Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 29-31)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } ؛ أي قال هابيلُ لقابيلَ : إنْ كُنْتَ تريدُ قتلي فلا تَرْجِعْ عنهُ ، فَإنِّي أريدُ أن ترجعَ إلى اللهِ بإثْمِ دَمِي وإثمِ ذنْبكَ الذي مِن أجْلهِ لم يُتَقَبَّلُ قربانُكَ ، { فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } ؛ في الآخرةِ ؛ { وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } ؛ أي وذلكَ عقوبةُ مَن لَمْ يَرْضَ بحكمِ اللهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } ؛ أي طَاوَعَتْهُ نفسهُ ، وَقِيْلَ : زَيَّنَتْ لهُ قَتْلَهُ فَقَتَلَهُ . قال السُّدِّيُّ : ( لََمَّا قَصَدَ قَابيْلُ قَتْلَ هَابيْلُ أتَاهُ فِي رَأسِ جَبَلٍ وَهُوَ نَائِمٌ وَغَنَمُهُ تَرْعَى ، فَأَخَذ صَخْرَةً فَشَدَخَ بهَا رَأسَهُ فَمَاتَ ) . وقال الضحَّاك : ( كَانَ قَابيْلُ لاَ يَدْرِي كَيْفَ يَقْتُلُهُ حَتَّى جَاءَ إبْلِيْسُ وَبيَدِهِ حَيَّةٌ فَوَضَعَهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ ، فَرَضَخَ رَأسَهَا بالْحَجَرِ وَقَابيلُ يَنْظُرُ ، فَلَمَا نَظَرَ ذلِكَ جَاءَ إلَى هَابيلَ فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُ بالْحِجَارَةِ عَلَى رَأسِهِ حَتَّى قَتَلَهُ ، وَكَانَ لِهَابيلَ يَوْمَ قُتِلَ عُشْرُونَ سَنَةً ) . واختلفوا في موضعِ قتله ، قِيْلَ : قُتِلَ على جبلِ ثور . وقِيْلَ : بالبصرةِ . فلمَّا مات هابيلُ قصَدتْهُ السِّباعُ لتأكلَهُ ، فحملَهُ قابيلُُ على ظهرهِ حتى انتنَّ ريحهُ ، فعكفَ الطُّيور والسِّباع حوالَيهِ تنتظرُ متى يُرمَي به فتأكلَهُ ، { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ } ؛ فبعثَ الله غُرابين فاقتَتلا ، فقَتل أحدُهما صاحبه ، ثم حفرَ له بمنقارهِ ورجله ، ثم ألقاهُ في الحفيرةِ ووارَاهُ ، وقابيلُ ينتظرُ إليه فـ ؛ { قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } . وعن ابنِ عباس قالَ : ( لَمَّا قَتَلَ قَابيلُ هَابيلَ رَجَعَ إلَى أبيهِ قَبْلَ أنْ يَدْفِنَهُ ، فَلَمَّا أبْطَأَ هَابيلُ قالَ آدَمُ عليه السلام : يَا قَابيلُ أينَ أخُوكَ ؟ قالَ : مَا رَأيْتُهُ ؛ وَكَأَنَّنِي بهِ أرْسَلَ غَنَمَهُ فِي زَرْعِي فَأَفْسَدَهُ ، فَلَعَلَّهُ خَافَ أنْ يَجِيءَ مِنْ أجْلِ ذلِكَ ، قَالَ : وَحَسَّتْ نَفْسُ آدَمَ ، فَبَاتَ لَيْلَتَهُ تِلْكَ مَحْزُوناً ، فَلَمَّا أصْبَحَ قَابيلُ غَدَا إلَى ذلِكَ الْمَوْضِعِ ، فَإذا هُوَ بغُرَابٍ يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ عَلَى غُرَابٍ مَيِّتٍ لِيُواريَهُ ) . وَقِيْلَ : بعثَ اللهُ الغرابَ إكراماً لهابيل ، وكان الغرابُ يحثِي الترابَ على هابيل ليُرِيَ قابيل كيف يُواريه ؛ أي كيف يغطِّي عورتَهُ . وفي الخبرِ : أنَّهُ لَمَّا قتله سلبَهُ ثيابه ، وتركه عُرياناً . وَقِيلَ : أرادَ بالسَّوْءَةِ جسَدَ المقتولِ ، سماه سَوْءَةً لأنه لَمَّا بقي على وجهِ الأرض تغيَّرَ وَنَتَنَ ، والسوءَةُ في اللغة : عبارةٌ عن كل شيء مستنكرٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } ؛ الخاسرين ، أي صارَ من المغبونِين بالوزر والعقوبة . قال الكلبيُّ : ( كَانَ قَابيلُ أوَّلَ مَنْ عَصَى اللهَ فِي الأَرْضِ مِنْ ولْدِ آدَمَ ، وَهُوَ أوَّلُ مَنْ يُسَاقُ إلَى النَّارِ ) . وقال مقاتلُ : ( كَانَ قَبْلَ ذلِكَ تَسْتَأْنِسُ الطُّيُورُ وَالسِّبَاعُ وَالْوُحُوشُ بهِ ، فَلَمَّا قَتَلَ قَابيلَ نَفَرُواْ ، فَلَحِقَتِ الطُّيُورُ بالْهَواءِ ؛ وَالْوُحُوشُ بالْبَرِّيَّةِ ؛ وَالسِّبَاعُ فالفيَافِي وشَاكَ الشَّجَرُ ، وَتَغَيَّرَتِ الأَطْعِمَةُ وَحَمِضَتِ الْفَوَاكِهُ وَاغْبَرَّتِ الأَرْضُ ) . وقال عبدُالله المخزوميُّ : ( لَمَّا قُتِلَ هَابيلُ رَجَفَتِ الأَرْضُ بمَا عَلَيْهَا سَبْعَةَ أيَّامٍ ) . وقال سالِمُ بن أبي الجعد : ( مَكَثَ آدَمُ عليه السلام حَزِيناً عَلَى قَتْلِ وَلَدِهِ هَابيلَ مِائَةَ سَنَةٍ لاَ يَضْحَكُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ } أي أرسلَ اللهُ غراباً يثيرُ الترابَ على غرابٍ آخر ميْتٍ بمنقارهِ وبرجله ، فلما أبصرَ قابيل الغرابَ يبحثُ في الأرض دعَا بالويلِ على نفسه ، فقال : ( يَا وَيْلَتَا أعَجَزْتُ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذا الْغُرَاب ) والوَيْلُ : كلمةٌ تستعمَل عند الوقوعِ في الشدَّة والهلَكةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } يحتملُ أنه نَدِمَ نَدَمَ توبةٍ عن جميع ما قالَ وفعل ، ويحتمل أنه نَدِمَ على تركِ مُواراةِ سَوْءَةِ أخيه ، فإن كانت الأُولى فاللهُ توَّابٌ رحيم ، وإنْ كانت الثانيةُ فإثْمُ القتلِ في عُنقه . قال ابنُ عبَّاس : ( لَوْ كَانَتْ نَدَامَتُهُ عَلَى قَتْلِهِ لَكَانَتْ تَوْبَةً مِنْهُ ) . وَقِيْلَ : إنه إنما نَدِمَ لأنه لم ينتفِعْ بقتلهِ ولم يحصُلْ له مرادهُ ، فكان ندمهُ لأجلِ ذلك لا بقُبحِ فعلهِ ، ولو كان ندمهُ تقرُّباً إلى الله عَزَّ وَجَلَّ . قال ابنُ عبَّاس : ( فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِقَابيلَ : كُنْ خَائِفاً لاَ تَرَى شَيْئاً إلاَّ خِفْتَ مِنْهُ أنْ يَقْتُلَكَ ، قَالَ : وَكَانَ كُلُّ مَنْ رَأى قَابيلَ رَمَاهُ بالْحِجَارَةِ ، فَأَبْصَرَهُ بَعْضُ وَلَدِ وَلَدِهِ فَرَمَاهُ بالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلَهُ ) ويقالُ : كان على جبلٍ فنطحَهُ ثورٌ فوقعَ إلى سفحِ الجبل فتفرَّقت أوصالهُ . وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ : " لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْماً إلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ، لأَنَّهُ أوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ " قال مقاتلُ : ( وَتَزَوَّجَ شِيثٌ بإقْلِيمَا ) . وقال الضحَّاك : ( لَمَّا قَتَلَ قَابيلُ هَابيلَ حَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ ، وَلَمْ يَدْر كَيْفَ يَصْنَعُ بهِ ، فَمَكَثَ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ يَحْمِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ لاَ يَدْرِي مَاذا يَصْنَعُ بهِ ، فَبَعَثَ اللهُ غُرَابَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ ، فَقَتَلَ أحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، ثُمَّ أخَذ يَحْفُرُ فِي الأرْضِ ، وَأخَذ برِجْلِ الْغُرَاب الْقَتِيلِ وَألْقَاهُ فِي الْحَفِيرَةِ ) فذلك قوْلُهُ تَعَالَى : { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ } .