Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 19-25)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَيَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } ؛ أي اسْكُنْ أنتَ وزوجَتُكَ الجنَّةَ ؛ لأن الإضافةَ إليه دليلٌ على ذلكَ ، وحذفُ التاءِ أحسنُ ؛ لِما فيه من الإيجاز من غيرِ إخلالٍ بالمعنى . وأمَّّا الجنَّةُ التي أسْكَنَهُمَا اللهُ فيها ؛ فهي جَنَّةُ الْخُلْدِ في أكثرِ أقوال أهلِ العلم ، بخلاف ما يقولهُ بعضُهم : إنَّهَا كَانَتْ بُسْتاناً في السَّماءِ غيرَ جنَّةِ الْخُلْدِ . وذلكَ أنَّ اللهَ تعالى عَرَّفَ الجنَّةَ بالألفِ واللام على جهةِ التَّشريفِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } ؛ أي مِن أيِّ شيءٍ شِئْتُمَا مُوسِعاً عليكُما ، { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } ؛ يجوزُ أن يكونَ منصوباً ؛ لأنَّهُ جوابُ النَّهِيِ ، ويجوزُ أن يكون مَجْزُوماً عَطْفاً على النَّهيِ ، ومعناهُ : فتكونا من الضَّارِّيْنَ أنفُسَكما . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } ؛ أي زَيَّنَ لَهم الشيطانُ الأكلَ من الشجرةِ ؛ لِيُظْهِرَ لَهما ما سُتِرَ من عَوْراتِهما . وَالْوَسْوَسَةُ : إلْقَاءُ الْمَعْنَى إلَى النَّفْسِ بصَوْتٍ خَفِيٍّ . والفرقُ بينَ وَسْوَسَ لهُ وَوَسْوَسَ إليهِ : أنَّ معنى وَسْوَسَ لَهُ : أوْهَمَهُ ، ومعنى وَسْوَسَ إليهِ : ألْقَى إلَيْهِ . وإنَّما سُميت العورةُ سَوْأةً ، لأنه يَسُوءُ الإِنسانَ انكِشَافُها . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } قرأ بعضُهم : ( مَلِكَيْنِ ) بكسرِ اللاَّمِ ، ومعناهُ : إلاَّ أنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ تَعْلَمَانِ الخيرَ والشَرَّ ، وإن لم تكونَا ملَكين تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ لا تَموتان . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } ؛ أي لا تَموتان فَتَفْنَيَانِ أبَداً ، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } [ طه : 120 ] أي على شَجَرَةٍ مَن أكلَ منها لَمْ يَمُتْ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] أي جديدٌ لا يَفْنَى . وعلى قراءةِ مَنْ قرأ ( مَلِكَيْنِ ) بكسرِ اللاَّمِ استدلالاً لهُ بقولهِ تعالى : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] . قِيْلَ : كيفَ أوهَمَهُما أنَّهما إذا أكَلاَ من تلكَ الشجرةِ تغيَّرت صورتُهما إلى صورةِ الْمَلَكِ ، أو يزدادُ في حياتِهما ؟ قِيْلَ : أوْهَمَهُمَا أنَّ من حكمةِ الله أن مَن أكَلَ منها صارَ مَلَكاً أو ليزيدَ حياتَهُ . وقِيْلَ : إنَّهُ لم يُطْمِعْهُمَا في أن تصيرَ صورتُهما كصورةِ الْمَلَكِ ، وإنَّما أطْمَعْهُمَا في أن تصيرَ مَنْزِلَتُهُمَا مَنْزِلَةَ الْمَلَكِ في العُلُوِّ والرِّفْعَةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } ؛ أي حَلَفَ لَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فيما أقولُ . وإنَّما قال : { وَقَاسَمَهُمَآ } على لفظ المُفَاعَلَةِ ؛ لأنهُ قَابَلَهُمَا بالحلفِ ، وهذا كما يقالُ : عَاقَبْتُ اللِّصَّ ؛ ونَاوَلْتُ الرَّجُلَ . قال قتادةُ : ( حَلَفَ لَهُمَا حَتَّى خَدَعَهُمَا ، وَقَدْ يُخْدَعُ الْمُؤْمِنُ باللهِ تَعَالَى ، وَقَالَ لَهُمَا : إنِّي خُلِقْتُ قَبْلَكُمَا ، وَأَنَا أعْلَمُ مِنْكُمَا ، فَاتَّبعَانِي أُرْشِدْكُمَا ) . وكان بعضُ العلماءِ يقولُ : ( مَنْ خَادَعَنَا باللهِ خَدَعَنَا ) . وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : " الْمُؤْمِنُ غَرٌّ كَرِيْمٌ ، وَالْفَاجِرُ خَبٌّ لَئِيْمٌ " وأنشد نفطويه بعضُهم : @ إنَّ الْكَرِيْمَ إذا تََشَاءُ خَدَعْتَهُ وَتَرَى اللَّئِيْمَ مُجَرِّباً لاَ يُخْدَعُ @@ قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } ؛ أي حَدَرَهُمَا من أعلَى إلى أسفلِ ؛ لأنَّ الخيرَ عالٍ والشَّرَّ سافلٌ . وقال بعضُهم : معناهُ : قرَّبَهُمَا مما أرادَ من التَّوْريَةِ ؛ وهي التقريبُ مأخوذٌ من أدْلَى الدَّلُوَ ، ويقالُ : فلانٌ يُدْلِي فُلاَناً بالغُرُور ؛ أي يَخْدَعُهُ بكلامٍ زُخْرُفٍ باطلٍ . وقال مقاتلُ : { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } أيْ زَيَّنَ لَهُمَا الْبَاطِلَ . فَدَلاَّهُمَا بغُرُورٍ ؛ الْغُرُورُ مَا تَقَدَّمَ ذكرهُ بقولهِ لَهُما : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } . وفي بعضِ الرِّواياتِ : أنَّ آدَمَ عليه السلام كَانَ يَقُولُ وَقْتَ توْبَتِهِ : مَا ظَنَنْتُ يَا رَب أنَّ أحَداً يَجْرَأْ فَيَحْلِفُ باسْمِكَ كَاذِباً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } ؛ فيه دليلٌ أنَّهما لَمْ يُبَالِغَا في الأكلِ ، ولكن لَمَّا وصلَ إلى جوفِهما تَهافَتَ عنهُما لِبَاسُهُمَا ، وظهرَ لِكُلٍّ منهُما عَورْةُ صاحبهِ فَاسْتَحَيَا ، { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } ؛ أي عَمِدَا فأخذ يُلْزِقَانِ عليهِما مِن وَرَقِ التِّينِ . وَالْخَصْفُ : الإلْزَاقُ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ ، كما يعملُ الْخَصَّافُ الذي يُرَقِّعُ النَّعْلَ . ومعنى ( طَفِقَا ) أخذا في العملِ ، يقالُ : بَاتَ يفعلُ كذا إذا فعلَهُ ليلاً ، وظلَّ يفعلُ كذا إذا فَعَلَهُ نَهاراً ، وطَفِقَ يفعلُ كَذا إذا فَعَلَ في أيِّ وقتٍ كانَ . وعن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ : " إنَّ آدَمَ كَانَ رَجُلاً طِوَالاً كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ كَثِيْرُ شَعْرِ الرَّأْسِ ، فَلَمَّا وَقَعَ بالْخَطِيْئَةِ بَدَتْ سَوْأتُهُ وَكَانَ لاَ يَرَاهَا ، فَانْطَلَقَ هَارباً فِي الْجَنَّةِ ، فَعَرَضَتْ لَهُ شَجَرَةٌ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ فَحَبَسَتْهُ بشَعْرِهِ ، قَالَ لَهَا : أرْسِلِيْنِي ! فَقَالَتْ : لَسْتُ مُرْسِلَتَكَ . فَنَادَاهُ رَبُّهُ : يَا آدَمُ ؛ أمِنِّي تَفِرُّ ؟ قَالَ : لاَ ، وَلَكِنِ اسْتَحْيَيْتُ " وقال ابنُ عبَّاس : ( قَالَ اللهُ : يَا آدَمُ ، ألَمْ يَكُنْ لَكَ فِيْمَا أبَحْتُ لَكَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْدُوحَةً عَنِ الشَّجَرَةِ ؟ قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنْ وَعِزَّتِكَ مَا ظَنَنْتُ أنَّ أحَداً مِنْ خَلْقِكَ يَحْلِفُ بكَ كَاذِباً . قَالَ : فَوَعِزَّتِي لأُهْبطَنَّكَ إلَى الأَرْضِ ، ثُمَّ لاَ تَنَالُ الْعَيْشَ إلاَّ بكَدٍّ . فَأُهْبطَ إلَى الأَرْضِ هُوَ وَحَوَّاءُ ، فَعُلِّمَ صَنْعَةَ الْحَدِيدِ ، وَأُمِرَ بالْحَرْثِ ، فَحَرَثَ وَزَعَ ، وَسَقَى وَحَصَدَ ، ثُمَّ دَرَسَ وَرَوَى ، ثُمَّ طَحَنَ ، ثُمَّ عَجَنَ ، ثُمَّ خَبَزَ ، ثُمَّ أكَلَ . فَلَمْ يَبْلُغْ إلَى الأَكْلِ حَتَّى بَلَغَ مَا شَاءَ اللهُ أنْ بَلَغَ ) . قََوْلُهُ تَعَالَى : { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } ؛ قال مُحَمدُ بن قيسٍ : ( نَادَاهُ رَبُّهُ : يَا آدَمُ ، لِمَ أكَلْتَ مِنْهَا وَقَدْ نَهَيْتُكَ ؟ قَالَ : يَا رَب ؛ أطْعَمَتْنِي حَوَّاءُ . قَالَ : يَا حَوَّاءُ ؛ لِمَ أطْعَمْتِهِ ؟ قَالَتْ : أمَرَتْنِي الْحَيَّةُ . فَقِيْلَ لِلْحَيَّةِ : لِمَ أمَرْتِهَا ؟ قَالَتْ : أمَرَنِي إبْلِيْسُ . قَالَ اللهُ تَعَالَى : أمَّا أنْتِ يَا حَوَّاءُ ؛ فَكَمَا أدْمَيْتِ الشَّجَرَةَ تَدْمِيْنَ كُلَّ شَهْرٍ ، وَأَمَّا أنْتِ يَا حَيَّةُ فَأْقْطَعُ قَوَائِمَكِ ، فَتَمْشِينَ فِي التُّرَاب عَلَى وَجْهِكِ ، وَسَيَشْرِخُ رَأسَكِ كُلٌّ مَنْ لَقِيَكِ ، وَأمَّا أنْتَ يَا إبْليْسُ فَمَلْعُونٌ مَدْحُورٌ ) . قولهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } ؛ أي ضَرَرْنَاهَا بالمعصيةِ ، وهذا اعترافٌ بالخطيئةِ على أنفسِهما ، { وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } ؛ بالعقوبةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ ٱهْبِطُواْ } ؛ أي قال اهْبطُوا من الجنَّةِ إلى الأرضِ ، { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } ، أي في حال عداوةٍ ، { وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ } ؛ أي وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومنفعَةٌ ، { إِلَىٰ حِينٍ } ؛ أي إلى مُنْتَهَى آجالِكُم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ } ؛ أي في الأرضِ تعيشُون ، { وَفِيهَا تَمُوتُونَ } ؛ وفي الأرضِ تُقْبَرُونَ ، { وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } ؛ أي مِن قبوركُمْ للبعثِ .