Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 89-89)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } ؛ قال ابن عبَّاس : ( هُوَ أنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ باللهِ فِي الشَّيْءِ يَرَى أنَّهُ كَذلِكَ ) . وقالت عائشةُ : ( هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ : لاَ وَاللهِ ، وَبَلَى واللهِ ، يَصِلُ بهِ كَلاَمَهُ وَلاَ يَعْقِدُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ ) . واللَّغْوُ في اللغة : هو الكلامُ الساقطُ الذي لا يعتدُّ به . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ } ؛ أي بما وكَّدتم الأيمان . قرأ أهلُ الحجاز وحفص وأبو عمرو : ( عَقَّدْتُمْ ) بالتشديدِ ، وقرأ أهلُ الكوفة إلاَّ حفصاً : بالتخفيف ( عَقَدْتُمْ ) . ومعناه : أن يحِلفَ الرجلُ على أمرٍ في المستقبل ليفعلَهُ ثم لا يفعلهُ ، أو يحلفَ أن لا يفعلَهُ ثم يفعلهُ . فمَن قرأ ( عَقَّدْتُمْ ) بالتشديدِ فمعناهُ المبالغة والتأكيدُ . وفائدتهُ أن يعتقدَها في قلبهِ ، ولو عقدَها في أحدِهما دون الآخرِ لم يكن مُعتقداً ، وهو كالتعظيمِ . وكان أبو الحسنِ الكرخيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يقول : ( قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ لاَ تَحْتَمِلُ إلاَّ الْعَقْدَ بالْقَوْلِ ، وَقِرَاءَةُ التَّخْفِيفِ تَحْتَمِلُ عَقْدَ الْقَلْْب ، وَهُوَ الْعَزِيْمَةُ وَالْقَصْدُ إلَى الْقَوْلِ ) . ويحتملُ عقد اليمينِ قَولاً ؛ يقال : عقدتُ على أمرِ كذا ؛ إذا عزمتُ عليه . وَقِيْلَ : الأصحُّ أن المرادَ بالعقدِ القولُ ؛ لأنه لا خلافَ بين الأئمَّة أن القصدَ من اليمينِ لا يتعلقُ به وجوبُ الكفَّارة ، وإن وجوبَها متعلقٌ باللفظِ دون القصدِ . ويحتملُ أن يكون معنى التشديدِ : أنه متى أعادَ اليمينَ على وجه التكرار ، وهو يريدُ التكرارَ لا يلزمهُ إلا كفارةٌ واحدة . وقرأ أهلُ الشام : ( عَاقَدْتُمْ ) بألف وهو من المعاقَدة ، وهو أن يحلفَ الرجلُ لصاحبهِ على مسأَلته ، أو يحلفَ كلُّ واحد منهما لصاحبهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَكَفَّارَتُهُ } ؛ أي كفَّارة ما عقَّدتُم من الأيمانِ عند الحنثِ ، { إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } ؛ أي مِنْ أعدل مَا تُطْعِمُونَ أهْلِيكُمْ غداءً وعشاء ولا وكَسَ ولا شَطَطَ . وَقِيْلَ : معناهُ : من أوسَطهِ في الشَّبع ، ولا تفرطُ في الأكلِ ، ولا يكون دون المغنى عن الجوعِ ، فإن أرادَ أن يُطعِمَهم الطعامَ أعطَى لكلِّ مسكين نصفَ صاعٍ من حنطة عند أصحابنا ، هكذا رُوي عن عمرَ وعليٍّ وعائشة . وقال الشافعيُّ ومالك : ( مُدّاً بمُدِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ) . وَالْمُدُّ : رَطْلٌ وَثُلُث ، وهكذا رُوي عن زيدِ بن ثابت وابنِ عبَّاس وابن عمرِو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أجمعين . وأما غدَاؤهم وعشاؤهم فلا عبرةَ بمقدار الطعام ، إلا أن يكون فيهم صبيٌّ صغير لا يستوفِي الأشياءَ يسيراً فلا يعتدُّ به حينئذ ، وإنما قال : يُغَدِّيهِمْ ويُعَشِّيهم ؛ لأن ذلك أوسطُ طعامِ الأهل ؛ لأن أكثرَ الأكلِ ثلاثُ مرات ، وأقلُّه وجبة ، والغالبُ الأوسط ؛ والأوسطُ الغالب مرَّتان . وقال سعيدُ بن جبير : ( يُعْطِي لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ ؛ مُدٌّ لِطَعَامِهِ وَمُدٌّ لإدَامِهِ ) . وسُئل شريح عن الكفَّارة ؛ فقال : ( الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ ) . فقال له السائلُ : رأيتَ إن أطعمتُ الخبزَ واللحم ، فقال : ( ذَلِكَ أرْفَعُ طَعَامِ أهْلِكَ وَطَعَامِ النَّاسِ ) . وعن ابنِ مسعود وابن عمرو : ( أنَّ أعْلاَ مَا بطَعَامِ الأَهْلِ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ ، والأَدْوَنُ الْخُبْزِ الْبَحْتُ بغَيْرِ إدَامٍ ، وَالأوْسَطُ الْخُبْزُ مَعَ السَّمْنِ وَنَحْوُهُ ) . ظاهرُ الآية يقتضي أنه إذا أعطَى مسكيناً واحداً طعامَ العشرةِ لا يقعُ إلا عن الواحدِ ، إلا أنَّ أصحابَنا إنَّما اختَاروا دفعَ ذلك إلى الواحدِ في العشرة أيَّام على أعشارٍ ، والمعنى : لأنه جُوِّزَ على الحانث سدُّ عشرِ خِلات ، ولا فرقَ بين سدِّ خلة الواحدِ في عشرة أيام ، وسدِّ خلَّة العشرةِ في يوم واحدٍ . قَوْْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } ؛ قرأ السُّلَّمي ( أوْ كُسْوَتُهُمْ ) بضمِّ الكاف وهما لُغتان . ومعنى الآية : أو كسوةُ عشرةِ مساكين ، وأدنَى ما يجوزُ في الكسوة ثوبٌ واحد أو رداء أو قميص أو إزارٌ وقبَاءٌ أو كِسَاءٌ . وأما القلُنسوة والْخُمُرُ والعمامَةُ والسراويلُ ، فلا تجوز عن الكسوةِ في ظاهرِ الرواية . وروي عن مُحمد أن السراويلَ تُجزئ لجواز الصلاة فيها للرجُل . وعند الشافعيِّ تجوزُ السراويل والعِمامة . وعند سعيد بن المسيَّب والضحاك : ( يَجِبُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ ثَوْبَانِ ) . قَوْْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ؛ معناهُ : أو إعتاقُ مملوكٍ يستوي فيه الذكر والأُنثى ؛ والصغيرُ والكبير . وظاهر اللفظِ يقتضي رقبةً مُسَلَّمَةً من العاهاتِ ؛ لأن اسمَ الشخص بكمالهِ ، إلا أنَّ الفقهاءَ اتَّفقوا أن النقصَ اليسيرَ لا يمنعُ جوازَها . ولا يجوزُ عِتْقُ أمِّ الولد ، والمعتَقُ بعضهُ بالإجماعِ ، وأما المدبَّرُ فالخلافُ فيه كالخلافِ في بيعه ، وأما المكاتَب فيجوزُ عِتقهُ عن الكفارةِ إذا لم يؤَدِّ شيئاً من الكتابةِ عندنا . وقال الشافعيُّ : ( لاَ يَجُوزُ ) . ويجوزُ عندَنا عتقُ الرقبة الكافرةِ والمؤمنة في كفَّارة اليمينِ والظِّهار ؛ لأن الرقبةَ مُبهَمة فيهما ، إلا العبدَ المرتدَّ ؛ فإنه لا يجوزُ ؛ لأنه غير محقونِ الدم . وقال الشافعيُّ : ( لاَ يَجُوزُ قِيَاساً عَلَى كَفَّارَةِ القَتْلِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ } ؛ معناهُ : إذا لم يكن له فضلٌ عن كَسبهِ وثياب بدَنهِ وما يقتات به في منزلهِ مقدارَ ما يطعمُ عشرةَ مساكين أو يكسُوهم ويعتقُ رقبةً ، فعليه صيامُ ثلاثة أيَّام . وظاهرُ الآية : يقتضي أنه يجزئُ في الصيام التفريقُ ، وهو قول مالكِ والشافعيُّ . وفي قراءةِ ابن مسعود وأبَي بن كعب : ( فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ) . وعن ابن عبَّاس ومجاهد وإبراهيمَ وقتادة وطاووس ؛ أنَّهم قالوا : ( هِيَ مُتَتَبعَاتٌ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } ؛ أي ذلك الذي ذكرتُ لكم ، وأمَرتُكم به كَفَّارَةُ أيْمَانِكُمْ إذا حَلَفْتُمْ . وقولهُ تعالى : { وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ } ؛ أي احفَظُوها من الحنثِ ، وهذا إذا لم يقعِ اليمينُ على منعِ واجب أو فعلِ معصية ، أما إذا كان اليمينُ على منعِ واجب أو فعلِ معصية ، فعلى الحالف أن يحنثَ نفسه ويكفِّرَ عن يمينهِ . ويقال : معناه : ( احْفَظُوا أيْمَانَكُمْ ) رَاعُوا ألفاظَ إيْمانِكم ليعلمَ الرجلُ ما حلفَ عليه فيكفِّرهُ إذا حنثَ . ويقال : معناهُ : لا تَحلِفُوا ، كما قال الشاعرُ : @ قَلِيلُ الألاَيَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ إذا بَدَرَتْ مِنْهُ الأَلْيَةُ بَرَّتِ @@ والتأويلُ الأول أقربُ إلى ظاهرِ الآية ؛ لأن الإنسانَ لا يؤمَرُ بحفظ شيءٍ معدوم ، لا يقالُ لِمَن لا مالَ له : احفَظْ مالَكَ . وقولهُ تعالى : { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ؛ أي هكذا يبيِّنُ الله لكم أمرَهُ ونَهيَهُ كما بيَّنَ كفارةَ اليمين ؛ لكي تشكُروا إنعامَهُ وبيانه .