Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 11-11)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( كَانَ الْمَالُ لِلْبنْتَيْنْ ؛ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبيْنَ إلَى أنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ثُمَّ صَارَ ذلِكَ مَنْسُوخاً بهَا ) . ومعناهَا : يَعْهَدُ اللهُ إليكُم وَيَفْرِضُ عليكُم في أولادِكم إذا مِتُّمْ : لِلذكَرِ الواحدِ من الأولادِ مِثْلُ نَصِيْب الأُنْثَيَيْنِ في الميراثِ ، واسمُ الولدِ يتناولُ وَلَدَهُ مِن صُلْبهِ حقيقةً وَلَدَ وَلَدِهِ في النِّسبةِ والتعصيب ، ولكنَّهم مِن ذوي الأرحامِ مَجَازاً ، فإذا كان للميِّت ولدٌ من صُلْبهِ وجبَ حملُُ اللفظ على الحقيقةِ ، وإن لم يكن لهُ وَلَدٌ من صُلْبهِ حُمِلَ على مَن كان مِن صُلْب بَنِيْهِ مَجازاً ، وأمَّا ولدُ البَنَاتِ فلا يُعَدُّ مِن وَلَدِهِ في النِّسبةِ والتعصب ، ولكنَّهم مِن ذوي الأرحامِ . قال الشاعرُ : @ بَنُونَا بَنُوا أبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا بَنُوهُنَّ أبْنَاءُ الرِّجالِ الأبَاعِدِ @@ وعن هذا قالَ أصحابُنا : فَمَنْ أوْصَى لولدِ فلانٍ أنَّ ذلك لولدهِ لصلب ، فإن لم يكن لهُ ولدٌ من صُلْبهِ فهو ولدُ ابنهِ ، ولا يدخلُ أولادُ البناتِ في هذه الوصيَّة على أظهرِ الرِّوايتينِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } ؛ أي إنْ كان الأولادُ نساءً أكثرَ من اثنتين ليس معهُنَّ ذكَرٌ ؛ { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } ؛ مِن المالِ ، والباقِي للعَصَبَةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } ؛ قَرَأَ العامَّة بالنصب على خبرِ كَانَ ، وقرأ نافعُ وَحْدَهُ بالرفعِ على أنَّ معناهُ : وَإنْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ ؛ فحينئذٍ لا خبرَ لهُ ، وقراءةُ النصب أجْوَدُ ، وتقديرهُ : فإن كانت المولودةُ واحدةً . فإنْ قيل : لِمَ أعْطَيْتُمُ الْبنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ وفي الآيةِ إجَابُ الثُّلُثَيْنِ لأكْثَرَ مِنَ الابْنَتَيْنِ ؟ قِيْلَ : فِي فحوَى الآيةِ دليلٌ على أن فَرْضَ الابنتين الثُّلُثَانِ ؛ لأنَّ في أوَّلِها { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } ، فَيقتضِي أنَّ للابنةِ الواحدة مع الابن الثُّلُثُ ، فإنْ كان لها معهُ الثُّلُثُ كانت تأخذُ الثُّلُثَ مع عدمهِ أولَى ، فاحْتَجْنَا إلى بيانِ حُكْمِ ما فوقَ الأُنثيين ؛ فذلك نصٌّ على حُكْمِ ما فوقِهما ، ويدلُّ عليه أنهُ اذا كانَ للابنِ الثُّلُثَانِ ، وللابنةِ الثُّلُثُ دلَّ أن نصيبَ الأُنثيين الثُّلُثَانِ بحالٍ ؛ لأنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ للذكرِ مثلُ حَظِّ الأُنثيين . وجوابٌ آخر : أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ للأُخت من الأب والأمِّ النصفَ في آخرِ هذه السورة ، كما جعلَ للابنة النصفَ في هذه الآيةِ ، وجعلَ للأُختينِ هناك الثُّلُثَيْنِ ، فأعطينَا الاثنين الثُّلُثَيْنِ قياساً على الأُختين في تلكَ الآيةِ ؛ وأعطينَا جُمْلَةَ الأخواتِ الثُّلُثَين قياساً على البناتِ في هذه الآية . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ } ؛ أي لأَبَوَي الميِّت كنايةً عن غيرِ المذكور لكلِّ واحدٍ منهما السُّدُسُ ؛ { إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ } ؛ أو وَلَدُ ابنٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ } ؛ أي إن لَم يكن للميِّت ولدٌ ذكَرٌ ولا أنثى ، ولا وَلَدَ وَلَدٍ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ ، والباقِي للأب . ورويَ عن ابن مسعودٍ : ( أنَّ الْوََلَدَ يَحْجُبُونَ الأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ ، وَإنْ لَمْ يَرِثُوا نَحْوَ أنْ يَكُونُوا كُفَّاراً أوْ مَمْلُوكِيْنَ أوْ قَاتِلِيْنَ ؛ لأنَّ اللهَ لَمْ يُفَرِّقْ فِي الآيَةِ بَيْنَ الْوَلَدِ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ ، فَقَالَ : ( وَلأَبَوْيِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ) . وقال عُمَرُ وَعَلِيٌّ وزيدُ بن ثابتٍ : ( لِلأُمِّ الثُّلُثُ ) ، وجعلُوا الكافرَ والرقيقَ بمَنْزِلَةِ الميِّت ، وحَمَلُوا الآيةَ على ولدِ يحوزُ الميراثَ . قرأ أهلُ الكوفةِ إلاّ عاصِماً وخَلَفاً : ( فَلإِمِّهِ ) بكسرِ الهمزة استثقالاً لِضَمَّةِ بعد كسرٍ . وقرأ الباقون بالضمِّ على الأصلِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ } ؛ ذكرهُ بلفظِ الجمع ، وأقلُّه ثلاثةٌ ولا خلافَ ، وإن الحَجْبَ يقعُ بثلاثةٍ من الإخوةِ والأخوات وإن ذلكَ لا يقعُ بالواحدِ ، ثم قالَ عامَّة الصحابةِ : ( إنَّ حُكْمَ الاثْنَيْنِ فِي هَذا حُكْمُ الثَّلاَثَةِ كَمَا فِي أنْثَيَيْنِ وَالأُخْتَيْنِ ) . وعن ابنُ عبَّاس : ( أنَّهُ كَانَ لاَ يَحْجُبُ الأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ إخْوَةٍ ) ، وهذا القولُ غير مأخوذٍ بهِ . ورويَ عنهُ أيضاً : أنَّهُ جَعَلَ لِلابْنَتَيْنِ النِّصْفَ كَنَصِيْب الْوَاحِدَةِ بظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى { فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } ولم يقل بهذا آخرٌ غيرهُ فلا يُعْتَدُّ به . وروي أنَّ جَدَّةً جَاءَتْ إلَى أبي بَكْرٍ رضي الله عنه ، وَطَلَبَتْ مِيْرَاثَهَا ؛ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : ( لاَ أجِدُ لَكِ فِي كِتَابِ اللهِ شَيْئاً ) فَقَامَ الْمُغِيْرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَشَهِدَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعْطَى جَدَّةَ أمِّ الأُمِّ السُّدُسَ ، فَقَالَ : ( إئْتِ مَعَكَ بَشَاهِدٍ آخَرَ ) فَجَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَشَهِدَ بمِثْلِ شَهَادَتِهِ ، فَأَعْطَى أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه السُّدُسَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } ؛ إنَّ هذه القسمةَ بعد فَضْلِ المالِ على الدَّين ، وبعدَ إمضاءِ الوصيَّة من الثُّلُثِ إن كان الميتُ أوصى بها . قرأ ابنُ كثير وابن عامر : ( يُوْصَى بهَا ) بفتحِ الصَّاد . وقرأ الباقونَ بكسرِ الصَّاد . فإن قيلَ : كيفَ ذكَرَ اللهُ الوصيَّةَ قبلَ الدِّين ؛ والدَّيْنُ مُقَدَّمٌ على الوصيَّةِ ؟ قيل : إنَّ كلمة ( أوْ ) لا تُوجِبُ الترتيبَ ، لكنَّها توجبُ تأخيرَ قِسْمَةِ الميراثِ في هذه الآية عن أحدِهما إذا انفردَ ، وعن كلِّ واحد منهُما إذا اجتمعا . روى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ " أنَّهُ قَضَى بالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ " وهذا شيءٌ قد اجتمَعَت عليه الأمَّةُ حتى رويَ عنِ ابن عبَّاس : أنه قيلَ لهُ : مَا لَنَا نُقَدِّمُ أفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أفْعَالِ الْحَجِّ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } [ البقرة : 196 ] ؟ كَمَا تُقَدِّمُونَ الدَّيْنَ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } ؛ معناهُ : إنَّ المذكورينَ في الآيَةِ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أيُّهُمْ أقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا في الدُّنيا ولا في الآخرةِ ، أمَّا في الدُّنيا فقد يكونُ الولدُ أكثرَ نفعاً لوالدهِ ، وقد يكونُ الوالدُ أكثرَ نفعاً لولدهِ . وأمَّا في الآخرةِ ، فإنَّ الأبَ أرفعُ درجةً في الجنَّة يسألُ اللهَ تعالى أن يَرْفَعَ ابنه إليه فَيَرْفَعُ ، وإنْ كان الابنُ أرْفَعَ سألَ اللهَ أن يرفعَ أباه إليه . وفي هذا جوابُ طعنِ الملحدينَ عن قولِهم : هَلاَّ كَانَ الرجالُ أوْلَى بالميراثِ لكونِهم قوَّامين على النِّساء ؟ وعن جواب آخرين منهم لِمَ جازَ تفضيلُ الذكر على الأُنثى في قسمتِها الميراثَ ؛ والأُنثى أوْلى بالزيادةِ بعجزِها عن التصرُّف ؟ فبيَّن اللهُ تعالى أنهُ فَرَضَ الفرائضَ على ما هو عندهُ حكمةٌ ومصلحة لَهم ، ولو وَكَّلَ ذلك إليكم لَمَا تَعْلَمُوا أيُّهم أنفعُ ، فوضعتُم الأموالَ في غيرِ حكمةٍ . وقيل معناهُ : لا يدري أحدُكم أهوَ أقرب وفاةً فينتفعُ ولدُه بماله ، أمِ الولدُ أقربُ وفاةً فينتفعُ والدهُ بماله . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } ؛ نُصِبَ على الحال والتوكيدِ من قوله { يُوصِيكُمُ } ، وقيل : مصدرٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } ؛ أي لَمْ يَزَلْ عَالِماً بالمواريثِ وغيرها ، حَكِيماً حين بيَّن قسمةَ المواريثِ على الحكمةِ . وعن الحسنِ أنَّ معناهُ : ( كَانَ اللهُ عَالِماً بالأَشْيَاءِ قَبْلَ خَلْقِهَا ، حَكِيماً فِيْمَا يُقَدِّرُ مِنْ تَدْبيْرِهِ فِيْهَا ) .