Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 64-64)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي فِنْحَاصَ بْنِ عَازُورَاءَ الْيَهُودِيِّ وَأصْحَابهِ ، كَانَ اللهُ تَعَالَى قَدْ بَسَطَ لَهُمْ فِي الرِّزْقِ ، فَكَانَ مِنْ أخْصَب النَّاسِ ، وأكْثَرِهِمْ خَيْراً وَأمْوَالاً ، فَلَمَّا عَصَوا اللهَ تَعَالَى فِي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَبَالَغُوا فِي تَكْذِيبهِ ، كَفَّ اللهُ عَنْهُمْ بَعْضَ الَّذِي كَانَ بَسَطَ عَلَيْهِمْ ، فَعِنْدَ ذلِكَ قَالُوا : يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ) . أي قالُوا على سبيل الْهُزْءِ : إنَّ إلهَ مُحَمَّدٍ الذي أرسلَهُ ممسكةٌ يده عنانَ الرزقِ لا يبسطُ علينا كما كان يبسطُ . وهذا اللفظُ في كلامِ العرب عبارةٌ عن البخلِ ، كما قال تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } [ الإسراء : 29 ] أي لا تمسكها عن الإنفاقِ . قال بعضُهم : إنما قالَ هذه المقالةَ فِنْحَاصُ ولم ينهَهُ الآخرون ، ورَضُوا بقولهِ فأشرَكهم اللهُ فيها ، وأرادوا باليدِ العطاءَ ، لأن عطاءَ الناسِ وبذلَهم في الغالب بأيديهم ، فاستعملَ الناسُ اليدَ في وصفِ الناسِ بالجودِ والبُخل . ويقالُ للبخيلِ : جَعْدُ الأَنَامِلِ ؛ مقبوضُ الكفِّ ؛ مكفوفُ الأصابعِ ؛ مغلولُ اليدَين ، قال الشاعرُ : @ كَانَتْ خُرَاسَانُ أرْضاً إذ يَزِيدُ بهَا وَكُلُّ بَابٍ مِنَ الْخَيْرَاتِ مَفْتُوحُ فَاسْتُبْدِلَتْ بَعْدَهُ جَعْداً أنَامِلهُ كَأَنَّمَا وَجْهُهُ بالْخَلِّ مَنْضُوحُ @@ وقولهُ تعالى : { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } جوابٌ عن كلامِهم على طريقِ المقابلَة في الازدواجِ ؛ أي أمسِكَتْ أيديهم عن الإنفاقِ في الخيرِ ، وجُعِلُوا بُخلاءَ واليهودُ أبْخَلُ الناسِ ، ولا أمَّةٌ أبخلُ منهم . ويقال : معنى { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } أي غُلَّت إلى أعناقِهم في نار جهنم ، ويقال : لا يخرجُ يهوديٌّ من الدنيا إلاّ وتصيرُ يدهُ مغلولةً إلى عنقه . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ } أي عُذِّبوا بالجزيةِ ، وطُردوا عن رحمةِ الله تعالى لقولهم : { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } ؛ عبارةٌ عن الجودِ وكثرة العطيَّة لِمَن يشاءُ ، كما يقالُ : فلان بَسْطُُ اليدَين ، وبَاسِطُ اليدين إذا كان جَواداً يعطي يَمنَةً ويَسرَةً ، وعن ابنِ عباس : ( أنَّ مَعْنَاهُ : بَلْ نِعْمَتَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) ، وأرادَ نعمةَ الدينِ والدنيا ، وَقِيْلَ : نعمتهُ الظاهرةُ ونعمته الباطنة . وَقِيْلَ : أراد بالتثنيةِ في هذا للمبالغةِ في صفة النعمةِ . قال الأعشى : @ يَدَاكَ يَدَا مَجْدٍ فَكَفٌّ مُفِيدَةٌ وَكَفٌّ إذا مَا ضَنَّ بالْمَالِ تُنْفِقُ @@ وهذا كلُّه لأنَّ اليهود قصَدُوا تبخيلَ اللهِ ، فحوسِبُوا على قدر كلامهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } ؛ دليلٌ على أن المرادَ بجواب اليهود بيانُ بسطِ النعمة ، وأنَّ اللهَ يرزقُ كيف يشاءُ بحسب المصالحِ ، فربَّما كان الصلاحُ في أن يعتَبروا ، وربَّما كان في أن يُوسِّع ، ولا يخلو حُكمه عن الحكمةِ . واعلم أن اليدَ في اللغة تتصرفُ على وجوهٍ ؛ منها : الجارحةُ وهي معروفةٌ ، وتعالَى اللهُ عن الجوارحِ . ومنها : النعمةُ كما يقال : لفلانٍ علَيَّ يدٌ ؛ أي نعمةٌ . ومنها : القوةُ كما قال تعالى : { أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } [ ص : 45 ] وقال تعالى : { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ } [ الذاريات : 47 ] . ومنها : الْمُلْكُ { أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ } [ البقرة : 237 ] أي يملِكُه . ومنها : القدرةُ كقوله { بِيَدَيَّ } [ ص : 75 ] أي تولَّيتُ خلقَهُ ، وفائدتهُ التشريف . ومنها التصرُّف كما يقالُ : هذه الدارُ في يدِ فلان ؛ أي هو يتصرَّفُ فيها بالسُّكنى والإسكان ، وقد يقالُ : أسلمَ فلانٌ على يدِ فلان ؛ أي كان سَبباً في إسلامهِ . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً } ؛ معناهُ : ليزيدنَّ القرآنُ الذي أنزل إليكَ ، وما فيه من الإسلام ، وحُكمِ الرجمِ كثيراً من اليهود طُغياناً وكُفراً ؛ أي كلَّما أنزِلَ عليكَ شيءٌ من القرآنِ كفَرُوا به فيزيدُ كُفرُهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } ؛ أي جعَلناهم مختلِفين في دِينهم متباغِضين كما قال تعالى : { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } [ الحشر : 14 ] . وقولهُ تعالى : { كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } ؛ أي كلَّما أجمعوا على قتالِكم وأعَدُّوا للحرب ، فرَّقَ اللهُ جمعَهم وأطفأَ مكرَهم وخالفَ بين كلمتِهم . وقولهُ تعالى : { وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } ؛ أي يجتَهدون في دفعِ الإسلام { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } ؛ أي لا يرضَى عملَ أهلِ الفساد .