Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 6-6)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } ؛ قال ابنُ عبَّاس وجماعةٌ من المفسِّرين : ( مَعْنَاهُ : إذا أرَدْتُمُ الْقِيَامَ إلَى الصَّلاَةِ ، وَإنَّمَا أضْمَرُواْ إرَادَةَ الْقِيَامِ ؛ لأنَّ صِحَّةَ قِيَامِ الصَّلاَةِ بالطَّهَارَةِ فَلاَ يَصُحُّ جُزْءٌ مِنَ الْقِيامِ قَبْلَ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ ) . وظاهرُ الآية يقتضي أنَّ القيامَ إلى الصلاةِ يكون سَبَباً لوجوب الطَّهارةِ ، ولا خلافَ بين السَّلَفِ والْخَلَفِ أنَّ الطهارةَ لا تجبُ سبب القيام إلى الصَّلاةِ ، إلاّ أنه رُويَ عن ابن عُمَرَ وَعليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : ( أنَّهُمَا كَانَا يَتَوَضَّأَنِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ ، وََيَقْرَآنِ هِذِهِ الآيَةَ ) . فيحتمل أنَّهما كانا يفعلان ذلك نَدْباً واستحباباً ، فإنْ تَجديدَ الطَّهارةِ لكلِّ صلاةٍ مستحبٌّ . وقد روي عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ : " مَنْ تَوَضَّأَ فَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ " وَقَالَ : " لاَ وُضُوءَ إلاَّ مِنْ حَدَثٍ " فَثَبَتَ أن في الآيةِ إضمارٌ آخر تقديرهُ : أذا أرَدْتُمْ القيامَ إلى الصلاةِ وأنتم مُحْدِثُونَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ، وهذا نظيرُ قولهِ تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ] معناه : فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ عدَّةٌ مِن أيَّامٍ أخُرَ ، وقولهُ : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ } [ البقرة : 196 ] معناه فَحَلَقَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ . وقال بعضُهم : معنى الآيةِ : إذاَ قُمْتُمْ من نَوْمِكُمْ إلى الصَّلاةِ ، وقال : هذا على أنَّ النومَ في حالةِ الاضطجاع حَدَثٌ . قولُهُ تَعَالَى : { فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } الغَسْلُ : إجْرَاءُ الْمَاءِ عَلَى المَحَلِّ وَتَسْييْلُهُ ، سَوَاءٌ وُجِدَ مَعَهُ الدَّلْكُ أمْ لاَ ، وَالْوَجْهُ : مَا يُوَاجِهُكَ مِنَ الإنْسَانِ ، وَحَدُّهُ مِن قِصَاصِ الشَّعْرِ إلى أسفلِ الذقْنِ ، ومِن شَحْمَتَي الأُذُنِ إلى شَحْمَتَي الأُذُنِ . وظاهرُ الآيةِ يقتضي أنَّ المضمضةَ والاستنشاقَ غيرُ واجبتينِ في الوضوءِ ، لأن اسمَ الوجهِ يتناولُ الظاهرَ دون الباطنِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } أي مع المرافقِ ، هكذا قال علماؤُنا رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى ، إلاّ زُفَرَ رَحِمَهُ اللهُ ؛ فإنهُ ذهبَ إلى ظاهرِ الآية وقال : ( إنَّ حَرْفَ ( إلَى ) لِلْغَايَةِ ، وَالْغَاَيَةُ لاَ تَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ } [ البقرة : 187 ] ) . وأمَّا عامَّةُ العلماءِ فقالوا : إنَّ ( إلى ) تُذْكَرُ بمعنى ( مَعَ ) كما قالَ تعالى { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } [ النساء : 2 ] ، فاذا احتملَ اللفظُ الغايةَ واحتملَ معنى المقارنةِ حَلَّ مَحَلَّ الْمُجْمَلِ ، فَكَانَ مَوْقُوفاً عَلَى بَيَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . وقد روي : " أنَّهُ كَانَ إذا تَوَضَّأَ أدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ " ، فصار فعلهُ بياناً للمجملِ ، فحُمِلَ على الوُجُوب . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } اختلفَ العلماءُ في مقدار وجوب الْمَسْحِ منه ، فذهبَ مالكٌ إلى أنَّ مسحَ جميعِ الرأسِ واجبٌ ، وقال : ( ظَاهِرُ الآيَةِ يَقْتَضِي الْجَمِيْعَ دُونَ الْبَعْضِ ، لأنَّكَ إذا قُلْتَ : مَرَرْتُ بزيدٍ ؛ أردتَ جُمْلَتَهُ لاَ بَعْضَهُ ، وَمِثْلُ ذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } [ الحج : 29 ] وَالْمُرَادُ كُلُّ الْبَيْتِ ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ } ) . وذهب الشافعيُّ : إلى أنَّ الواجبَ مقدارُ ما يتناولُهُ الاسمُ ، ومِن أصحابهِ من قَدَّرَهُ بثلاثِ شَعْرَاتٍ . وهذا بعيدٌ ؛ لأن فَاعِلَهُ لا يسمَّى مَاسِحاً رأسَهُ ولا بِرَأسِهِ ، ولأنَّ ذلك القدرُ يحصلُ بغسلِ الوجهِ ، وفِعْلُ ذلك أيضاً مُتَعَسِّرٌ . وقال أصحابُنا في الاحتجاجِ على مالكٍ بأنَّ ( الباءَ ) تُذْكَرُ ويرادُ بها التَّبْعِيْضُ ، كما تقولُ : أخذتُ برأسِ فلانٍ ، ومسحتُ برأسِ اليتيمِ ، فاذا احتملَ اللفظُ التبعيضَ كان مُجْمَلاً فوجبَ الرُّجُوعُ فيه إلى فعلِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ، وقد رويَ : " أنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ " والناصيةُ : هِيَ الرُّبُعُ الْمُقَدَّمُ مِنَ الرَّأسِ ، ومعلومٌ أنه كان لا يتركُ بعضَ الواجب ، فثبتَ أنَّ الفرضَ مقدورٌ على هذا المقدار ، إلاّ أنَّ الأفضلَ أن يَمسحَ جميعَ الرأسِ ليخرج عنِ الفرضِ بيقينٍ . وقد رويَ : " أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم توضَّأَ وَمَسَحَ وَمَسَحَ جَمْيِعَ رَأسِهِ " واختلفَ العلماءُ في عددِ مَسْحِ الرَّأسِ . قال علماؤُنا : الأفضلُ أن يَمْسحَ جميعَ رأسهِ بمَاءٍ واحدٍ . وروى الحسنُ عن أبي حَنِيْفَةَ : ( أنَّ مَسْحَ رَأْسِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ بمَاءٍ وَاحِدٍ كَانَ سُنَّةً ) . وقال الشافعيُّ : ( الأَفْضَلُ أنْ يَمْسَحَ ثَلاَثاً بثَلاَثِ مِيَاهٍ ) . رويَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " أنَّهُ مَسَحَ رَأسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الْوُضُوءُ ثَلاَثاً ثَلاَثاً إلاَّ الْمَسْحُ " وَأمَّا مسحُ الأُذُنَيْنِ فهو سُنَّةٌ لا خلافَ في ذلك بين أهلِ العلمِ ، وإنَّما اختلفُوا في كيفيَّةِ مَسْحِهِمَا . قال أصحابُنا : يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا وباطنَهُما مَعَ الرأسِ بماءٍ واحدٍ ، كما رويَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " أنَّهُ مَسَحَ برَأسِهِ وَأذُنَيْهِ بمَاءٍ وَاحِدٍ " وفي بعضِ الرِّواياتِ : " مَسَحَ رَأسَهُ ، ومَسَكَ شَيْئاً لأُذُنَيْهِ ؛ ثُمَّ قَالَ : " الأُذُنَان مِنَ الرَّأسِ " " وقال الشافعيُّ : ( هُمَا عُضْوَانِ مُنْفَرِدَانِ يُمْسَحَانِ ثَلاَثاً بثَلاَثِ مِيَاهٍ ) . وأمَّا مسحُ الرَّقَبَةِ ؛ فلم يُذْكَرْ في شيءٍ من الكُتُب المشهورةِ ، ويحتملُ أن يكونَ سُنَّةً ، ويحتملُ أن يكونَ مُسْتَحَبّاً ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَمسحُ مُقَدَّمَ رأسهِ ؛ فقالَ بعضُهم : إنَّ المقصودَ من مسحِ مُؤَخَّرِ الرأسِ مسحُ الرقبةِ . وقد رويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَنْ مَسَحَ رَقَبَتَهُ فِي الْوُضُوءِ أمِنَ مِنَ الْغَلِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } قرأ ابنُ عامرٍ ونافعُ والكسائيُّ وحفصُ ويعقوب : ( وَأَرْجُلَكُمْ ) بالنصب ، وهي قراءةُ عَلِيٍّ رضي الله عنه ، وقرأ الباقونَ ( وَأرْجُلِكُمْ ) بالخفضِ وهي قراءةُ أنَسٍ وعلقمةَ والشعبيُّ ، فمن نَصَبَ فمعناهُ : وَاغْسِلُوا أرْجُلَكُمْ عطفاً على الوجهِ واليدينِ ، ومن خَفَضَ فعلى العطف على الرَّأسِ أو على الابتداء ، والجوازِ لفظاً لا معنىً ، كقولِ العرب : جُحر ضَبٍّ خَرِبٍ ، وقولِهم : أكلتُ السَّمْنَ واللبنَ ، واللبنُ يشرب ولا يؤكلُ ، ويقالُ : فلانٌ متقلِّدٌ سيفاً ورُمحاً ، والرُّمْحُ لا يُتَقَلَّدُ به ، وإنَّما يحملُ . وقال لبيد : وَأطْفَلَتْ بالْجَلْهَتَيْنِ ظِبَاؤُهَا وَنَعَامُهَا ، النَّعَامُ لا يُطفِلُ وإنما يفرخُ ، وقولُهم : جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ ، كان ينبغي أن يقالَ : خَرِبٌ لأنه نعتُ الجحرِ ، وإنَّما خُفِضَ للمجاوزةِ . وقال بعضُهم : أرادَ بذلك المسحَ على الْخُفَّيْنِ ، فإن الماسِحَ على الْخُفَّيْنِ يُسَمَّى ماسِحاً على الرِّجْلَيْنِ لقُرْب الجوار ، كما يقالُ : قَبَّلَ فلانٌ على رجْلِ الأميرِ ورأسِه ويدهِ ، وإن كان الرِّجْلاَنِ في الْخُفِّ ، والرأسُ في العمامةِ ، واليدُ في الكُمِّ . وفي الحديث : " أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ " وليسَ المرادُ أنه لم يَكُنْ بينهُما حائلٌ . واختارَ بعضُهم المسحَ على الرِّجْلَيْنِ ، وهو قولُ ابنِ عبَّاس ، وقالُوا : ( الوُضُوءُ غَسْلاَنِ وَمَسْحَانِ ) . وذهب بعضُهم إلى أنَّ الْمُتَوَضِّئَ مُخَيَّرٌ بين غَسْلِ الرِّجلين ومَسْحِهما . وإذا احتملت قراءةُ الخفضِ المسحَ على الْخُفَّيْنِ ، واحتملت مسحَ الرِّجلينِ ، واحتملت غَسْلَهُمَا ، وجبَ الرُّجوعُ إلى فِعْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقد رُويَ : " أنَّهُ دَاوَمَ عَلَى غَسْلِ رجْلَيْهِ " واتفقتِ الأُمَّةُ على فعلهِ . وروى ابنُ عمرَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " أنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ؛ وَغَسَلَ رجْلَيْهِ ؛ وَقَالَ : هَذا وُضُوءٌ لاَ يَقْبَلُ اللهُ الصَّلاَةَ إلاَّ بهِ " ، ولأنَّ اللهَ تعالى قالَ : { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } ، وهذا يدلُّ على الغَسْلِ كاليدينِ حدُّهما إلى المرافقِ وكان فرضُهما الغَسْلُ دون الْمَسْحِ . وقال صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ امْرِئ حَتَّى يَضَعَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ ، فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحُ برَأسِهِ وَيَغْسِلُ رجْلَيْهِ " وعن جابرٍ رضي الله عنه قالَ : " أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نَغْسِلَ أرْجُلَنَا إذا تَوَضَّأْنَا " وقال ابنُ أبي لَيلَى : ( أجْمَعَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى وُجُوب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ ) . وعن عبدِالله بنِ عُمَرَ قال : " مَرَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْمٍ وَعَرَاقِيْبُهُمْ تَلُوحُ ، فَقَالَ : " أسْبغُوا الْوُضُوءَ ، وَيْلٌ لِلأَعْقَاب مِنَ النَّارِ " " " ورأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعْمَى يَتَوَضَّأُ ، فَقَالَ : " اغْسِلْ بَاطِنَ قَدَمَيْكَ " فَجَعَلَ يَغْسِلُ حَتَّى سُمِّيَ أبا غَسِيلٍ " وقالت عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : ( لإِنَّ يُقْطَعَ قَدَمَايَ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ أمْسَحَ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ خُفَّيْنِِ ) . وذهبتِ الرَّوَافِضُ إلى أن الواجبَ في الرجلين الْمَسْحُ . ورَوَوا في المسحِ خَبَراً ضَعِيْفاً شَاذاً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } هما النَّاتِئَانِ مِن جَانِبَي الرِّجْلِ ، وهما مَجْمَعُ مَفْصَلِ السَّاقِ والْقَدَمِ ، مأخوذٌ مِن الْكَعْب وَهُوَ النُّتُوءُ ؛ يُقَالَُ : جَاريَةٌ كَاعِبٌ إذا خَرَجَ ثَدْيَاهَا . وروَى هشامُ عن محمدٍ : أنَّهُ الْكَعْبُ الَّذِي فِي وَسَطَ الْقََدَمِ عِنْدَ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ . والصحيحُ : أن مُحمداً إنَّما قال ذلكَ في الْمُحْرِمِ بالْحَجِّ ، فإنه يَقْطَعُ خُفَّيْهِ أسفلَ من الكعبينِ ، قال ( وَالْكَعْبُ هَا هُنَا مَقْعَدُ الشِّرَاكِ ) ، فنقلَ هشامُ ذلك إلى الطهارةِ ، ولا خلافَ في الكعب في الوضوءِ بين العلماءِ الثلاثة : أنهُ داخلٌ في غَسْلِ الرِّجلينِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ } ، أي إنْ كُنْتُمْ جُنُبًا وأردتُم القيامَ إلى الصَّلاةِ فَاغْتَسِلُوا ، والْجُنُبُ يوضعُ موضعَ الجمعِ ؛ يقالُ : رجلٌ جُنُبٌ ؛ ورجَالٌ جُنُبٌ ؛ وقومٌ جنُبٌ . ولَفْظُ الإطْهَار يقتضِي تَطَهُّرَ جميعِ البدن في الاغتسالِ من الجنابةِ كما قال صلى الله عليه وسلم : " تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ ، فَبُلُّوا الشَّعْرَ وَانْقُوا الْبَشَرَةَ " ولهذا قال أصحابُنا : إنَّ المضمضةَ والاستنشاقَ وَاجِبَانِ في غُسْلِ الْجَنَابَةِ ، وقولهُ تعالى : { فَاطَّهَّرُوا } أي فَتَطَهَّرُواْ ، إلاّ أن التَّاءَ تُدْغَمُ في الطاءِ لِقُرْب مخرجِهما . وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " يَا بُنَيَّ ! إذا أخَذْتَ فِي الْغَسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَبَالِغْ فِيْهِ ، فَإنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جِنَابَةٌ " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! وَكَيْفَ أبَالِغُ ؟ قَالَ : " رَوِّ أصُولَ الشَّعْرِ ؛ وَانْقِ بَشَرَتَكَ تَخْرُجْ مِنْ مُغْتَسَلِكَ وَقَدْ غُفِرَ لَكَ كُلُّ ذنْبٍٍ " " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ } ؛ أي من جُدَريٍّ أو غيرهِ ، فلم تطيقُوا غَسْلَ هذه الأشياءِ ، { أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } ، أو كنتم مسافرين ، { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ } ؛ معناهُ : وجاءَ أحدٌ منكُم مِن قضاءِ الحاجةِ ، لأنهُ لا خَلاَءَ ، وأنَّ المريضَ والمسافرَ إذا لم يكونا مُحْدِثَيْنِ لا يلزمُهما الوضوءُ ولا التَّيَمُّمُ ، وقد تذكرُ ( أو ) بمعنى ( الواو ) مثلُ قولهِ تعالى : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَْ } ؛ معناهُ : أو جَامَعْتُمْ النِّسَاءَ . { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } ؛ أي تَقْدِرُونَ على ما تَتَطَهَّرُونَ بهِ من الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ ، { فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً } ؛ أي اقْصُدُوا تُرَاباً نَظِيفاً ، { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ } ؛ اختلفَ العلماءُ في قولهِ ( مِنْهُ ) ؛ قال أبو يوسف : ( مَعْنَاهُ التَّبْعِيْضُ ؛ أي امْسَحُواْ بوُجُوهِكُمْ وأيدْيكُمْ مِنْ بَعْضِ الصَّعِيْدِ وَهُوَ التُّرَابُ ) . وقال أبُو حَنِيْفَةَ ومحمدُ : ( مَعْنَى ( مِنْ ) هَا هُنَا ابْتِدَاء الْغَايَةَ ؛ أيْ فَانْقُلُوا الْيَدَ بَعْدَ وَضْعِهَا عَلَى الصَّعِيْدِ إلَى الْوُجُوهِ وَالأَيْدِي مِنْ غَيْرِ أنْ يَتَخَلَّلَهَا مَا يُوْجِبُ الْفَصْلَ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ } ؛ أي ما يريدُ الله أنْ يجعلَ عليكم بتكليفِ العباداتِ تَضْييقاً في الدِّينِ ، { وَلَـٰكِن } ، وإنَّما ، { يُرِيدُ } ، بذلكَ ، { لِيُطَهِّرَكُمْ } ، أن يُطَهِّرَكُمْ من الذُّنوب وَالأحْدَاثِ وَالْجَنَابَةِ ، كما رويَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال : " أيَّمَا رَجُلٍ قَامَ إلَى وُضُوئِهِ يُرِيْدُ الصَّلاَةَ ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ نَزَلَتْ خَطِيْئَةُ كَفَّيْهِ مَعَ أوَّلِ قَطْرَةٍ ، فَإذا تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ نَزَلَتْ خَطِيِئَةُ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ مَعَ أوَّلِ قَطْرَةٍ ، فَإذا غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ سَلِمَ مِنْ كُلِّ ذنْبٍ هُوَ عَلَيْهِ ، وَكَانَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ " قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } ؛ قال الحسنُ : ( بإدْخَالِ الْجَنَّةِ ) ، وقال ابنُ عبَّاس : ( بجَوَاز التَّيَمُّمِ لَكُمْ بالتُّرَاب فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ ) . { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ؛ أي لِكَي تَشْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ فِي رُخْصَتِهِ لَكُمْ وَتَخْفِيْفِهِ عَلَيْكُمْ فِي التَّكْلِيْفِ . قال عثمانُ رضي الله عنه : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَا تَوَضَّأَ عَبْدٌ فَأَسْبَغَ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلاَةِ إلاَّ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ الأُخْرَى "