قَرْنُهُ ، سُمِّي بذلكَ ؛ لأنَّ قَرْنَهُ حِصْنُهُ الَّذِي يَتَحَصَّنُ بهِ . ورُوي : " أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَجَعَ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي انْصَرَفَ فِيهَا الأَحْزَابُ ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنُونَ إلَى الْمَدِيْنَةِ ، وَوَضَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم السِّلاَحَ ، أتَى جِبْرِيْلُ عليه السلام إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَجِراً بعِمَامَةٍ مِنْ اسْتَبْرَقَ عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا قَطِيْفَةٌ مِنْ دِيْبَاجٍ ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ زَيْنَبَ بنْتِ جحْشٍ يَغْسِلُ رَأسَهُ وَقَدْ مَشَّطَتْ عِقْصَتَهُ ، فَقَالَ جِبْرِيْلُ : قَدْ وَضَعْتَ السِّلاَحَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ ! قَالَ : " نَعَمْ " قَالَ : عَفَا اللهُ عَنْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ! فَوَاللهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ السِّلاَحَ مُنْذُ أرْبَعِيْنَ لَيْلَةٍ ، إنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ بالسَّيْرِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ . وَكَانَ هَذا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ ، فَأَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مُنَادِياً يُنَادِي : " مَنْ كَانَ سَامِعاً مُطِيْعاً فَلاَ يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ إلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ " . وَقَدَّمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أبي طَالِبٍ برَايَتِهِ إلَيْهِمْ ، فَسَارَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ رضي الله عنه حَتَّى إذا دَنَا مِنَ الْحُصُونِ سَمِعَ مِنْهُمْ مَقَالَةً قَبيْحَةً فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَرَجَعَ عَلِيٌّ رضي الله عنه حَتَّى لَقِيَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بالطَّرِيْقِ . فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ لاَ عَلَيْكَ أنْ تَدْنُو مِنْ هَؤُلاَءِ الْخَبَائِثِ ، قَالَ : " أظُنُّكَ سَمِعْتَ مِنْهُمْ أذى ؟ " قَالَ : نَعَمْ . فَسَارَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُمْ حَتَّى دَنَا مِنْ حُصُونِهِمْ ، فَقَالَ لَهُمْ : " يَا إخْوَانَ الْقِرَدَةِ أخْزَاكُمُ اللهُ ، وَأنْزَلَ فِيْكُمْ نِقْمَتَهُ " قَالُواْ : يَا أبَا الْقَاسِمِ ! مَا كُنْتَ جَهُولاً . فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَمْساً وَعِشْرِيْنَ لَيْلَةً حَتَّى جَهَدَهُمُ الْحِصَارُ ، وَقَذفَ فِي قُلُوبهِمُ الرُّعْبَ . فَلَمَّا أيْقَنُواْ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ رَاجِعٍ عَنْهُمْ ، قَالَ لَهُمْ كَعْبُ بْنُ أسَدٍ : يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ؛ إنَّهُ قَدْ نَزَلَ بكُمْ مِنَ الأَمْرِ مَا تَرَوْنَ ، وَإنِّي سَأَعْرِضُ عَلَيْكُمْ ثَلاَثَ خِصَالٍ ، فَخُذُواْ بأَيِّهَا شِئْتُمْ . قَالُواْ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : أمَّا الأُوْلَى فَنُبَايعُ هَذا الرَّجُلَ وَنُصَدِّقُهُ فَوَاللهِ لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أنَّهُ نَبيٌّ مُرْسَلٌ ، وَأنَّهُ الَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابكُمْ ، فَتَأْمَنُواْ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأمْوَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ . قَالُواْ : لاَ نُفَارقُ دِيْنَنَا أبَداً ، وَلاَ نَسْتَبْدِلُ بهِ غَيْرَهُ . قَالَ : فَإنْ أبَيْتُمْ هَذِهِ عَلَيَّ ، فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أبْنَاءَنَا وَنَسَاءَنَا ، ثُمَّ نَخْرُجَ إلَى مُحَمَّدٍ رجَالاً مُصَلِّتِينَ بالسُّيُوفِ ، وَلَمْ يَكُنْ وَرَاءَنَا ثِقْلٌ يَهُمُّنَا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ . قَالُواْ : نَقْتُلُ هَؤُلاَءِ الْمَسَاكِيْن ! فَلاَ خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ . قَالَ : فَإنْ أبَيْتُمْ هَذِهِ ، فَاعْلَمُواْ أنَّ هَذِهِ لَيْلَةَ السَّبْتِ ، وَإنَّهُ عَسَى أنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأصْحَابُهُ قَدْ أمِنُواْ فِيْهَا ، فَانْزِلُواْ لَعَلَّنَا نُصِيْبُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأصْحَابهِ غِرَّةً . قَالُواْ : نُفْسِدُ سَبْتَنَا وَنُحْدِثُ فِيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ أحْدَثَ فِيْهِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا ، وَقَدْ عَلِمْتَ أنَّ الَّذِينَ أَحْدَثُواْ فِيه الأحْدَاثَ مُسِخُواْ ، وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ مَنْ هُمْ . قَالَ : ثُمَّ إنَّهُمْ بَعَثُواْ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنِ ابْعَثْ إلَيْنَا أبَا لُبَابَةَ أخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَكَانُواْ حُلَفَاءَ الأَوْسِ ، نَسْتَشِيْرُهُ فِي أمْرِنَا ، فَأَرْسَلَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَيْهِمْ . فَسَأَلُوهُ إنْ نَنزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَأشَارَ بيَدِهِ إلَى حَلْقِهِ : أنَّهُ الذبْحُ . قَالَ أبْو لُبَابَةَ : فَعَلِمْتُ أنِّي قَدْ خُنْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ ، ثُمَّ انْطَلَقَ أبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ ، وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى عَمُودٍ مِنْ أعْمِدَتِهِ ، وَقَالَ : لاَ أبْرَحُ حَتَّى يَتُوبَ اللهُ عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْتُ ، وَعَاهَدَ اللهَ تَعَالَى أنْ لاَ يَطَأَ أرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ أبَداً ، وَقَالَ : لاَ يَرَانِي اللهُ فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ فِيْهِ . فَلَمَّا عَلِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَدْ مَضَى عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِهِ قَالَ : " أمَا إنَّهُ لَوْ جَاءَنِي لاسْتَغْفرْتُ لَهُ ، فَأَمَّا إذا فَعَلَ مَا فَعَلَ ، فَمَا أنَا بالَّذِي أُطْلِقُهُ حَتَّى يَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ . ثُمَّ إنَّ اللهَ تَعَالَى أنْزَلَ تَوْبَتَهُ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " تُبْتُ عَلَى أبي لُبَابَةَ " فَثَارَ النَّاسُ إلَى أبي لُبَابَةَ لِيُطْلِقُوهُ ، فَقَالَ : وَاللهِ لاَ حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنِي بيَدِهِ . فَجَاءَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَطْلَقَهُ . قَالَ : فَلَمَّا أصْبَحَ بَنُو قُرَيْظَةَ نَزَلُواْ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَتَوَاثَبَتِ الأَوْسُ وَقَالُواْ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ إنَّهُمْ مَوَالِيْنَا - أيْ حُلَفَاؤُنَا - دُونَ الْخَزْرَجِ ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي الْخَزْرَجِ مَا قََدْ عَلِمْتَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَكَانُواْ حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ ، فَنَزَلُواْ عَلَى حُكْمِهِ ، فَسَأَلَهُمْ إيَّاهُ عَبْدُاللهِ بْنُ أبى سَلُولٍ فَوَهَبَهُمْ لَهُ . فَلَمَّا كَلَّمَهُ الأَوْسُ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " يَا مَعْشَرَ الأَوْسِ ؛ أمَا تَرْضَوْنَ أنْ أُحَكِّمَ فِيْهِمْ رَجُلاً مِنْكُمْ ؟ " قَالُواْ : بَلَى ، قَالَ : " فَذاكَـ " إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْمَةِ امْرَأةٍ مِنَ أسْلَمَ يُقَالُ لَهَا رُفَيْدَةُ ، تُدَاوي الْجَرْحَى وَتَخْدِمُ الْمَرْضَى . فَلَمَّا حَكَّمَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ، أتَاهُ قًَوْمٌ فَاحْتَمَلُوهُ عَلَى حِمَار ، وَقَدْ وَطَّأُواْ لَهُ وسَادَةً مِنْ أدْمٍ ، وَكَانَ رَجُلاً جَسِيْماً . ثُمَّ أقْبَلُواْ بِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَقُولُونَ : يَا أبَا عَمْرٍو ! أحْسِنْ فِي مَوَالِيْكَ ، فَإنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا وَلاَّكَ ذلِكَ لِتُحْسِنَ فِيْهِمْ . فَلَمَّا أكْثَرُواْ عَلَيْهِ ؛ قَالَ : لَقَدْ آنَ لِسَعْدٍ أنْ لاَ تَأْخُذهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ . فَعَرَفُواْ أنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ مَقْتُولُونَ . فَلَمَّا انْتَهَى سَعْدٌ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " قُومُواْ إلَى سَيِّدِكُمْ ، فَأَنْزِلُوهُ " فَقَامُواْ إلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا أبَا عَمْرٍو ؛ إنَّ رَسُولَ اللهِ قَدْ وَلاَّكَ مَوَالِيكَ لِتَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ سَعْدٌ : عَلَيْكُمْ عَهْدُ اللهِ وَمِيْثَاقُهُ أنَّ الْحُكْمَ فِيْهِمْ مَا حَكَمْتُ ؟ قَالُواْ : نَعَمْ . قَالَ : أحْكُمُ فِيْهِمْ أنْ يُقْتَلَ الرِّجَالُ وَتُقْسَمَ الأَمْوَالُ وَتُسْبَى الذرَاري وَالنِّسَاءُ . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " لَقَدْ حَكَمْتَ فِيْهِمْ يَا سَعْدُ بحُكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أرْقِعَةٍ " . ثُمَّ اسْتُنْزِلُواْ ، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَار " ابْنَةِ الْحَارثِ " امْرَأةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّار ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ يُخْرِجُهُمْ إلَيْهِ إرْسَالاً ، وَأمَرَ بضَرْب أعْنَاقِهِمْ . وَكَانَ فِيْهِمْ يَوْمِئذٍ عَدُوُّ اللهِ حَييُّ بْنُ أخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ أسْدٍ رَأسُ الْقَوْمِ فِي سَبْعِمِائَةٍ . وَقِيْلَ : مِنْ ثَمَانِمِائَةٍ إلَى تِسْعِمِائَةٍ ، فَقَالُواْ لِكَعْبٍ وَهُوَ يَذْهَبُ بهِمْ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أرْسَالاً : يَا كَعْبُ مَا تَرَى مَا يُصْنَعُ بنَا ؟ قَالَ : مَا لَكُمْ لاَ تَعْقِلُونَ ! ألاَ تَرَوْنَ مَنْ ذهَبَ مِنْكُمْ لاَ يَرْجِعُ ، هُوَ وَاللهِ الْقَتْلُ ، فَلَمْ يَزَلْ ذلِكَ دَأبُهُمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ أُتِيَ بحُيَيِّ بْنِ أخْطَبَ عَدُوِّ اللهِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ فَقَّاحِيَّةٌ وَيَدَاهُ مَغْلُولَتَانِ إلَى عُنُقِهِ بحَبْلٍ ، ثُمَّ أُجْلِسَ فَضُرِبَ عُنُقُهُ " . قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : ( كَانَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ يَضْرِبَانِ أعْنَاقَ بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ هُنَاكَ ) ، قَالَتْ عَائِشَةُ : وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي قُرَيْظَةَ إلاَّ امْرَأةٌ وَاحِدَةٌ ، كَانَتْ وَاللهِ عِنْدِي تَتَحَدَّثُ مَعِي وَتَضْحَكُ ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْتُلُ رجَالَهَا ، فَبَيْنَا هِيَ كَذلِكَ إذ هَاتِفٌ يَهْتِفُ باسْمِهَا : أيْنَ فُلاَنَةُ . قَالَتْ : هِيَ أنَا وَاللهِ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ لَهَا : وَيْلَكِ وَمَا تِلْكَ ؟ قَالَتْ : طُلِبْتُ لأُقْتَلَ ، قُلْتُ : وَلِمَ ؟ قًالَتْ : حَدَثاً أحْدَثْتُهُ ، قَالَتْ : فَانْطُلِقَ بهَا فَضُرِبَ عُنُقُهَا . قَالَتْ عَائِشَةُ : مَا أنْسَى عََجَباً مِنْهَا ، طِيْبَ نَفْسٍ وَكَثْرَةَ ضَحِكٍ ، وَقَدْ عَلِمَتْ أنَّهَا تُقْتَلُ ) . قال الواقديُّ : ( وَاسْمُ تِلْكَ الْمَرْأةِ نُبَاتَةُ ) امْرَأةُ الْحَكَمِ الْقُرَظِيِّ ، وَكَانَتْ قَتَلَتْ خَلاَّدَ بْنَ سُوَيْدٍ ، رَمَتْ عَلَيْهِ رَحًى فَقَتَلَهُ ، فَقَتَلَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بخَلاَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ . وعن الزهريِّ رضي الله عنه قالَ : " كَانَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْظَةَ يُقَالُ لَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا وَيُكَنَّى أبا عبدِالرَّحْمَنِ ، مَرَّ يَوْماً عَلَى ثَابتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَابتِ بْنِ شَمَّاسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ بُغَاثٍ ، أخَذهُ وَحَزَّ نَاصِيَتَهُ ثُمَّ خَلَّى سَبيْلَهُ . فَجَاءَ ثَابتَ بْنَ قَيْسٍ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَوَجَدَهُ قَدْ صَارَ شَيْخاً كَبيراً ، فَقَالَ لَهُ ثَابتُ : يَا زُبَيْرُ هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ قَالَ : نَعَمْ ؛ وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَكَ ؟ قَالَ : فَإنِّي أُريْدُ أنْ أُجَازيَكَ بمَا لَكَ عِنْدِي مِنَ الْيَدِ ، قَالَ : افْعَلْ ، فَإنَّ الْكَرِيْمَ يَجزِي الْكَرِيْمَ . قَالَ ثَابتُ : فَأَتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ قَدْ كَانَ لِلزُّبَيْرِ عِنْدِي يَدٌ وَصَنِيْعَةٌ وَلَهُ عَلَيَّ مِنَّةٌ وَقَدْ أَحْبَبْتُ أنْ أجْزِيَهُ ، فَهَبْ لِي دَمَهُ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " هُوَ لَكَ " فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا شَيْخُ ؛ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ وَهَبَ لِي دَمَكَ . فَقَال : إنِّي شَيْخٌ كَبيْرٌ ، فَإنْ ذهَبَ أهْلِي وَأوْلاَدِي فَمَا أصْنَعُ بالْحَيَاةِ ؟ قَالَ ثَابتُ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ أهْلَهُ وَوَلَدَهُ ، فَقَالَ : " هُمْ لَكَ " فَقُلْتُ : يَا شَيْخُ ؛ قَدْ وَهَبَ لِي رَسُولُ اللهِ امْرَأتَكَ وَأوْلاَدَكَ . فَقَالَ : يَا ثَابتُ ؛ كَيْفَ يَكُونُ أهْلُ بَيْتٍ بالْحِجَاز لاَ مَالَ لَهُمْ ، فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذلِكَ ؟ قَالَ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ مَالَهُ ، فَقَالَ : " هُوَ لَكَ " فَأَعْلَمْتُهُ بذلِكَ . فَقَالَ لِي : يَا ثَابتُ ؛ مَا فَعَلَ الَّذِي وَجْهُهُ مِرْآةٌ مُضِيْئَةٌ كَعْبُ بْنُ أسَدٍ ؟ قُلْتُ : قُتِلَ ، قَالَ : فَمَا فَعَلَ سَيِّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي حَييُّ بْنُ أخْطَبَ ؟ قُلْتُ : قُتِلَ ، قَالَ : فَمَا فَعَلَ مُقْدَّمُنَا إذا شَدَدْنَا وَحَامِيْنَا إذا كَرَرْنَا غَزَالُ بْنُ شَمْوَالَ ؟ قُلْتُ : قُتِلَ . قَالَ : فَمَا فُعِلَ ببَنِي كَعْب بْنِ قُرَيْظَةَ وَبَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ ؟ قُلْتُ : قُتِلُواْ كُلُّهُمْ . قَالَ : فَإنِّي أسْأَلُكَ يَا ثَابتُ بمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنَ الصَّنِيْعَةِ وَالْيَدِ إلاَّ مَا ألْحَقْتَنِي بالْقَوْمِ فَوَاللهِ مَا لِي فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلاَءِ مِنْ خَيْرٍ ، فَمَا أنَا بصَائِرٍ حَتَّى ألْقَى الأَحِبَّةَ . فَضَرَبَ ثَابتُ عُنُقَهُ " فَلَمَّا بَلَغَ أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيْقَ رضي الله عنه قَوْلُهُ : ألْقَى الأحبَّة ، قَالَ : تَلْقَاهُمْ وَاللهِ فِي نَار جَهَنَّمَ خَالِداً فِيْهَا أبَداً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } ؛ أي ألْقَى في قلوبهم الخوفَ ، { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ } ؛ يعني الْمُقًاتِلَةَ ، { وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } ؛ يعني الذرَاري ، { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } ؛ يعني عَقَارَهم ونَخيلَهم ومنازلَهم وأموالَهم من الذهب والفضَّةِ والْحِلِيِّ والعبيدِ والإماء ، { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } ؛ يعني أرضَ بني النَّضِير ، وَقِيْلَ : أرضَ خيبرَ . والمعنى : سيفتحُ الله لكم أرضاً لَم تطأُوها الآنَ بأقدَامِكم يعني خيبرَ ، ففتحَها اللهُ عليهم بعد بنِي قُريظةَ . وقال الحسنُ : ( هِيَ فَارسُ وَالرُّومُ ) ، وقال قتادةُ : ( هِيَ مَكَّةُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } ؛ فيه بيانُ أنَّ الله قادرٌ على إظهارِ الإسلام بغيرِ القتال ، وإنَّما أمرَ المؤمنين بالقتالِ ليعرِضَهم لجزيلِ الثواب .