Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 36-36)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً } ؛ أي وَحِّدُوا اللهَ تعالى ، وأطيعُوه ولا تعبدُوا معه غيرَهُ ، فإن ذلك يُفْسِدُ عبادتَه . قالت الحكماءُ : الْعُبُودِيَّةُ تركُ الاختيار وملازمةُ الافتقار . وَقِيْلَ : الْعُبُودِيَّةُ أربعةُ أشياءٍ : الوفاءُ بالعهودِ ؛ والحفظُ للحُدُودِ ؛ والرِّضَا بالموجودِ ؛ والصَّبْرُ على المفقودِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي أحْسِنُوا بالوالدينِ إحْسَاناً ، وَقِيْلَ : اسْتَوْصُوا بالوالدين إحْسَاناً ، وقد يذكرُ المصدر المنصوبُ على تقديرِ فعلٍ محذوف كقولهِ تعالى : { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } [ محمد : 4 ] ، ومعناه الأمرُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ } ؛ أي وأحْسِنُوا بذوي القَرَابَةِ واليتامَى والمساكينِ . والإحسانُ إلى ذوي القربَى هو مُوَاسَاةُ الفقيرِ منهم إذا خافَ عليه ضَرَرَ الجوعِ والعُرِيِّ وَحُسْنَ العشرةِ وكفِّ الأذى عنهُ والْمُحَابَاةُ دونه مِمَّنْ يريدُ ظُلْمَهُ . وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه : " أنَّ رَجُلاً شَكَا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَسْوَةً فِي قَلْبهِ ؛ فَقَالَ : " إنْ أرَدْتَ أنْ يَلِيْنَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمَسَاكِيْنَ وَامْسَحْ برَأْسِ الْيَتِيْمِ وَأَطْعِمْهُ " " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ } ؛ قال صلى الله عليه وسلم : " الْجِيَراُن ثَلاثَةٌ : جَارٌ لَهُ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ ؛ وَهُوَ الْجَارُ الْقَرِيْبُ الْمُسْلِمُ ، وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ ؛ وَهُوَ الَْجَارُ الأَجْنَبِيُّ الْمُسْلِمُ ، وَجَارٌ لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ ؛ وَهُوَ الْجَارُ الْكَافِرُ " فعلى هذا يكون معنى ( الْجَار الْجُنُب ) : هو الجارُ الذي هو مِن قومٍ آخرين لا قرابةَ بينك وبينه . ويقالُ : إن الجارَ ذوي القربَى هو الذي يُقَاربُكَ في الجوار ، تعرفهُ ويعرِفُكَ ، والجارُ الْجُنُبُ : هو الجارُ الغريبُ المتباعِدُ . وَالْجُنُبْ في اللغة : الْبَعِيْدُ . وقرأ الأعمشُ : ( وَالْجَار الْجَنْبِ ) بفتحِ الجيم وإسكان النُّون ، وهما لُغتان . يقالُ : رَجُلُ جُنُبٌ وَجُنْبٌ ؛ إذا لم يكن قَرِيباً ، وجَمَعُهُ : أجَانِبُ ، وقيل للجُنُب جُنُبٌ لاعتزالهِ الصلاةَ وبُعْدِهِ من المسجدِ حتى يغتسلَ . وقال بعضُهم : ( الْجَارُ الْجُنُبُ ) الكافر . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ } هو الرفيقُ في السفرِ ؛ المنقطعُ إلى الرجلِ رجاءَ خَيْرِهِ ، كذا قالَ ابنُ عبَّاس ومجاهدُ وابنُ جبير وعكرمةُ وقتادة ، وقال بعضُهم : الصاحبُ بالْجَنْب هو الْمُلاَصِقُ دارَه بداركَ ؛ فهو إلى جَنْبكَ ، ويقالُ : هو جارُ الرجلِ في البيتِ الواحد . وقال عَلِيٌّ وعبدُالله وأبنُ أبي ليلى والنخعيُّ : ( هِيَ الزَّوْجَةُ تَكُونُ مَعَهُ إلَى جَنْبهِ ) . وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " " لَيْسَ بمُؤْمِنِ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ، وأيَّمَا رَجُلٍ أغْلَقَ بَابَهُ دُونَ جَارهِ مَخَافَةً عَلَى أهْلِهِ وَمَالِهِ فَلَيْسَ جَارُهُ ذلِكَ بمُؤْمِنٍ " قَالُواْ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ مَا حَقُّ الْجَار ؟ قَالَ : " إنْ دَعَاكَ أجَبْتَهُ ؛ وَإنْ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ عُدْتَ عَلَيْهِ ؛ وَإنِ اسْتَقْرَضَكَ أقْرَضْتَهُ ؛ وَإنْ أصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّيْتَهُ ؛ وَإنْ مَرِضَ عُدْتَهُ ؛ وَإنْ أصَابَتْهُ مُصِيْبَةٌ عَزَّيْتَهُ ؛ وَإنْ مَاتَ شَهِدْتَ جَنَازَتَهُ ، وَلاَ تَسْتَعْلِي عَلَيْهِ بالْبُنْيَانِ لِتَحْجِبَ عَنْهُ الرِّيْحَ إلاَّ بإذْنِهِ ، وَلاَ تُؤْذِهِ بقُتَّارِ قِدْركَ إلاَّ أنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا ، وَإنِ اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَاهْدِ لَهُ مِنْهَا ؛ وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأدْخِلْهَا سِرّاً وَلاَ يُخْرِجْ وَلَدُكَ مِنْهَا شَيْئاً فَيُغِيْظُ وَلَدَهُ بهِ " قال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ آذى جَارَهُ فَقَدْ آذانِي ، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذى اللهَ " قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } ؛ قال مجاهدُ والربيع : ( هُوَ الْمُسَافِرُ ) ، ومعناهُ : صاحبُ الطريق . وقال قتادةُ والضحَّاك : ( هُوَ الضَّيْفُ يَنْزِلُ بكَ ، سُمِّيَ ابْنَ السَّبيْلِ لأنَّهُ كَالْمُجْتَاز الَّذِي لاَ يُقِيْمُ ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أيَّامٍ وَمَا زَادَ صَدَقَةٌ ) . وقال الشافعيُّ : ( هُوَ الَّذِي يُرِيْدُ السَّفَرَ وَلاَ نَفَقَةَ لَهُ ) . قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } ؛ يعني الْمَمَالِيْكَ أحْسِنُوا إليهم ولا تكلِّفوهم إلاّ طاقتَهم ، قال صلى الله عليه وسلم : [ أطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأَكُلُونَ ؛ واكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ؛ وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا لاَ يُطِيْقُونَ ؛ فإنَّهُمْ لَحْمٌ وَدَمٌ وَخَلْقٌ أمْثَالُكُمْ ] . وقال أنسُ : كَانَتْ وَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ وَفَاتِهِ : [ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ ] جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُغَرْغِرُ بهَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي صَدْرهِ وَمَا يَفِيْضُ بهَا لِسَانُهُ . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } ؛ أي لا يَرْضَى عملَ من يَخْتَالُ في مِشْيَتِهِ ويفتخرُ على الناس بكِبْرِهِ ، وإنَّما ذكرَ الْمُختَالَ في آخرِ هذه الآية ؛ لأن المختالَ يَأْنَفُ مِن ذوي القربَى قرابته إذا كانوا فقراءَ ؛ ومن جيرانهِ إذا كانوا كذلكَ ولا يُحسِنُ عِشْرَتَهُمْ .