Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 53-53)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } ، نزَلت هذه الآيةُ في شأنِ ولِيمَةِ زينب ، قال أنسُ ابن مالكٍ : " لَمَّا بََنَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بزَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ ، أوْلَمَ عَلَيْهَا بتَمْرٍ وَسَوِيقٍ وَذَبَحَ شَاةً ، وَبَعَثَت إلَيْهِ أُمِّي أُمُّ سُلَيمٍ بحَيْسٍ في تُورٍ مِنْ حِجَارَةٍ ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أدْعُوَ أصْحَابَهُ إلَى الطَّعَامِ فَدَعَوْتُهُمْ ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَدْخُلُونَ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ آخَرُونَ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ، فَوَضَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى الطَّعَامِ وَدَعَا فِيهِ ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبعُواْ وَخَرَجُواْ ، وَبَقِيَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " ارْفَعُواْ طَعَامَكُمْ " فَرَفَعُواْ وَخَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَبَقِيَ أُوْلَئِكَ الْقَوْمُ يَتَحَدَّثُونَ فِي البَيْتِ فَأَطَالُوا الْمُكْثَ . وَإنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِكَيْ يَخْرُجُواْ ، فَمَشَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى جَميعِ بُيُوتِ أزْوَاجِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ فَإذا الْقَوْمُ جُلُوسٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتِهِ ، وَكَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم شَدِيدَ الْحَيَاءِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ " . قال أنسٌ : " فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَاب جِئْتُ لأَدْخُلَ كَمَا كُنْتُ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " وَرَاءَكَ يَا أنسُ " " . ومعنى الآية : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ } صلى الله عليه وسلم { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ } أي إلا أن يُدعَوا إلى الضيافةِ أو يُؤذن لكم في الدخول ، من غير أن يجتنبوا وقتَ الطعام فيستأذنوا في ذلك الوقت ، ثم تقعُدوا انتظاراً لبُلوغ الطعامِ ونُضجهِ . ومعنى : { غَيْرَ نَاظِرِينَ } أي مُنتظرين نُضجَهُ وإدراكَهُ ، يقال أنَى يَأنِي إنَاهُ ، إذا حانَ وأدركَ ، وكانوا يدخلون بَيتَهُ فيجلسون منتظرين إدراكَ الطعام ، فنُهوا عن ذلك . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ } ، أي فتفرَّقوا ، { وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } ، ولا تجلسوا مُستَأنِسين لحديثٍ بعدَ أن تأكُلوا ، { إِنَّ ذَٰلِكُمْ } ، إنَّ طُولَ مقامكم بعدُ في منزل النبي عليه السلام ، { كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ } ، صلى الله عليه وسلم ، { فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ } ، أن يأمركم بالخروج ، { وَٱللَّهُ } ، عَزَّ وَجَلَّ ، { لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ } ، أي لا يمنعه عن بيان ما هو الحقُّ استحياءً منكم ، وإن كان رسولهُ يفعل ذلك . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } ، أي إذا سألتُم أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من متاعِ البيت ، فخاطبُوهم من وراء الباب والسَّترِ ، قال مقاتلُ : ( أمَرَ اللهُ الْمُؤْمِنِيْنَ أنْ لاَ يُكَلِّمُوا نِسَاءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ) . وعن أنسٍ رضي الله عنه قال : قَالَ عُمر : ( يَا رَسُولَ اللهِ إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، فَلَوْ أمَرْتَ أُمَّهَاتَ الْمُؤْمِنِينَ بالْحِجَاب ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَاب ) . وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت : ( كَانَ عُمَرُ يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللهِ احْجِبْ نِسَاءَكَ ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ) . وعن عامرُ رضي الله عنه قال : ( مَرَّ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى نِسَاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُنَّ : احْتَجِبْنَ ؛ فَإنَّ لَكُنَّ عَلَى النِّسَاءِ فَضْلاً كَمَا أنَّ لِزَوْجِكُنَّ عَلَى الرِّجَالِ فَضْلاً . فَلَمْ يَلْبَثُواْ إلاَّ يَسِيراً حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَاب ) . وعن ابنِ مسعود رضي الله عنه قال : ( أمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب نِسَاءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : الْحِجَابُ ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ : يَا ابْنَ الْخَطَّاب إنَّكَ لَتَغَارُ عَلَيْنَا وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ فِي بُيُوتِنَا ؟ ! ) . وقال أنس : " كُنْتُ أدْخُلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بغَيْرِ إذْنٍ ، فَجئْتُ يَوْماً لأَدْخُلَ فَقَالَ : " مَكَانَكَ يَا بُنَيَّ ، قَدْ حَدَثَ بَعْدُ أنْ لاَ يُدْخَلَ عَلَيْنَا إلاَّ بإِذْنٍ " " . وعن اسماعيل بن أبي حكيم في قوله تعالى : { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } قال : ( هَذا أدَبٌ أدَّبَ اللهُ بهِ الثُّقَلاَءَ ) . وقالت عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : ( حسبك من الثقلاء أن الله لم يحتملهم فقال : { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } ، أي سؤالُكم إياهن المتاعَ من وراء حجاب أطهرُ لقلوبكم وقلوبهن من الرِّيبة . وهذا الحكمُ في الحجاب وإن نزلَ في أزواجِ النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمعنى عامٌّ فيه وفي غيره ، ونحن مأمورون باتباعهِ والاقتداء به ، إلا فيما خصَّه الله به دون أُمَّتهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } ، أي ليس لكم أنْ تُؤذوه بالدخولِ في منزله بغير إذنه ، ولا بالحديثِ مع أزواجه ولا بشيءٍ من الأشياء ، ولا يحلُّ لكم ذلك . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } ، نزلَ في طلحةَ بن عُبيد الله ، قال : ( يَنهانا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أن ندخُلَ على بناتِ أعمامنا - يعني عائشةَ وهما من بني تَيْم بن مُرَّة - فلأَنْ ماتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا حيٌّ لأتزوجنَّ عائشةَ ) . فحرَّمَ اللهُ أزواجَ النبي صلى الله عليه وسلم على عامَّة الناس ، وجعلهنَّ كأُمَّهاتهم في الإكرامِ والتحريم . وقولهُ تعالى : { إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } ، أي إنَّ الذي قُلتم وتمنَّيتم من تزويج أزواجهِ بعد موته كان عندَ الله عظيماً في الوِزْر والعقوبةِ .