Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 23-23)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ } ، قال ابنُ عبَّاس : ( حَرَّمَ اللهُ مِنَ النِّسَاءِ أرْبَعَةَ عَشَرَ صِنْفاً ؛ سَبْعَةٌ بالنَّسَب ؛ وَسَبْعَةٌ بالسَّبَب ، وَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ ثُمَّ قَالَ : وَالسَّابعَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 22 ] ) . والجدَّاتُ - وإن بعُدت - مُحَرَّمَاتٌ ؛ لأنَّ اسمَ الأُمَّهَاتِ يَشْمَلُهُنَّ ، كما أن اسم الآباء يتناولُ الأجدَادَ وإنْ بَعُدوا ، واسمُ البَنَاتِ يتناولُ بناتَ الأولادِ وإن سَفِلْنَ ، وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَخَوَٰتُكُمْ } يشمَلُ الأخواتِ مِن الأب والأمِّ ومن الأب ومن الأمِّ ، قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ } يتناولُ عمَّاتِ الأب والأُمِّ وخالاتِ الأمِّ والأب . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ } ؛ قال صلى الله عليه وسلم : " يَحْرُمُ مِنَ الرِّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَب " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " تُحَرِّمُ الْجُرْعَةُ وَالْجُرْعَتَانِ مَا يُحَرِّمُ الْحَوْلاَنِ الْكَامِلاَنِ " " وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : أنَّ أفْلَحَ أخَا أبي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَاب وَكَانَ عَمُّهَا مِنَ الرِّضَاعَةِ ؛ قَالَتْ : فَأَبَيْتُ أنْ آذنَ لَهُ حَتَّى أخْبَرْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ : " لِيَلِجَ عَلَيْكِ ؛ فَإنَّهُ عَمُّكِ " فَقَالَتْ : إنَّمَا أرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ ، ولَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " لِيَلِجَ عَلَيْكِ فَإنَّهُ عَمُّكِ " ، وَكَانَ أبُو القُعَيْسِ زَوْجَ الْمَرأةِ الَّتِي أرْضَعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ } ؛ قال ابنُ عبَّاس وعطاءُ وسعيد بن جبير : [ إنَّ أمَّ الْمَرْأَةِ مُبْهَمَةٌ تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِ ابْنَتِهَا بنَفْسِ الْعَقْدِ ] . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } ؛ لا خِلاَفَ بينَ أهلِ العلم أنَّ كونَها في حُجُورهِ لا يكونُ شرطاً في تحريْمِها وإنَّما ذكرَهُ اللهُ تعالى على عادةِ الناسِ أنَّ الرَّبيْبَةَ تكونُ في حِجْرِ زَوْجِ الأُمِّ ، فخرجَ الكلامُ على وفْقِ العادة دونَ الشرطِ ، وهذا كقولهِ : { وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ } [ البقرة : 187 ] ومعلومٌ أن المعتكفَ لا يحلُّ له الجماعُ وإن كان قد خرجَ من المسجد لحاجةٍ ، إلاَّ أنَّ الغالبَ مِن حالِ العاكفِ أن يكون في المسجدِ ، فَقَرَنَهُ بذكرِ المسجدِ . وأما قَوْلُهُ تَعَالَى : { مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } فمِنَ الناسِ مَن رَدَّ هذا الشرطَ على قوله { مِّن نِّسَآئِكُمُ } وعلى قوله { وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ } فَشَرَطَ الدخولَ بالنِّساءِ في المسألتين في بيوت التحريمِ المذكور في الآيةِ ؛ على معنى أنَّ اللهَ عَطَفَ حُكماً على حكمٍ وعقَّبهما بشرطِ الدُّخول بقوله : { ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } وهو قولُ بشْرِ بن غيَّاث ؛ إلاّ أنَّ هذا لا يَصِحُّ ؛ لأنَّ قولَه { وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ } جملةٌ مستقلةٌ بنفسِها . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَرَبَائِبُكُمُ } بما فيه من شرطِ الدُّخول جملةٌ أخرى مستقلة بنفسِها فلم يَجُزْ بناءُ إحدى الجملتين على الأُخرى ، ولو جعلنَا شرطَ الدخولِ راجعاً إلى الأوَّل ، لَخَصَّصْنَا عمومَ اللفظِ الأول بالشَّكِّ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } ؛ أي فإن لم تكونوا دَخَلْتُمْ نساءَكم ، فلا حرجَ عليكم في تزويجِ الرَّبائِب إذا طلقتُم أمَّهاتَهُنَّ قبل الدخول ، أو مَاتَتْ أمَّهَاتُهنَّ قبلَ دخول الزوج بهنَّ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ } ؛ أي وَنِكَاحَ نساءِ أبنائكم ؛ { ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ } ؛ وإنَّما سُميت امرأةُ الابن حَلِيْلَةً ؛ لأنَّها تحلُّ معه في الفراشِ ، وقيل : لأنَّها حَلاَلٌ لَهُ ، وأمَّا أمَةُ الابن فلا تُسمى حليلةَ ، ولا تَحْرُمُ على الأب ما لم يَطَأْها الابنُ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ } ليس هو على ما ظَنَّ بعضُ الناس أنه مَن شَرَطَ الصُّلْبَ في هذه الآية ؛ أخرجَ امرأةَ الابن في الرَّضاع من التحريمِ ، بل امرأةُ الابن في الرَّضاع بمنْزلةِ امرأة الابن من الصُّلْب في الْحُرْمَةِ ، وإنَّما شرطَ اللهُ تعالى كَوْنَ الابن من صلبه لإخراجِ امرأةِ الابن من التَّبَنِّي عن التحريم . فإنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَزَوَّجَ امْرَأةَ زَيْدِ بنِ الْحَارثَةِ بَعْدَمَا فَارَقَهَا زَيْدٌ ؛ تَكَلَّمَ فِيْهِ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُواْ : إنَّ مُحَمَّداً تَبَنَّى هَذا ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأتَهُ ، وَكَانُواْ يَجْعَلُونَ الْمُتَبَنَّى بمَنْزِلَةِ ابْنِ الصُّلْب فِي الْمِيرَاثِ وَالْحُرْمَةِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ ، وقَوْلَهُ : { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ } [ الأحزاب : 5 ] . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ } ؛ في موضعِ رفعٍ ؛ ومعناهُ : وحَرَّمَ عليكم أنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ ، وصورةُ الجمعِ أن يتزوَّجَ أختين ، أو في عقدين لا يَدْري أيَّتُهُما كانتِ هي الأُولى ، وأمَّا إذا تزوَّجَ امرأةً ثُم تزوَّجَ بعد ذلك أُخْتَها وهو يعلمُ الثانيةَ ؛ فنكاحُ الثانيةِ حرامٌ دون الأُولى ؛ لأنَّ الجمعَ حَصَلَ بالثانيةِ ، ويَحْرُمُ عليه أيضاً بين وَطْئ الأُختين بمِلْكِ اليمينِ ، ويحرمُ عليه أيضاً تزوُّج إحداهُما والأخرى مُعْتَدَّةٌ منهُ في طلاقٍ بائن ، أو رجعيِّ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } ؛ إلاّ ما مَضَى في الجاهليَّةِ فإنه مَعْفُوٌّ لكم إذا تُبتم عنهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } ؛ أي لا يُؤَاخِذُكُمْ بما كان منكم قبلَ التحريمِ .