Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 1-1)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } ؛ الخطابُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنون داخِلُون فيهِ ؛ لأن خطابَ الرئيسِ خطابٌ للأَتباعِ ، خُصوصاً إذا كانوا مأْمُورين بالاقتداءِ به ، والمعنى : يا أيُّها النبيُّ إذا أردتَ أنتَ وأُمَّتُكَ الطلاقَ ، فطَلِّقوا النساءَ لعِدَّتِهِنَّ ، وهذا كقوله تعالى { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } [ المائدة : 6 ] أي أرَدتُم القيامَ . والطلاقُ للعدَّةِ هو أن يطلِّقَها في طُهرٍ لم يَمسَّها فيه ، لما رُوي " أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ سُئِلَ عَنِ الطَّلاَقِ : " طَلِّقْهَا طَاهِراً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ ، أوْ حَامِلاً قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا " " ويقالُ في معنى الطَّلاقِ للعدَّة : أن يُفرِّقَ الطلاقَ الثلاثَ على أطْهَار العدَّةِ ، فيطلِّقُها في كلِّ طُهرٍ لم يمسَّها فيه تطليقةً . والطلاق السُّني : أن يُطلِّقَها في طُهرٍ لم يُجامِعها فيه ، فقد رُوي : " أنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى ، ثُمَّ تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا ، فَإذا أرَادَ أنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ قَبْلَ أنْ يُجَامِعْهَا " فتلكَ العدَّةُ التي أمرَ اللهُ أن تطلَّقَ لها النساءُ . والطلاقُ البْدِعْيُّ : أن يقعَ في حال الحيضِ ، أو في طُهرٍ قد جامَعها فيه ، وهو واقعٌ وصاحبهُ آثِمٌ ، ورُوي : " أنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ، فَذكَرَ عُمَرُ ذلِكَ لِلنِّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ، فَإذا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ " قُلْتُ : وَيَحْتَسِبُ لَهَا ؟ قَالَ : " فَمَهْ ؟ " " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } ؛ إنما أمرَ بإحصاءِ العدَّة لتوزيعِ الطَّلاق على الأطهار ، والمعنى بذلكَ : أحصُوا عدَّةَ المطلَّقات لِمَا تُريدون من رجعةٍ أو تسريح ، فإذا حاضَتِ المعتدَّةُ حيضةً وطَهُرت ، فأرادَ الزوجُ أن يطلِّقَها ثانيةً قبلَ أن تحيضَ ، فإذا حاضَتْ وطَهُرت طلَّقَها أُخرى إنْ شاءَ ، فتَبينُ الثلاثُ وقد بقي من عدَّتِها حيضةٌ . قَوْلُه تَعَالَى : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } ؛ أي اتَّقوهُ في النِّساء إذا طلَّقتمُوهن واحدةً أو اثنتينِ أو ثلاثاً ، { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } ؛ التي طلَّقتُموهن فيها ، وهي بيوتُ أزواجِهن ، والمعنى : اتَّقوا اللهَ فلا تَعْصُوهُ فيما أمَرَكم به ، فلا يجوزُ للزوجِ أن يُخرجَ المطلَّقة المعتدَّة من مَسْكَنِهِ الذي كان يُساكنها فيه قبلَ الطَّلاق . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } ؛ أي ولا يَخرُجْنَ من قِبَلِ أنفُسِهن حتى تنقضي عدَّتُهن ، ولهذا لا يباحُ لها السفرُ في العدَّة ، ولا يباحُ لها التزوُّج وإنْ أذِنَ لها الزوجُ . وأما المنكُوحة فيجوزُ لها الخروج من المنْزِل بإذنِ الزوج . قوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } أي لا يَخرُجن إلاَّ أن يكون خروجُهن معصيةً ، وقال الحسنُ : ( مَعْنَاهُ : إلاَّ أنْ يَزْنِينَ فَيَظْهَرُ ذلِكَ الزِّنَا عَلَيْهَا بشَهَادَةِ أرْبَعَةٍ مِنَ الشُّهُودِ ، فَيَخْرُجْنَ لإقَامَةِ الْحُدُودِ ) . وقال ابنُ عباس : ( إلاَّ أنْ يُطِلْنَ بأَلْسِنَتِهِنَّ عَلَى أهْلِ الْمَنْزِلِ بإيْذائِهِنَّ ) . كما رُوي : أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ قَيْسٍ ، طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أبُو عَمْرِو ابْنِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ ، وَكَانَتْ تَسْتَطِيلُ عَلَى حَمَاتِهَا بلِسَانِهَا ، فَنَقَلَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، وَكَانَ ضَرِيراً تَعْتَدُّ فِيهِ ) . وفي الحديثِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ : " تَزَوَّجُوا وَلاَ تُطَلِّقُوا ، فَإنَّ الطَّلاَقَ يَهْتَزُّ مِنْهُ الْعَرْشُ ! ! " ، وَقَالَ : عليه السلام : " أيَّمَا امْرَأةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ! ! " وقالَ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تُطَلِّقُوا النِّسَاءَ إلاَّ مِنْ ريبَةٍ ، فَإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُحِبُّ الذوَّاقِينَ وَالذوَّاقَاتِ ! " ، وعن أنسٍ رضي لله عنه قالَ : قال صلى الله عليه وسلم : " مَا حَلَفَ بالطَّلاَقِ وَلاَ اسْتَحْلَفَ بهِ إلاَّ مُنَافِقٌ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } ؛ أي هذه أحكامُ اللهِ وفرائضهُ في الطَّلاق في السُّنة والعدَّة ، فلا تُجاوزوها إلى ما نَهى عنهُ ، { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ } ؛ بالمخالفةِ ، { فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } ؛ أي فقد أضَرَّ نفسَهُ ، { لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } ؛ أي طلِّقُوهن كما أُمِرتم ، لا تدري أيُّها المخاطَب لعلَّ اللهَ يُحدِثُ بعدَ ذلك أمراً ، فيوقِعُ في قلب الزَّوج المحبَّةَ ، فيندَمُ في طلاقِها ويريدُ رجعَتها فلا يقدرُ على ذلك ، ولا ينفعهُ الندم .