Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 12-12)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } ؛ أي قُلْ يا مُحَمَّدُ لكفار مكَّة : لِمَنْ مُلْكُ ما في السَّماوات والأرضِ ، فإِنْ أجابوكَ وقالوا : لله ، وإلا فَقُلْ لَهم " لله " إذ هُم يعلمونَ ويُقِرُّونَ أن الأصنامَ لا تَملك خَلْقَ شيء ، وإنَّما اللهُ يَمْلِكُ ذلك . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } أي أوْجَبَ على نفسهِ الرَّحمةَ فضلاً وكَرَماً . أو قيل : معناهُ : أوجبَ على نفسهِ الثوابَ لِمن أطاعَهُ ؛ وقيل : أوجبَ على نفسهِ الرحمةَ بإِمهالِ مَن عصاهُ ؛ ليستدركَ ذلك بالتوبةِ ولم يُعَاجِلْهُ بالعقوبةِ ، وهذا استعطافٌ من الله عَزَّ وَجَلَّ للمُتَوَلِّيْنَ عنه إلى الإِقبالِ ، وإخبارٌ بأنه رَحِيْمٌ بعبادهِ لا يُعَجِّلُ عليهم بالعقوبة ، ويقبلُ منهم الإِنابةَ والتوبةَ . وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لَمَّا خَلَقَ اللهُ تَعَالَى الْخَلْقَ ؛ كَتَبَ فَوْقَ الْعَرْشِ : إنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي " . وقال عمرُ رضي الله عنه لكعب الأحبار : ( مَا أوَّلُ شَيْءٍ ابْتَدَأ اللهُ بهِ ؟ فَقَالَ كَعْبٌ : كَتَبَ اللهُ كِتَاباً لَمْ يَكْتُبْهُ بقَلَمٍ وَلاَ مِدَادٍ ؛ كِتَابُهُ الزُّبَرْجَدُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتَ : إِنِّي أنا اللهُ لاَ إِلَهَ إلاَّ أنا ، سَبَقَتْ رَحْمَتَي غَضَبي ) . وفي الخَبرِ : أنَّ للهِ تعالى مائة رحمةٍ كلُّها مِلْىءُ السَّماوات والأرضِ ، فأهبطَ اللهُ تعالى منها رحمةً واحدة لأهلِ الدُّنيا ، فهم بها يتراحَمون ؛ وبها يتعاطَفون ؛ وبها يتراحمُ الإنس والجنُّ وطيرُ السَّماء وحيتانُ الماء ؛ وما بين الهواءِ ودواب الأرض وهوامِّها ، وأخَّرَ تِسْعاً وتسعين رحمةً يرحمُ بها عبادَهُ يومَ القيامةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } ؛ بدلُ من الرحمةِ وتفسيرٌ لَها ، فكأنَّهُ قالَ : لَيَجْمَعَنَّ بين المؤمنينَ والكفار ، بين المؤمنِ والكافر في الرِّزق والنِّعمةِ والدَّولةِ إلى يومِ القيامة ، لا شَكَّ فيه عند المؤمنينَ أنهُ حقٌّ كائنٌ ، ثم تكونُ العاقبةُ بَدَلَ البعثِ للمؤمنين . قَوْلُهُ تَعَالىَ : { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } ؛ ابتدأ كلامَهُ ؛ وجوابهُ { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ؛ لأنَّ { ٱلَّذِينَ } في موضعِ شرطٍ ؛ وتقديرُ الآية : الذين غَبَنُوا أنفسَهم وأهليهم ومنازلَهم وخَدََمَهَمْ في الجنَّة في سابق عِلْمِ الله لا يؤمنونَ ؛ أي لا يُصَدِّقُونَ بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم والقرآنِ . وذهبَ بعضُهم إلى أنَّ قولَه تعالى : { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } كلامٌ مبتدأ على وجهِ القَسَمِ ، و { ٱلَّذِينَ } بدلٌ من الكافِ والميم في { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } ، كأنهُ قال : لَيَجْمَعَنَّ هؤلاءِ المشركين { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } إلى هذا اليومِ الذي يجحدونَه ويكفُرونَه . ويحتملُ أن يكونَ قولهُ : { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } راجعاً إلى المكذِّبين ، كأنهُ قال : عاقبةُ المكذبين { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } .