Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 11-11)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } ؛ قال مقاتلُ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْرِمُ أهْلَ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَار ، فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ وَمِنْهُمْ ثَابتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسِ وَقَدْ سَبَقُواْ فِي الْمَجْلِسِ ، فَقَامُواْ حِيَالَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُواْ : السَّلاَمُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَرَدَّ عَلَيْهِمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم . ثُمَّ سَلَّمُواْ عَلَى الْقَوْمِ بَعْدَ ذلِكَ ، فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ . فَقَامُواْ عَلَى أرْجُلِهِمْ يَنْتَظِرُونَ أنْ يُوَسَّعَ لَهُمْ ، فَعَلِمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَا لَحِقَهُمْ مِنْ ضَرَر الْقِيَامِ ، فَشُقَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ : " قُمْ يَا فُلاَنُ وَأنْتَ يَا فُلاَنُ " فَأَقَامَ مِنَ الْمَجْلِسِ بقَدْر النَّفَرِ الَّذِينَ قَامُواْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ . فَشُقَّ ذلِكَ عَلَى مَنْ أُقِيمَ مِنْ مَجْلِسِهِ ، وَعَرَفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الْكَرَاهِيَةَ فِي وُجُوهِهِمْ ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ لِلْمُسْلِمِينَ : ألَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أنَّ صَاحِبَكُمْ يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ ؟ فَوَاللهِ مَا عَدَلَ عَلَى هَؤُلاَءِ إنَّ قَوْماً أخَذُواْ مَجَالِسَهُمْ ، وَأحَبُّوا الْقُرْبَ مِنْ نَبيِّهِمْ فَأَقَامَهُمْ وَأجْلَسَ غَيْرَهُمْ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ " . قولهُ تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ } أي أوسِعُوا في المجلسِ { فَٱفْسَحُواْ } أي أوْسِعُوا على مَن حضرَ مجلسَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأحبَّ سماعَ كلامهِ ؛ لتَشتَرِكُوا في سماعِ الدِّين منه ، وهذا أمرٌ لَهم بالتأديب كي لا يؤذِي أحدٌ جليسَهُ بفعلِ الزِّحامِ ، ولئلاَّ يكون غرضُهم إلاَّ التواضعُ للهِ تعالى وللدِّين ، وذلك أنَّهم كانوا قد جلَسُوا مُتَضايقين حولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فأُمِرُوا أن يتنَحَّوا عنه في الجلوسِ ويتوَسَّعوا المجلسَ غيرَهم معهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } أي يُوسِّع مجالِسَكم في الجنَّة . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ } ؛ معناهُ : وإذا قِيْلَ : انْهَضُوا إلى صلاةٍ أو أمرٍ بمعروف ونُودِيَ للصَّلاة فانْهَضوا . وَقِيْلَ : معناهُ : وإذا قيلَ لكم اخرجُوا إلى الجهادِ فاخرُجوا يرفعِ الله درجاتِكم في الجنَّة ، ويرفعِ اللهُ الذين أُوتوا العلمَ درجاتٍ فوقَ درجاتِ الذين أُكرِمُوا بالإيمانِ بغير علمٍ . وفي الحديثِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ الْعَالِمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الَّذِي لَيْسَ بعَالِمٍ سَبْعُونَ دَرَجَةً ، اللهُ أعْلَمُ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ " وقال صلى الله عليه وسلم : " فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابدِ كَفَضْلِي عَلَى سَائِرِ أُمَّتِي " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " يُؤتَى بالْعَالِمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْعَابدِ ، فَيُقَالُ لِلْعَابدِ : أُدْخُلِ الْجَنَّةَ ، وَيُحْبَسُ الْفَقِيهُ فَيَقُولُ : فَبمَ حَبَسْتُمُونِي ؟ ! فَيُقَالُ لَهُ : اشْفَعْ " . قرأ أهلُ المدينة والشام وعاصم ( انْشُزُوا فَانْشُزُوا ) بضمِّ الشين ، وقرأ الآخرون بكسرِها ، وهما لُغتان ، ومعناهما : إذا قيلَ لكم : تحرَّكُوا وقُومُوا وارتفعوا وتوسَّعوا لإخوانِكم فافعَلُوا . وَقِيْلَ : معناهُ : إذا قيل لكم انْهَضُوا إلى الصَّلاة والذِّكر وعملِ الخير ، فانشُزوا ولا تقَصِّروا . وقولهُ تعالى : { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } ؛ يعني يَرفَعُهم بطاعةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامِهم من مجالسِهم وتوسِعهم لإخوانِهم ، { وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ؛ منهم بفضلِ عَمَلِهم ، قال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ جَاءَتْ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ ، فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَنْبيَاءِ دَرَجَةٌ وَاحِدَةٌ " .