Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 91-92)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ } ؛ معناهُ : ستجدون قَوماً آخرينَ يريدون أن يَأَمَنُوكُمْ ، أي يُظهرون لكم الصُّلْحَ ، يريدونَ أنْ يأْمنُوكم بكلمةِ التَّوحِيدِ ، يُظهرونَها لكم ، { وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } ؛ أي ويأمَنُوا من قومِهم بالكفرِ في السرِّ ، { كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا } ؛ كلَّما دُعُوا إلى الكُفْرِ رَجَعُوا فيهِ . قال ابنُ عبَّاس : ( هُمْ أسَدُ وَغَطَفَانُ ؛ كَانَوا حَاضِري الْمَدِيْنَةِ ، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بالإسْلاَمِ وَهُمَا غَيْرُ مُسْلِمَيْنِ ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ قَوْمُهُ : بمَاذا آمَنْتَ ؟ وَلِمَاذا أسْلَمْتَ ؟ فَيَقُولُ : آمَنْتُ برَب العُودِ ، وَبرَبِّ الْعَقْرَبِ وَبربِّ الْخَنْفُسَاءِ . يُرِيْدُونَ بهِ الاسْتِهْزَاءَ ، فَإذا لَقُواْ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابَهُ قَالُواْ : إنَّا عَلَى دِيْنِكُمْ ؛ وَأظْهَرُواْ الإسْلاَمَ ، فَأَطْلَعَ اللهُ نَبيَّهُ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِيْنَ عَلَى ذلِكَ بهَذِهِ الآيَةِ ) . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ } ؛ أيْ فانْ لَمْ يتركوا قتالكم ولَمْ يَستَدِيموا لكم في الصُّلْحِ ، ولَمْ يَمنعوا أيديَهم عن قتالِكم ، { فَخُذُوهُمْ } ؛ أي إسِرُوهُمْ ، { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } ؛ أي حيث وَجَدْتُمُوهُمْ ، { وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } ؛ أي أهل هذه الصفة جعلنا لكم عليهم حجة ظاهرة بالقتال معهم ، قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } أي ما كانَ لِمؤمنٍ في حُكْمِ اللهِ أن يَقْتُلَ مؤمناً بغيرِ حقٍّ إلاَّ أن يكونَ وُقُوعُ القتلِ منه على وجهِ الخطأ ، وهو ألاَّ يكونَ قاصداً قَتْلَهُ فيكونُ مرفوعَ الإثْمِ والعقاب . واختلفَ المفسِّرون فيمَنْ نزلت هذه الآيةُ ؛ قال ابنُ مسعودٍ : ( فِي عَيَّاشِ بْنِ رَبيْعَةَ الْمَخْزُومِيِّ ؛ أتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمَكَّةَ قَبْلَ أنْ يُهَاجِرَ إلَى الْمَدِيْنَةِ فَأَسلَمَ مَعَهُ ، فَخَافَ أنْ يَعْلَمَ أهْلُهُ بإسْلاَمِهِ ، فَخَرَجَ هَارباً إلَى الْمَدِيْنَةِ ؛ فَاخْتَفَى فِي جَبَلٍ مِنْ جِبَالِهَا ؛ فَجَزِعَتْ أمُّهُ جَزَعاً شَدِيْداً حِيْنَ بَلَغَهَا إسْلاَمُهُ وَخُرُوجُهُ إلَى الْمَدِيْنَةِ ؛ فَقَالَتْ لأَبيْهَا الْحُرَيْثِ وَأبي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ - وَهُمَا أخَوَاهُ لأُمِّهِ - : وَاللهِ لاَ يُظِلُّنِي سَقْفٌ وَلاَ أذُوقُ طَعَاماً وَلاَ شَرَاباً حَتَّى تَأْتُونِي بهِ ، فَخَرَجَا فِي طَلَبهِ ، وَخَرَجَ مَعَهُمَا الْحَرْثُ بْنُ زَيْدٍ حَتَّى أتَيَا الْمَدِيْنَةَ ، فَوَجَدَا عَيَّاشاً فِي أطَمٍ - أيْ جَبَلٍ - فَقَالاَ لَهُ : إنْزِلْ ؛ فَإنَّ أمَّكَ لَمْ يَأْوهَا سَقْفُ بَيْتٍ بَعْدَكَ ، وَقَدْ حَلَفَتْ لاَ تَأْكُلُ طَعَاماً وَلاَ تَشْرَبُ شَرَاباً حَتَّى تَرْجِعَ إلَيْهَا ، وَلَكَ عَلَيْنَا ألاَّ نُكْرِهَكَ عَلَى شَيْءٍ ؛ وَلاَ نَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ دِيْنِكَ ، فَحَلَفُواْ لَهُ عَلَى ذلِكَ فَنَزَلَ إلَيْهِمْ ، فَأَوْثَقُوهُ بنِسْعَةٍ ثُمَّ جَلَدَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ . ثُمَّ قَدِمُواْ بهِ عَلَى أمِّهِ ، فَلَمَّا أتَاهَا قَالَتْ لَهُ : وَاللهِ لاَ أحِلُّكَ مِنْ وثَاقِكَ حَتَّى تَكْفُرَ بالَّذِي آمَنْتَ بهِ ، ثُمَّ تَرَكُوهُ مَطْرُوحاً مَوْثُوقاً فِي الشَّمْسِ مَا شَاءَ اللهُ ، ثُمَّ أعْطَاهُمُ الَّذِي أرَادُوا ، فَأَتَاهُ الْحُرَيْثُ بْنُ زَيْدٍ ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَيَّاشُ ؛ هَذا الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ ، فَوَاللهِ لَئِنْ كَانَ الْهُدَى لَقَدْ تَرَكْتَ الْهُدَى ، وَلَئِنْ كَانَ ضَلاَلَةً لَقَدْ كُنْتَ عَلَيْهَا ، فَغَضِبَ عَيَّاشُ مِنْ مَقَالَتِهِ ، قَالَ : واللهِ لاَ ألْقَاكَ خَالِياً إلاَّ قَتَلْتُكَ . ثمَّ إنَّ عَيَّاشاً أسْلَمَ بَعْدَ ذلِكَ ، وَهَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِيْنَةِ ، ثُمَّ أسْلَمَ بَعْدَ ذلِكَ الْحُرَيْثُ بْنُ زَيْدٍ وَهَاجَرَ إلَى الْمَدِيْنَةِ ، ولَمْ يَعْلَمْ عَيَّاشُ بإسْلاَمِهِ ، فَبَيْنَمَا عَيَّاشُ يَسِيْرُ بظَهْرِ قِبَاءَ إذْ لَقِيَ الْحُرَيْثَ بْنَ زَيْدٍ فَقَتَلَهُ ، فَقَالَ النَّاسُ : وَيْحَكَ يَا عَيَّاشُ ! إنَّهُ قَدْ أسْلَمَ ، فَرَجَعَ عَيَّاشُ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ قَدْ كَانَ مِنْ أمْرِي وَأمْرِ الْحُرَيْثِ مَا عَلِمْتُ ؛ وَإنِّي لَمْ أعَلْمَ بإسْلاَمِهِ حَتَّى قَتَلْتُهُ ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } ؛ أي ما كان لِمُؤْمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً الْبَتَّةَ إلاَّ خَطَأً ولا عمداً بحالٍ ، لَكِنْ إنْ قَتَلَهُ خَطَأً على غيرِ قصدٍ ، أو قَتَلَهُ على ظنِّ أنهُ مُبَاحُ الدَّمِ فعليه عِتْقُ رَقَبَةٍ مؤمنةٍ في مالهِ ، وعليه وعلى عَاقِلَتِهِ تسليمُ دِيَّةٍ كاملةٍ إلى أولياء المقتولِ ، ويكونُ القاتلُ كواحدٍ من العاقلةِ ، وإذا لم يكن به عاقلةٌ كانت الديَّةُ في بيتِ المال في ثلاثِ سنين . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } ؛ معناهُ : إلاّ أن يَتَصَدَّقَ أولياءُ المقتولِ ، فيتركُوا الديَّةَ ويعفُوا . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } ؛ أي إن كانَ المقتولُ خطأً من قومِ حَرْبٍ لكم ، فَقُتِلَ في دار الحرب وهو مؤمنٌ أسلمَ في دار الحرب ولم يهاجر حتى قُتِلَ ، فعلى قَاتِلِهِ عِتْقُ رقبةٍ مؤمنة ، ولم يذكرِ الديَّة لأن دمَ المقتولِ لا قيمةَ لهُ ، إذْ لَمْ يُحْرِّزْ نَفْسَهُ بدَار الإسْلاَمِ ، وَلَيْسَ هو فِي صُلْحِ الْمُسْلِمِيْنَ . وَقِيْلَ : إنَّما لم يَذْكُرِ الديَّة ؛ لِئَلاَّ يُسَلِّمَ إلى أهلِ الحرب ديَةً فَيَقْوَوْنَ بها عَلَيْنَا ، وهذا القولُ يقتضي أنَّ الديَّةَ واجبةٌ ، إلاّ أنَّها لا تُسَلَّمُ إليهم . وفي وجوب هذه الديَّةِ خلافٌ بين العلماءِ . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } ؛ أي إن كان المقتولُ خطأً من قومٍ بينَكم وبينَهم عهدٌ أو صُلْحٌ ، فعلَى القاتلِ وعاقلته تَسْلِيْمُ ديَّةٍ كاملةٍ إلى أولياءِ المقتولِ ، وعلى القاتلِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مؤمنةٍ . والفائدةُ في إعادةِ ذكر المؤمنة : أنه لو لَمْ يُعِدْ ذكرَها لكان يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أنه لَمَّا وجبَ في المؤمنِ رقبةٌ في مثل صفتهِ تجبُ أيضاً قي قتلِ الكافر رقبةٌ في مثل صفةِ المقتُولِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } ؛ أي من لم يَجِدْ رقبةً مؤمنة ، فعليهِ صيامُ شهرين متوالِيَين لا يفصلُ بين صيامِهما . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ } ؛ أي اعْمَلُوا ما أمرَكم اللهُ به للتوبةِ يَتُوبُ اللهُ عليكم ، وهذا نُصِبَ على ما يقالُ : فعلتُ كذا حَذراً من الشِّراء . وإنَّما سُميت الكفارةُ توبةً ؛ لأن قاتلَ الخطأ كان عَاصِياً في سبب القتلِ من حيثُ إنه لَمْ يَحْتَرِزْ ، وإن لم يكن عاصِياً في نفسِ القتل . ويقالُ : معنى التَّوْبَةِ : التَّوْسِعَةُ والتخفيفُ من اللهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } ؛ أي عَلِيْمٌ بكُلِّ شيءٍ حَكِيْمٌ بما يأمرُكم به من الديَّةِ والكفَّارةِ ، وقال بعضُهم : نَزَلَتْ الآية في أبي الدَّرْدَاءِ حينَ قَتَلَ رَاعِياً خطأً .