Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 12-12)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ } ؛ إذ يُلهِمُ ربُّكَ الملائكةَ النازِلين من السَّماء { أَنِّي مَعَكُمْ } بالنصرِ للمسلمين ، { فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ؛ بالتَّنبيهِ والإِخْطَارِ بالبَالِ ، ويقالُ : بَشِّرُوهم بالنصرِ ، وَقِيْلَ : أرُوهم أنفُسَكُم مَدَداً لَهم فإذا عايَنُوكم ثَبَتُوا . والوحيُ : إلقاءُ المعنى الى النَّفسِ من وجهٍ خَفِيٍّ . وعنِ ابن عبَّاس أنه قالَ : ( سَوَّى أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صُفُوفَهُمْ ، وَقَدَّمُواْ رَايَاتِهِمْ فَوَضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بعِيرٍ لَهُ يَدْعُو اللهَ وَيَسْتَغِيثُ ، فَهبَطَ جِبْرِيْلُ عليه السلام فِي خَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ ومِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَيْسَرَتِهِمْ ، فَكَانَ الْمَلَكُ يَأْتِي الرَّجُلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ وَيَقُولُ لَهُ : دَنَوْتُ مِنْ عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ فَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ : وَاللهِ لإِنْ حَمَلُواْ عَلَيْنَا لاَ نَثْبتُ لَهُمْ أبَداً . وَألْقَى اللهُ فِي قُلُوب الْكَفَرَةِ الرُّعْبَ بَعْدَ قِيَامِهِمْ لِلصَّفِّ ، فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبيعَةَ : يَا مُحَمَّدُ أخْرِجْ إِلَيْنَا أكِفَّاءَنَا مِنْ قُرَيْشٍ نُقَاتِلُهُمْ . فَقَامَ إِلَيْهِمْ بَنُو عَفْرَاءَ مِنَ الأنْصَارِ : عُوذ وَمِعْوَذ وَمَعَاذاً أُمُّهُمْ عَفْرَاءُ وَأبُوهُمُ الْحَارِثُ ، فَمَشَواْ إلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُمْ : ارْجِعُواْ وَأرْسِلُوا إلَيْنَا أكِفَّاءَنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، فَخَرَجَ إلَيْهمْ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ ، قَالَ عَلِيٌّ : فَمَشَيْتُ إلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَمَشَى إلَيَّ ، فَضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ أطَرْتُ يَدَهُ ، ثُمَّ بَرَكْتُ عَلَيْهِ فَقَتَلْتُهُ ، فَقَامَ شَيْبَةُ بْنُ رَبيعَةَ إلَى عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فَاخْتَلَفَا بضَرْبَتَينِ ، ثُمَّ ضَرَبَ عُبَيْدَةُ ضَرْبَةً أخْرَى فَقَطَعَ سَاقَ شَيْبَةَ ، ثُمَّ قَامَ حَمْزَةُ إلَى عُبَيْدَةَ بن ربيعة فَقَالَ : أنا أسدُ اللهِ وَأسَدُ رَسُولِهِ ، ثُمَّ ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ . فَقَامَ أبُو جَهْلٍ فِي أصْحَابِهِ يُحَرِّضُهُمْ وَيَقُولُ : لاَ يَهُولَنَّكُمْ مَا لَقِيَ هَؤُلاَءٍ ، فإِنَّهُمْ عَجِلُواْ وَاسْتَحْمَقُوا ، ثُمَّ حَمَلَ هُوَ بنَفْسِهِ ، ثُمَّ حَمَلَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ عَلَى قُرَيْشٍ فَهَزَمُوهُمْ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } ؛ أي سأقذفُ في قلوبهم المخافَة منكم . علَّمَ اللهُ المسلمين كيف يضرِبُونَهم ، فقال عَزَّ وَجَلَّ : { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ } ؛ معناهُ على الأعنَاقِ ، وقال عطيَّة والضحاكُ : ( مَعْنَاهُ فَاضْرِبُواْ الأَعْنَاقَ ) ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } [ محمد : 4 ] ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لأُعَذِّبَ بعَذاب اللهِ تعَالَى ، إنَّمَا بُعِثْتُ بضَرْب الرِّقََاب وَشَدِّ الْوَثَاقِ " . وقال بعضُهم { فَوْقَ } بمعنى ( عَلَى ) ، أي فَاضرِبُوا على الأعناقِ ، وقال عكرمةُ : ( مَعْنَاهُ فَاضْربُوا الرُّؤُوسَ ) . وقال ابنِ عبَّاس : ( فَاضْرِبُواْ الأعْنَاقَ فَمَا فَوْقَهَا ) يعني الرُّؤُوسَ والأعناقَ ، نظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } [ النساء : 11 ] أي اثنَتين فما فوقَهما ، وإنما أمرَ الله تعالى بضرب الرِّقاب والأعنَاقِ ؛ لأنَّ أعلى جلدةِ العُنقِ هو الْمَقْتَلُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } ؛ قال عطيَّة : ( يَعْنِي كُلَّ مِفْصَلٍ ) ، وقال ابنُ عَبَّاس والضحاكُ : ( يَعْنِي الأَطْرَافَ ) . وقال بعضُهم معنى قولهِ تعالى : { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ } الصَّنَادِيدُ ، وقولهِ تعالى : { وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } يعني السَّفَلَةَ . إلا أنَّ الأوَّل أصحُّ . وَقِيْلَ : معناه : واضرِبُوا منهم كلَّ عُضوٍ أمكَنَكم ، وليس عليكم تَوَقِّي عضوٍ دون عضو . وعن أبي سعيد الفاراني أنه كان يقولُ : ( أرَادَ اللهُ أنْ لاَ تَتَلَطَّخَ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ بفَرَثِ الْكُفَّارِ ، فَأَمَرَهُمْ أنْ يَضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَيَضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ) . والبَنَانُ في اللغة : هو الأصابعُ وغيرُها من الأعضاءِ التي بها يكون قِوَامُ الإنسانِ صوناً لمكانه وحياته ، مأخوذٌ من قولهم : أبْنَنَ الرجلُ بالمقامِ إذا أقامَ بهِ .