Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 27-27)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا } ؛ أي أتبَعْنَا الرُّسل على إثرِ نوحٍ وإبراهيمَ ومَن كان من الرُّسل من أولادِهما ، { وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ } ؛ أي أتبَعنا به وأعطيناهُ الإنجيلَ دُفعةً واحدةً ، { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } ؛ الحواريِّين وأتباعَهم ، { رَأْفَةً وَرَحْمَةً } ؛ يعني المودَّةَ ، كانوا مُتوَادِّين بعضهم لبعضٍ كما وصفَ اللهُ تعالى أصحابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ] . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا } ؛ ليس بعطفٍ على ما قبلَهُ ، وانتصابهُ بفعلٍ مُضمَرٍ يدلُّ عليه ما بعدَهُ ، كأنه قالَ : وابتدَعُوا رهبانيةً ؛ أي جاءُوا بها من قِبَلِ أنفُسِهم ، وهو قَوْلُهُ تَعَالَى : { مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ } ؛ معناهُ : ما فرَضنَاها عليهم تلك الرهبانيَّة ، بل هي غلُوُّهم في العبادِة من حملِ المشَاقِّ على أنفُسِهم ، وهي الامتناعُ من المطعمِ والمشرب والملبَسِ والنِّكَاحِ والتعبُّدِ في الجبالِ ، ما فَرضنَا عليهم ذلك إلاّ أنَّهم طلَبُوا بها رضوانَ اللهِ . وَقِيْلَ : معناها : ما فرَضنا عليهم إلاَّ اتباعَ ما أمرَ اللهُ . قَوْلُهُ تعَالَى : { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } ؛ أي قصَّرُوا فيما ألزَمُوه أنفُسَهم ولم يحفَظُوها حقَّ الحفظِ ، ويقالُ : إنه لَمَّا لم يُؤمِنوا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم حين بُعث كانوا تاركين لطاعةِ الله تعالى غيرَ مُراعين لها فضيَّعوها وكفَرُوا بدينِ عيسى بن مريم ، وتَهَوَّدوا وتنَصَّروا وتركوا الترهيب . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ } ؛ وهم الذين أقَامُوا على دينِ عيسى حتى أدرَكُوا مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم فآمَنُوا به فأعطيناهم ثوابَهم ، قال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ آمَنَ بي وَصَدَّقَنِي وَاتَّبَعَنِي فَقَدْ رَعَاهَا حَقَّ رعَايَتِهَا ، وَمَنْ لَمْ يَتَّبعْنِي فَأُولَئِكَ هُمُ الْهَالِكُونَ " قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } ؛ معناهُ : وكثيرٌ منهم خالَفُوا دينَ عيسى فقالوا هو ابنُ اللهِ أو نَحواً من هذا القولِ . والرهبانيَّةُ في اللغة : خَصْلَةٌُ يظهرُ فيها معنى الرَّهْبَنَةِ ، وذلك إمَّا في لبسهِ أو انفرادهِ عن الجماعة للعبادةِ ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " لاَ تُشَدِّدُواْ عَلَى أنْفُسِكُمْ فَيُشَدِّدُ اللهُ عَلَيْكُمْ ، فَإنَّ قَوْماً شَدَّدُواْ عَلَى أنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ ، { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } " . وعن عروةَ قال : " دَخَلَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ بَاذةُ الْهَيْبَةِ ، فَسَأَلَتْهَا : مَا شَأْنُكِ ؟ فَقَالَتْ : زَوْجِي يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ النَّهَارَ ، فَذكَرَتْ عَائِشَةُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍِ ، فَقَالَ لَهُ : " يَا عُثْمَانَ إنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا ، فَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ ، فَوَاللهِ إنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ وَأحْفَظُكُمْ لِحُدُودِهِ "