Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 40-41)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ؛ أي له القدرةُ على أهلِ السَّماوات والأرضِ ، والخطابُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } ؛ أي يعذِّبُ مَنْ يشاءُ على الذنب الصغير وهو عدلٌ منه ، ويغفرُ لِمَنْ يشاءُ الذنبَ العظيمَ وهو فضلٌ منه ؛ أي يعذِّبُ من توجبُ الحكمة تعذيبَهُ ، ويغفرُ لمن توجبُ الحكمة مغفرتَهُ ، { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . وقولهُ تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } ؛ أي لا يحزِنُكَ يا مُحَمَّدُ فعلُ الذين يسارعُ بعضهم بعضاً في الإقامةِ على الكفرِ والحثِّ عليه . قرأ نافعُ : ( يُحْزِنُكَ ) بضمِّ الياء ، ومعناهما واحدٌ . وقرأ السلميُّ : ( يُسْرِعُونَ فِي الْكُفْرِ ) ، وقولهُ تعالى : { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } وهم المنافقون { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } ؛ أي ومن يهودِ المدينة الذين هم أهلُ الصُّلح للنبيِّ صلى الله عليه وسلم . وفي هذا تسليةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وتثبيتٌ لفؤادهِ بوعد النُّصرَةِ والظفرِ ، وإعلامٌ أنَّ اليهود والنصارَى والمنافقين لا يضرُّونَهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : " { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } ؛ أي قابلون للكذب ، يعني بني قُريظة هم سَمَّاعون لقومٍ آخَرين لم يأتُوكَ ، يعني يهودَ خيبر ، وذلك : أنَّ رَجُلاً وَامْرَأةً مِنْ أشْرَافِ أهْلِ خَيْبَرَ زَنَيَا ، وَكَانَتْ خَيْبَرُ حَرْباً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَ الزَّانِيَانِ مُحْصِنَيْنِ ، وَكَانَ حَدَّهُمَا الرَّجْمُ فِي التَّوْرَاةِ ، فَكَرِهَتِ الْيَهُودُ رَجْمَهُمَا لِشَرَفِهِمَا ، وَقَالُواْ : إنَّ هَذا الرَّجُلَ الَّذِي فِي يَثْرِبَ لَيْسَ فِي كِتَابِهِ الرَّجْمُ وَلَكِنَّهُ الضَّرْبُ ، فَأَرْسِلُوا إلَى إخْوَانِكُمْ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَإنَّهُمْ صُلْحٌ لَهُ وَجِيراَنُهُ فَيَسْأَلُونَهُ عَنْ ذلِكَ ، فَبَعَثُوا رَهْطاً مِنْهُمْ مُسْتَخْفِينَ ، وَقَالُواْ لَهُمْ : اسْأَلُوا مُحَمَّداً عَنِ الزَّانِيَينِ مُحْصِنَينِ مَا حَدُّهُمَا ؟ فَإنْ أمَرَكُمْ بالْجَلْدِ فَاقْبَلُواْ مِنْهُ ، وَإنْ أمَرَكُمْ بالرَّجْمِ فَاحْذرُوهُ وَلاَ تَقْبَلُواْ مِنْهُ ، وَأرْسَلُواْ الزَّانِيَيْنِ مَعَهُمْ . فَقَدِمَ الرَّهْطُ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ ، وَذَكَرُوا لَهُمْ ذلِكَ وَقَالُواْ : اسْأَلُوا لَنَا مُحَمَّداً عَنْ قَضَائِهِ ، فَقَالَ لَهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ : إذاً وَاللهِ يَأْمُرُكُمْ بمَا تَكْرَهُونَ ، ثُمَّ انْطَلَقَ مِنْهُمْ قَوْمٌ مِثْلُ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ وَكَعْب بْنِ أسَدٍ وَسَبْعَةَ بْنِ عُمَرَ وَمَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ وَعَازُورَاءَ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَالُواْ : يَا مُحَمَّدُ أخْبرْنَا عَنِ الزَّانِيَةِ وَالزَّانِي إذا أحْصَنَا مَا حَدُّهُمَا وَكَيْفَ تَجِدُ فِي كِتابكَ ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " وَهَلْ تَرْضَوْنَ بقَضَائِي فِي ذلِكَ ؟ " قَالُواْ : نَعَمْ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام بالرَّجْمِ ، فَأَخْبَرَهُمْ فَأَبَوا أنْ يَأْخُذُواْ بهِ . فَقَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام : اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ ابْنَ صُوريَّا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " هَلْ تَعْرِفُونَ شَابّاً مِنَ الرِّبيِّينَ أعْوَرَ سَكَنَ فَدَكْ ؟ " قَالُواْ : نَعَمْ ، قَالَ : " فَأَيُّ رَجُلٍ هُوَ فِيْكُمْ ؟ " قَالُواْ : هُوَ أعْلَمُ مَنْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِنَ الْيَهُودِ بالتَّوْرَاةِ ، قَالَ : " فَأَرْسِلُواْ لَهُ " ، فَفَعَلُواْ ، فَأَتَاهُمْ ابْنُ صُوريَّا ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " أنْتَ ابْنُ صُوريَّا ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " أنْتَ أعْلَمُ الْيَهُودِ ؟ " قَالَ : كَذلِكَ يَزْعُمُونَ ، قَالَ : " أتَجْعَلُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ؟ " قَالُواْ : نَعَمْ قَدْ رَضِينَا بهِ إذا رَضِيْتَ بهِ . فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " أنْشِدُكَ باللهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الْقَوِيُّ ، إلَهُ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِي أنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ، وَالَّذِي فَلَقَ لَكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَاكُمْ وَأغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ ، وَالَّذِي ظَلَّلَ عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ، وَأنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ، هَلْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمُ الرَّجْمَ عَلَى مَنْ أحْصَنَ ؟ " قَالَ ابْنُ صُوريَّا : نَعَمْ وَالَّذِي ذكَّرْتَنِي بهِ ؛ وَلَوْلاَ خِشْيَةَ أنْ تُحْرِقَنِي التَّوْرَاةُ إنْ كَذبْتُ أوْ غَيَّرْتُ لَمَا أعْرَفْتُ لَكَ ، وَلَكِنْ كَيْفَ فِي كِتَابكَ يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : " إذا شَهِدَ أرْبَعَةٌ عُدُولٌ أنَّهُ أدْخَلَ فِيْهَا ، كَمَا يَدْخُلُ الْمِيْلُ فِي الْمِكْحَلَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ " ، قَالَ ابْنُ صُوريَّا : وَالَّذِي أنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى لَهَكَذا أنْزِلَ عَلَى مُوسَى . فَقَالَ لَهُ قَوْمُهُ : مَا أسْرَعَ مَا صَدَقْتَهُ ، أمَا كُنْتَ لَمَّا أتَيْنَا عَلَيْكَ بأَهْلٍ وَمَا أنْتَ بأَعْلَمِنَا ، فَقَالَ لَهُمْ : أنْشَدَنِي بالتَّوْرَاةِ ، وَلَوْلاَ خِشْيَةَ التَّوْرَاةِ أنْ تُهْلِكَنِي لَمَا أخْبَرْتُهُ ، وَخِفْتُ إنْ كَذبْتُهُ أنْ يَنْزِلَ بنَا عَذابٌ شَدِيدٌ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم برَجْمِ الْيَهُودِيَّين الزَّانِيَينِ ، وَقَالَ : " أنَا أوَّلُ مَنْ يُحيْي سُنَّةً إذا أمَاتُوهَا " ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } فَلاَ يُخْبرُكُمْ بهِ . فَقَالَ ابْنُ صُوريَّا : أنْشِدُكَ باللهِ يَا مُحَمَّدُ أنْ تُخبرَنَا بالْكَثِيرِ الَّّذِي أمِرْتَ أنْ تَعْفُو عَنْهُ ، فَأَعْرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ ابْنُ صُوريَّا : أخْبرْنَا عَنْ ثَلاَثِ خِصَالٍ ، قَالَ : " مَا هُنَّ ؟ " قَالَ : أخْبرْنِي عَنْ نَوْمِكَ ؟ قَالَ : " تَنَامُ عَيْنَايَ وَقَلْبي يَقْظَانٌ " ، قَالَ : صَدَقْتَ . قَالَ : فَأَخْبرْنِي عَنْ شَبَهِ الْوَلَدِ بأَبيهِ لَيْسَ فِيْهِ مِنْ شَبَهِ أمِّهِ شَيْءٌ ، وَعَنْ شَبَهِ أمِّهِ لَيْسَ فِيْهِ مِنْ شَبَهِ أبيهِ شَيْءٌ ، قَالَ : " أيُّهُمَا عَلاَ وَسَبَقَ مَاؤُهُ مَاءَ صَاحِبهِ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ " ، قَالَ : صَدَقْتَ . فَأَسْلَمَ ابْنُ صُوريَّا حِينَئِذٍ وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ يَأْتِيكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بالْوَحْيِ ؟ قَالَ : " جِبْرِيْلُ " قَالَ : صِفْهُ لِي ، قَالَ : فَوَصَفَهُ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : أشْهَدُ أنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ كَمَا قُلْتَ ، وَإنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، فَلَمَّا أسْلَمَ ابْنُ صُوريَّا شَتَمُوهُ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } ؛ أي من يُرِدِ الله بَليَّتَهُ وعقوبتَهُ وفضيحته ، فلن تقدِرَ يا مُحَمَّدُ أن تدفعَ عنه شيئاً مما أرادَ اللهُ به . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } ؛ أي أهلُ هذه الصِّفة لم يردِ اللهُ أن يفتحَ قلوبَهم ليُبصِروا الحقَّ . وَقِيْلَ : معناهُ : لم يطهِّرْ قلوبَهم من علاماتِ الكفر ، مثلَ الختمِ والطَّبع والضِّيق ، كما شرحَ صُدورَ المؤمنين ، وطهَّرَ قلوبَهم بكتابةِ الإيمان فيها . وقال الحسنُ : ( لَمْ يُرِدِ اللهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ؛ أيْ لاَ يُبَرِّئُ قُلُوبَهُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَهُمْ مُقِيمِينَ عَلَى دِينِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ ) { لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } ؛ أي فضيحةٌ بما أظهرَ الله من كذبهم ، وَقِيْلَ : أرادَ بالخزيِ القتلَ والسَّبي والجزيةَ ، { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ؛ أعظمُ مما في الدُّنيا .