Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 3-3)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } ؛ اختلف المفسِّرون في معنى العودِ المذكور في الآية ، فذهبَ أصحابُ الظَّواهرِ إلى أنَّ المرادَ به إعادةُ كلمةِ الظِّهار ، وهذا قولٌ مخالف لقولِ أهلِ العلم ، وقد أوجبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الكفارةَ على أوسٍ حين ظاهرَ من امرأتهِ ، ولم يسأَلْ أكرَّرَ الظهارَ أم لا ؟ . وذهبَ مالكُ إلى أن العَوْدَ هو العزمُ على الوطئِ ، قال : ( وَإذا عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا بَعْدَ الظِّهَار فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، سَوَاءٌ أمْسَكَهَا أوْ أبَانَهَا أوْ عَاشَتْ أوْ مَاتَتْ ) . وقال الشافعيُّ : ( الْعَوْدُ هَا هُنَا هُوَ الإمْسَاكُ عَلَى النِّكَاحِ ، إذا أمْسَكَهَا عُقَيْبَ الظِّهَار وَلَمْ يُطَلِّقْهَا ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ تِلْكَ الْكَفَّارَةُ وَإنْ أبَانَهَا بَعْدَ ذلِكَ . وذهبَ أبو حنيفةَ وأصحابهُ إلى أنَّ معنى العَوْدِ هو أن يعودَ المقولُ فيه فيستبيحُ ما حرَّمَهُ بالظهار ، وقد يُذكَرُ المصدرُ ويراد به المقولُ كما قال صلى الله عليه وسلم : " الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْب يَعُودُ فِي قَيْئِهِ " وإنَّما هو عائدٌ في الموهوب . ويقالُ : اللهُمَّ أنتَ رجَاؤُنا ؛ أي مَرجُوُّنا ، وقال تعالى : { حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [ الحجر : 99 ] أي الْمُوقَنُ بهِ ، والعَوْدُ في الشَّيءِ هو فعلُ ما يناقضُ ذلك الشيءَ ، وحروفُ الصِّفات يقومُ بعضها مقامَ بعضٍ كما في قولهِ تعالى : { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [ طه : 71 ] ، فيكون المعنى : ثُمَّ يعُودون فيما قَالُوا . والإمساكُ على النِّكاح عُقيبَ الظِّهار لا يكون عَوْداً على وجهِ التَّراخي ولا يناقضُ لفظَ الظِّهار ، فإنَّ الظهارَ لا يوجِبُ تحريمَ العقدِ حتى يكون إمساكُها على النكاحِ عَوْداً ، ثم على مذهب أبي حنيفةَ : إذا قصدَ أن يستبيحَها ثم أبانَها سقطَتِ الكفارةُ عنه . وفي قولهِ تعالى : { مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } دليلٌ على أنَّ هذه الكفارةَ إنما شُرِعَتْ لدفعِ الْحُرمَةِ في المستقبلِ ، وفيه دليلُ تحريمِ التَّقبيلِ واللَّمسِ قبلَ التكفيرِ ؛ لأنَّ قولَهُ تعالى : { مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } يتناولُ جميعَ ضُروب الْمَسِيسِ . وفي قولهِ تعالى : { مِن نِّسَآئِهِمْ } دليلٌ على أنَّ الظِّهارَ لا يكون في الإماءِ إلاّ إذا كُنَّ زوجاتٍ ؛ لأنَّ إطلاقَ لفظِ النساء ينصرفُ إلى الحرائرِ كما في قولهِ تعالى : { أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } [ النور : 31 ] . وفي قولهِ تعالى : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } دليلٌ على جواز إعتاقِ الرَّقبة الكافِرة في الظِّهار ؛ لأن ذِكرَ الرَّقبة مطلقٌ في الآيةِ ، بخلافِ كفَّارة القتلِ . والأصلُ في الظِّهار أنه إذا ذكرَ في المرأةِ ما يجمَعُها مثلُ الجسدِ والبدن والرأسِ والرَّقبة ونحوها ، والظهرِ والبطن والفرجِ والفخذ وشبَّهَها بمحارمهِ كان مُظَاهِراً . وإنْ قال : أنتِ علَيَّ كَيَدِ أُمِّي أو رجلِها ، أو قال : يدُكِ علَيَّ أو شَعرُكِ عليَّ كظهرِ أُمي كان بَاطلاً . وقال مالكُ : ( يَصِحُّ الظِّهَارُ بالتَّشْبيهِ بالأَجْنَبيَّةِ ) . وقال الشعبيُّ : ( لاَ يَصِحُّ الظِّهَارُ إلاَّ بالأُمِّ ) ، وقال الشافعيُّ : ( إذا قَالَ : يَدُكِ ، أوْ قَالَ : أنْتِ عَلَيَّ كَيَدِ أُمِّي ، فَهُوَ ظِهَارٌ ) . { ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } .