Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 31-33)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } ذلك أنَّ أهلَ الجاهليَّةِ كانوا يطُوفُونَ بالبيتِ عُرَاةً ويقولون : لاَ نطوفُ في الثياب التي أذْنَبْنَا فيها ودَنَّسْنَاهَا بالذنوب ، فكانتِ المرأةُ منهم تَطُوفُ بالبيتِ عَرْيَانَةً باللَّيْلِ ، إلا أنَّهَا كانت تَتَّخِذُ سُيُوراً مُقَطَّعَةً تُشَدُّ في حِقْوَيْهَا ، فكانت السُّيُورُ لا تسترُها سِتْراً تامّاً . قال المفسِّرون : كانت بنُو عامرٍ في الجاهليَّة يفعلونَ ذلك ، كان رجالُهم يطوفون عراةً بالنَّهار ، ونساؤُهم ليلاً . وحُكِيَ أنَّ امرأةً كانت تطوفُ عريانةً وهي تقولُ : @ الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلُّهُ فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلاَ أُحِلُّهُ @@ وكانوا إذا قَدِمُوا منهُ طََرَحَ أحدُهم ثيابَه في رجلهِ ، فإن طافَ وهي عليه ضُرِبَ وانْتُزِعَتْ منهُ ، فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ : { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } يعني الثِّيَابَ . وقال مجاهدُ : ( يَعْنِي : مَا يُوَارِي عَوْرَتُكُمْ وَلَوْ عَبَاءَةً ) . وقال الكلبيُّ : ( كَانَتْ بَنُو عَامِرٍ لاَ يَأْكُلُونَ مِنَ الطَّعَامِ إلاَّ قُوْتاً ، وَلاَ يَأْكُلُونَ دَسِماً فِي أيَّامِ حَجِّهِمْ ، يُعَظِّمُونَ بذلِكَ حَجَّهُمْ . وَكَانَتْ قُرَيْشُ وَكِنَانَةُ يَفْعَلُونَ . فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، نَحْنُ أحَقُّ أنْ نَفْعَلَ ذلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } . { وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } ؛ أي الْبَسُوا ثيابَكم عندَ كلِّ مسجدٍ ، وكُلُوا اللَّحْمَ والدَّسِمَ ، واشربُوا من ألبانِ السَّوائبِ والبَحَائِرِ ، { وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } أي لا تُجَاوِزُوا تحريْمَ ما أحلَّ اللهُ لكم . والإِسْرَافُ : مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ؛ فتارةً تكون مجاوزةُ الحلالِ إلى الحرامِ ؛ وتارةً تكونُ مجاوزةُ الحدِّ في الإنفاقِ ؛ وتارةً تكونُ بأنْ يأكلَ الإنسانُ فوقَ الشَّبَعِ فيؤدِّي به ذلكَ إلى الضَّرر . ويروى : أنَّ هَارُونَ الرَّشِيْدَ كان له طبيبٌ نصرانِيٌّ حاذقٌ ، فقال لعليِّ بن الحسين ابن واقدٍ : ألَيْسَ في كتابكم من علمِ الطب شيءٌ ؟ والعلمُ عِلمان : علمُ الأديانِ وعلمُ الأبدانِ ، فقالَ لهُ : إنَّ اللهَ تعالى قد جَمَعَ الطبَّ كلُّه بنصفِ آيةٍ من كتابنا . وقال : ومَا هِي ؟ قال : قَوْلُهُ تَعَالَى : { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } . فقال النصرانِيُّ : هل يُؤْثَرُ عن رسولِكم شيءٌ من الطب ؟ قال : نَعَمْ ؛ جمعَ رسولُنا صلى الله عليه وسلم الطبَّ في ألفاظٍ يسيرة . قال : وما هيَ ؟ قال : قَوْلُهُ : " الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ ، وَالْحِمْيَةُ رَأسُ كُلِّ دَوَاءٍ ، وَعَوِّدُواْ كُلَّ جِسْمٍ مَا اعْتَادَ " فقال النصرانِي : ما تركَ كتابُكم ولا نبيُّكم لجالينوسَ طِبّاً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } ؛ أي لا يرضَى عملَهم ، ولا يُثْنِي عليهم : فلما نَزَلَتْ هذه الآيةُ طََافَ المسلمونَ في ثيابهم ، وأكلُوا اللَّحمَ والدسمَ ، فعيَّرهُم المشركون بذلكَ ، فأنزلَ اللهُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } أي قُلْ لَهم يَا مُحَمَّدُ : مَن حَرَّمَ الثيابَ التي يَتَزَيَّنُ بها الناسُ ، ومَنْ حَرَمَّ المستلذاتِ من الرِّزْق ؟ ويقالُ : أرادَ بالطيِّباتِ : الحلالَ من الرَِّزْقِ ، وفي قَوْلِهِ تَعَالَى : { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } أمرٌ للإنسانِ أن يَلْبَسَ أحسنَ ثيابهِ في الأعيادِ والْجُمَعِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( مَعْنَاهُ : أنَّ الْمُسْلِمِيْنَ يُشَاركُونَ الْمُشْرِكِيْنَ فِي الطَّيِّبَاتِ فِي الدُّنْيَا ، فَأَكَلُواْ مِنْ طَيِّبَاتِ طَعَامِهِمْ ؛ وَلَبسُوا مِنْ خِيَار ثِيَابهِمْ ؛ وَنَكَحُوا مِنْ صَالِحِ نِسَائِهِمْ ، ثُمَّ يُخْلِصُ اللهُ تَعَالَى الطَّيِّبَاتِ فِي الآخِرَةِ لِلَّذِيْنَ آمَنُواْ وَلَيْسَ لِلْمُشْرِكِيْنَ فِيْهَا شَيْءٌ ) . وتقديرُ الآيةِ : قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا مشتركةٌ فِي الدُّنيَا ، خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَقِيْلَ : معناهُ : هي للمؤمنينَ في الدُّنيا غيرُ خالصةٍ من الهُمُومِ والأحزانِ والمشقَّة . وقرأ ابنُ عبَّاس وقتادةُ ونافع : ( خَالِصَةٌ ) بالرفع ؛ أي قِيْلَ : خَالِصَةٌ . وقرأ الباقونَ بالنصب على الحالِ والقطع ، لأنَّ الكلامَ قد تَمَّ دونَه . قَوْلُهُ تَعَالَى : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } ؛ أي كما فَصَّلْنَا لكم الدلائلَ والأوامرَ والنواهي ، هكذا تفصيلُها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ؛ أي يَفْقَهُونَ أوامرَ اللهِ تعالى . ثم بَيَّنَ اللهُ تعالى ما حَرَّمَ عليهم فَقَالَ عَزَّ وَجلَّ : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } ؛ معناهُ : أنَّ الله تعالى لَمْ يُحَرِّمِ الثيابَ ولا الطيباتِ من الرِّزْقِ ، وإنَّما حَرَّمَ الذُّنُوبَ . والْفَوَاحِشُ : هي الكَبَائِرُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { مَا ظَهَرَ مِنْهَا } أي ما عُمِلَ علانيةً ، { وَمَا بَطَنَ } يعني سِرّاً . { وَٱلإِثْمَ } يتناولُ كلَّ ذنبٍ وأنْ يكون فيه حَدٌّ . وفائدةُ ذكر الإثمِ : بيانُ أنَّ التحريمَ غيرُ مقصورٍ على الكبائرِ . { وَٱلْبَغْيَ } يتناولُ الإقدامَ على الغيرِ { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ } ؛ معناهُ : وحَرَِّمَ عليكم أنْ تُشْرِكُوا باللهِ ، { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } ؛ أي عُذْراً ولا حُجَّةً . ثم بَيَّنَ اللهُ تعالى ما يصيرُ جامعاً للمحرَّمات كلِّها ؛ وهو تحريمُ القولِ الذي لا عِلْمَ لقائلهِ به فقالَ : { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . وَقِيْلَ : يعني بالفواحشِ : الطوافَ عُرَاةً ، ويعني بقولهِ : { مَا ظَهَرَ مِنْهَا } طوافُ الرِّجالِ عُرَاةً بالنَّهار ، { وَمَا بَطَنَ } طوافُ النِّساءِ بالليل عُرَاةً . وَقِيْلَ : أرادَ بقولهِ : { مَا ظَهَرَ مِنْهَا } التعرِّي عن الثياب في الطَّوافِ ، { وَمَا بَطَنَ } يعني الزِّنا ، ويعني بـ { ٱلإِثْمَ } كلَّ المعاصِي . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْبَغْيَ } طلبُ التَّرَأُسِ على الناسِ بالقَهْرِ والاستطالَةِ عليهم بغير حقٍّ . وقال الحسنُ : ( يَعْنِي بـ { ٱلإِثْمَ } الْخَمْرَ ) . قال بعضُهمْ :