Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 72-72)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } ، معناه : إنا عرَضنا الأمانةَ التي هي الشرائعُ والفرائض التي يتعلَّقُ بأدائها الثوابُ وبتركها العقاب . قال ابنُ عباس : ( عُرِضَتِ الأَمَانَةُ عَلَى السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ الَّتِي زُيِّنَتْ بالنُّجُومِ وَحَمَلَتِ الْعَرْشَ الْعَظِيْمَ ، فَقِيْلَ لَهُنَّ بأَخْذِ الأَمَانَةِ بَما فِيهَا ، قُلْنَ : وَمَا فِيهَا ، قِيلَ : إنْ أحْسَنْتُنَّ جُزِيتُنَّ ، وَإنْ أسَأْتُنَّ عُوقِبْتُنَّ ، قُلْنَ : لاَ . ثُمَّ عُرِضَتِ الأَمَانَةُ عَلَى الْجِبَالِ الصُّمِّ الشَّوَامِخِ الصِّلاَب الْبَوَاذِحِ ) ، { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } . قال ابنُ جريج : ( قَالَتِ السَّمَاءُ : يَا رَب خَلَقْتَنِي وَجَعَلْتَنِي سَقْفاً مَحْفُوظاً ، وَأجْرَيتَ فِيَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ ، لاَ أعْمَلُ فرِيضَةً وَلاَ أبْتَغِي ثَوَاباً . وَقَالَتِ الأَرْضُ : يَا رَب جَعَلْتَنِي بسَاطاً وَمِهَاداً ، وَشَقَقْتَ فِيَّ الأَنْهَارَ ، وَأنْبَتَّ فِيَّ الأَشْجَارَ ، لاَ أتَحَمَّلُ فَرِيضَةً وَلاَ أبْتَغِي ثَوَاباً وَلاَ عِقَاباً ) . ومعنى قولهِ : { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا } أي مخافةً وخِشيَةً لا معصيةً ولا مخالفة ، والعرضُ كان تَخييراً لا إلزاماً ، قولهُ : { وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } أي خِفْنَ من الأمانةِ أن لا توفِّيها ، فيلحقهُنَّ العقابُ ، فأَبَوا ذلك تَعظيماً لدِين الله وخَوفاً أن لا يقوموا به ، وقالوا : نحنُ مسخَّرات لأمرِكَ لا نريدُ ثَواباً ولا عقاباً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } ، يعني : وحَملَها آدمُ عليه السلام قال الله له : يا آدمُ إني عرضتُ الأمانةَ على السَّماوات والأرض والجبالَ فأبَين أن يحمِلنَها ولم يُطِقْنَها ، فهل أنتَ آخذُها بما فيها ؟ قال : يا رب وما فيها ؟ قال : إنْ أحسنتَ جُزِيتَ ، وإنْ أسأتَ عُوقِبْتَ . فتحمَّلها آدمُ ، وقال : حَمَلتُها بين أذُنَيَّ وعاتِقي . قال ابنُ عباس : ( عَرَضَ اللهُ عَلَى آدَمَ أدَاءَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي مَوَاقِيتِهَا ، وَأدَاءَ الزَّكَاةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ ، وَحِجِّ الْبَيْتِ ، عَلَى أنَّ لَهُ الثَّوَابَ وَعَلَيْهِ الْعِقَابَ ، فَقَالَ : بَيْنَ أُذُنَيَّ وَعَاتِقِي ) . وقال مقاتل : ( قَالَ اللهُ تَعَالَى لآدَمَ : أتَحْمِلُ هَذِهِ الأَمَانَةَ وَتَرْعَاهَا حَقَّ رعَايَتِهَا ؟ فَقَالَ آدَمُ : وَمَا لِي عِنْدَكَ ؟ قَالَ : إنْ أحْسَنْتَ وَأطَعْتَ وَرَعَيْتَ الأَمَانَةَ ، فَلَكَ الْكَرَامَةُ وَحُسْنُ الثَّوَاب فِي الْجَنَّةِ ، وَإنْ عَصَيْتَ وَأَسَأْتَ مُعَذِّبُكَ وَمُعَاقِبُكَ . قَالَ : قَدْ رَضِيتُ يَا رَب ، وَتَحَمَّلَهَا . فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : قَدْ حَمَّلْتُكَهَا . فَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } . قال الكلبيُّ : ( ظُلْمُهُ حَيْثُ عَصَى رَبَّهُ وَأُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَجَهْلُهُ حَيْثُ تَحْمَّلَهَا ) . وقال مقاتلُ : ( ظَلُوماً لِنَفْسِهِ ، جَهُولاً بعَاقِبَةِ مَا حُمِّلَ ) . وقال مجاهدُ : ( لَمَّا خَلَقَ اللهُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ وَالْجِبَالَ ، عُرِضَتِ الأَمَانَةُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَقْبَلْهَا فَلَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَرَضَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ : قَدْ تَحَمَّلْتُهَا يَا رَب . قال مجاهدُ : فَمَا كَانَ بَيْنَ أنْ تَحَمَّلَهَا وَبَيْنَ أنْ أُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ إلاَّ قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ وَالظُّهْرِ ) . وعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال : ( إنَّ اللهَ قَالَ لآدَمَ : إنِّي عَرَضْتُ الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَلَمْ يُطِقْنَهَا ، فَهَلْ أنْتَ حَامِلُهَا بمَا فِيهَا ؟ قَالَ : يَا رَب وَمَا فِيهَا ؟ قَالَ : إنْ حَفِظْتَهَا أُجِرْتَ ، وَإنْ ضَيَّعْتَهَا عُوقِبْتَ ، قَالَ : قَدْ تَحَمَّلْتُهَا . فَمَا بِقِيَ فِي الْجَنَّةِ إلاَّ كَقَدْر مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا ) . وقال زيدُ بن أسلَمْ : ( الأَمَانَةُ هِيَ الصَّوْمُ وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ ) ، وقال بعضُهم : ( هِيَ أمَانَاتُ النَّاسِ وَالَوَفَاءُ بالْعُهُودِ . فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤمِنٍ أنْ لاَ يَغُشَّ مُسْلِماً فِي شَيْءٍ لاَ قَلِيلٍ وَلاَ كَثِيرٍ ) . وقال السديُّ : ( هِيَ ائْتِمَانُ آدَمَ ابْنَهُ قَابيلَ عَلَى أهْلِهِ وَوَلَدِهِ ، وَذلِكَ أنَّ آدَمَ عليه السلام لَمَّا أرَادَ أنْ يَحُجَّ إلَى مَكَّةَ ، قَالَ : يَا سَمَاءُ احْفَظِي أوْلاَدِي بالأَمَانَةِ ، فَأَبَتْ وََقَالَ لِلأَرْضَ كَذلِكَ ، فَأَبَتْ . وَقَالَ لِلجِبَالِ كَذلِكَ ، فَأَبَتْ . ثُمَّ قَالَ لابْنِِهِ قَابيلَ : أتَحْفَظُهُمْ بالأَمَانَةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، تَذْهَبُ وَتَرْجِعُ فَتَجِدُ أهْلَكَ كَمَا يَسُرُّكَ . فَانْطَلَقَ آدَمُ وَرَجَعَ وَقَدْ قَتَلَ قَابيلُ هَابيلَ ، فَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } يَعنِي قَابيلَ حِينَ حَمَلَ أمَانَةَ أبيهِ ثُمَّ لَمْ يَحْفَظْهَا ) .