Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 11-11)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ } ؛ قال جماعةٌ من المفسِّرين : " وذلكَ أنَّهُ لَمَّا أمرَ اللهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالمسيرِ إلى الكفَّار ، سارَ بمن معَهُ حتى إذا كان قَرِيباً من بدرٍ لَقِيَ رجُلين في الطريقِ ، فسألَهما : " هَلْ مَرَّتْ بكُمَا الْعِيرُ ؟ " قالا : نَعَمْ مرَّت بنا لَيلاً ، وكان بين يدَي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عشرةٌ من المسلمين ، فأخَذُوا الرَّجُلين ، وكان أحدُهما عبدَ العبَّاس بنِ عبدِ المطلب يقال له أبُو رافعٍ ، والآخرُ عَبداً لعُقبة بن أبي مُعِيطٍ يقالُ له أسلَمَ كانَا يسقِيَانِ الماءَ ، فجاؤُا بهما إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، واستخلَى بأبي رافعٍ ودفعَ أسلمَ إلى أصحابهِ يسألونَهُ ، فقالَ صلى الله عليه وسلم لأبي رافعٍ : " مَنْ خَرَجَ مِنْ أهْلِ مَكَّةَ ؟ " فقالَ : ما بَقِيَ أحدٌ إلا وقد خرجَ ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أتَتْ مَكَّةَ الْيَوْمَ بأفْلاَذِ كَبدِهَا " ثمَّ قَالَ : " هَلْ رَجَعَ مِنْهُمْ أحَدٌ ؟ " قال : نَعَمْ ؛ أُبَيُّ بنُ شَرِيفٍ في ثلاثِمائة من بني زُهرة ، وكان خرجَ لمكان العِيرِ ، فلما أقبَلت العِيرُ رجعَ ، فسمَّاهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الأخْنَسَ حين خَنَسَ بقومهِ ، ثُم أقبلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أصحابهِ وهم يَسألُونَ أسلمَ ، وكان يقولُ لَهم : خرجَ فلانٌ وفلان ، وأبُو بكرٍ رضي الله عنه يضربهُ بالعصَا ويقولُ له : كذبتَ بخبرِ الناسِ ، فقالَ صلى الله عليه وسلم : " إنْ صَدَقَكُمْ ضَرَبْتُمُوهُ ، وَإنْ كَذبَكُمْ تَرَكْتُمُوهُ " فعَلمُوا أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد عرفَ أمرَهم " . فسَاروا حتى نزَلُوا بدراً بجانب الوادِي على غيرِ ماءٍ ، ونزلَ المشركون على جانبهِ الأقصَى على الماءِ ، والوادِي بينَهما فبَاتُوا ليلَتَهم تلك ، فألقَى اللهُ على المسلمين النَّومَ فنَامُوا ، ثم استيقَظُوا وقد أجْنَبُوا وليس معهم ماءٌ ، فأتَاهُم الشيطانُ فوَسْوَسَ إليهم وقالَ : لهم تزعُمون أنَّكم على دينِ الله وأنتم مُجنِبُونَ تُصَلُّونَ على الجنَابَةِ ، والمشرِكُون على الماءِ . فأمطَر اللهُ الوادي وكان ذا رَمْلٍ تغيبُ فيه الأقدامُ ، فاشتدَّ الرملُ وتلبَّدت بذلك أرضُهم وأوْحَلَ أرضَ عدوِّهم ، وبنَى المسلمون في مكانِهم حِياضاً واغْتسَلُوا من الجنابةِ وشرِبُوا وسَقَوا دوابَّهم وتَهيَّأُوا للقتالِ ، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ } أي واذكرُوا إذ يُلقِي اللهُ عليكم النُّعاسَ ، والنُّعاسُ : أولُ النَّومِ قبل أن يثقلَ . وقولهُ تعالى : { أَمَنَةً مِّنْهُ } أي أمْناً من اللهِ منهم بوعدِ النَّصرِ أمْناً حتى غَشِيَهم النعاسُ في حالِ الاستعداد للقتال . قال ابنُ عبَّاس : ( النُّعَاسُ عِنْدَ الْقِتَالِ أمْنٌ مِنَ اللهِ ، وَفِي الصَّلاَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ ) . قرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرو ( يَغْشَاكُمُ ) واحتجَّا بقولهِ تعالى : { يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } [ آل عمران : 154 ] فجعلَ الفعلَ للنُّعاس . وقرأ نافعُ ( يُغْشِيكُمْ ) على أنَّ الفعلَ للهِ تعالى ليكون مُطابقاً لقوله : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) واحتجَّ بقولهِ تعالى : { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ } [ يونس : 27 ] . وقرأ الحسنُ وأبو رجَاءٍ وعكرِمة وأهلُ الكوفة وابنُ عامر ويعقوب ( يُغَشِّيكُمْ ) بالتشديد لقوله تعالى : { فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } [ النجم : 54 ] . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } ؛ يعني المطرَ ليُطهِّرَكم به من الْجنَابَة والحدثِ ، { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ } ؛ وَسْوَسَةَ الشيطانِ التي كان وَسْوَسَ إليكم بأنَّ عدُوَّكم قد غلبَ على الماءِ ، وأنَّكم في مكانٍ تَسُوحُ أقدامُكم في الرملِ . ويقال : أرادَ بالرِّجْزِ الجنابةَ التي أصابَتهم بالاحتلامِ ، فإنَّ الاحتلامَ إنَّما يكون من وَسْوَسَةِ الشيطانِ . وقرأ سعيدُ بن المسيِّب ( لِيُظْهِرَكُمْ ) بالظاء من أظْهَرَكم اللهُ . وقرأ ابنُ محيصن ( رُجْزَ ) بضمِّ الراء . وقرأ أبو العاليةِ ( رجْسَ الشَّيْطَانِ ) بالسين ، والعربُ تُعَاقِبُ بين السِّين والزاي فتقولُ : بَزَقَ وبسَقَ ، والسِّراط والزِّراط . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } ؛ أي ولِيَشُدَّ على قلوبكم بالصَّبرِ ، ويشجِّعَكم على القتال . وَقِيْلَ : معناهُ : وليَربطَ على قُلوبكم بالصَّبر والمطر . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } ؛ أي ويُثبتَ بالمطرِ الأقدامَ حتى لا تسُوحَ في الرملِ . وَقِيْلَ : معناهُ : ويثَبتَ بالبصيرةِ وقوَّةِ القلب الأقدامَ ؛ لأن الأقدامَ إنما تثبتُ في الحرب بقوَّة القلب .