Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 3-5)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ } ؛ أي تُوادُّوهم بسبب الأرحامِ والأولاد ، فإنَّ الأرحامَ والأولادَ لا ينفعُوكم ، فلا تَعصُوا اللهَ ولا تخونُوا رسولَهُ لأجلِهم ، { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } ؛ فيُدخِلُ أهلَ طاعةِ الله الجنةَ ، ويدخل أهلَ الكفرِ النارَ ، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } ؛ من الخيرِ والشرِّ ، { بَصِيرٌ } . قرأ عاصمُ ويعقوب ( يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ) بفتحِ الياء وكسر الصاد مخفَّفاً ، وقرأ ابنُ عامر والأعرج ( يُفَصَّلُ ) بضمِّ الياء وفتحِ الصاد مشدَّداً ، وقرأ طلحةُ والنخعي ( نُفَصِّلُُ ) بالنون وبضمَّة وكسرِ الصاد مشدَّداً ، وقرأ الباقون ( يُفْصَلُ ) بضم الياء وفتح الصاد مخفَّفاً . ثُم ضربَ اللهُ لهم إبراهيمَ مَثلاً حين تبرَّأ من قومهِ فقال تعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } ؛ أي قد كانت لكم قدوةٌ حسَنةٌ في إبراهيمَ خليلِ الله والذين معَهُ من المؤمنين ، { إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ } ؛ لأقاربهم من الكفَّار : { إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ } ؛ ومن دِينكم ، { وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ؛ من الأصنامِ ، { كَفَرْنَا بِكُمْ } ، تبرَّأنَا منكم ، { وَبَدَا } ؛ وظهرَ ، { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ } ؛ بالفعلِ ، { وَٱلْبَغْضَآءُ } ؛ بالقولِ ، { أَبَداً } ؛ إلى الأبدِ ، { حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } ؛ تُقِرُّوا وتُصدِّقوا بوحدانيَّة اللهِ تعالى ، فهلاَّ تأَسَّيتَ يا حاطبُ بإبراهيمَ في إظهارهِ مُعاداةَ الكفَّار ، وقطعِ الموالاةِ بينكم وبينهم كما فعلهُ إبراهيم ومَن معهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ } ؛ أي قد كانت لكم أسوةٌ حسَنةٌ في إبراهيمَ وأمُورهِ ، إلاَّ في قولهِ لأبيهِ لأستغفرن لك ، { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } ؛ إنْ عَصَيتَهُ ، نُهُوا أن يتأَسَّوا بإبراهيمَ في هذا خاصَّة فيَستَغفِرُوا للمشركين . والمعنى : قد كانت لكم أسوةٌ حَسنةٌ في صُنعِ إبراهيمَ إلاَّ في استغفارهِ لأبيهِ وهو مشركٌ . ثم بيَّن اللهُ عُذرَهُ إبراهيمَ في سورةِ التَّوبة في استغفارهِ لأبيه فقالَ تعالى : { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ } [ التوبة : 114 ] وكان هذا قبلَ إخبار الله تعالى أنْ لا يغفرَ أنْ يُشرَكَ به . وقولُ إبراهيم : { وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } معناهُ : لا أقدرُ على دفعِ شيءٍ من عذاب الله عنكَ إنْ لم تُؤمِنْ . وكان من دعاءِ إبراهيمَ وأصحابهِ : { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا } ؛ أي وَثِقْنا ، { وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا } ؛ أي فوَّضنَا أُمورَنا وإليك رجَعنا بالتَّوبةِ والطاعةِ ، { وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } ؛ في الآخرةِ ، { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ؛ أي لا تُظهِرِ الكفَّارَ عَلينا فيظُنُّوا أنَّهم على الحقِّ وأنَّا على الباطلِ فيُفتَنوا بها ، هكذا قال قتادةُ . وعن ابنِ عبَّاس أنَّهُ قالَ : ( مَعْنَاهُ : لاَ تُسَلِّطْهُمْ فَيَفْتِنُونَا ) . وقال مجاهدُ : ( مَعْنَاهُ : لاَ تُعَذِّبْنَا بأَيْدِيهِمْ وَلاَ بعَذابٍ مِنْ عِنْدِكَ فَيَقُولُوا : لَوْ كَانَ هَؤُلاَءِ عَلَى الْحَقِّ مَا أصَابَهُمْ هَذا ) .