Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 117-120)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } إلى قوله : { لِلْمُؤْمِنِينَ } والمعنى : وما كان ربك يا محمد أن يهلك القرى التي قص عليك نبأها ( بظلم ) ، وأهلها مصلحون ، ولكن أهلكها بكفرها . وقيل : المعنى : ما كان الله ليهلكهم بظلمهم ، أي : بشركهم ، وهم مصلحون ، لا يتظالمون بينهم ، إنما يهلكهم إذا جمعوا مع الشرك غيره من الفساد . ألا ترى إلى قوله في قوم لوط ؟ : { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } [ هود : 78 ] ، يريد الشرك ، فعذبهم باللواط الذي أضافوه إلى شركهم . وأخبر الله عن قوم شعيب أنه عذبهم لنقصهم الكيل ، وأمسك عن ذكر شركهم ، وهذا قول غريب . وقال الزجاج المعنى : " ما كان ربّك ليهلك أحداً ، وهو يظلمه كما قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً } [ يونس : 44 ] . ثم قال / تعالى : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } : ( أي ) : " على مِلّة واحدة ، ودين واحد " . قال قتادة : كلّهم مسلمين ، { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } : أي لا يزال الناس مختلفين . وروي عن ابن عباس أنّه يعني في الأديان : اليهود ، والنصارى . وقيل : في الأرزاق ، هذا فقير ، وهذا غني . قاله الحسن . وقيل : في المغفرة والرحمة . { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } : أي : لكن من رحم ربك فإنه غير مختلف . وقيل : { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } : أهل الإيمان والإسلام . وقوله : { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } قال الحسن : للاختلاف في الأرزاق خلقهم . وقال ابن عباس : خلقهم فريقين : فريقاً يرحم ، وفريقاً لا يرحم يختلف ، وذلك قوله : { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [ هود : 105 ] . وقال عطاء : ولذلك خلقهم : يعني : مؤمناً وكافراً . وقال أشهب : سألت مالكاً ، رحمه الله ، عن قوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } فقال : خلقهم ليكونوا فريقاً في الجنّة ، وفريقاً في السعير . ففي الكلام على هذا القول تقديم وتأخير ، والتقدير : " إلا من رحم ربك ، وتمت كلمة ربك لأملأن جهنّم من الجنة والناس أجمعين ، ولذلك خلقهم " . وقد كان يجب في قياس العربية على هذا التقدير أن يكون اللفظ : وتمّت كلمته . وروى ابن وهب : عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما ، أنه قال في معنى الآية : خلق الله أهل رحمته لئلا يختلفوا . وقيل : المعنى : وللرحمة خلقهم . والرحمة ، والرحم واحدة ، فلذلك ذكر . قاله مجاهد ، وقتادة ، والضحاك . وروي أيضاً ذلك عن ابن عباس ، وقيل : إنّ هذا متعلق بما قبله ، وهو قوله : { يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ } [ هود : 116 ] ، ولذلك خلقهم . ( وقيل : هو متعلق بما قبله بقوله : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } ، ولذلك خلقهم ) : وهو قول مالك المتقدّم . وقيل : المعنى : وللاسعاد خلقهم ، وقيل : للإسعاد والإشقاء خلقهم . ثم قال تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ } : أي : وجبت { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } : لما تقدم في علمه أنهم يستوجبون ذلك . وقوله : { مِنَ ٱلْجِنَّةِ } : يعني : ما اجتن عن عيون بني آدم من الجن والناس ، يعني : بني آدم أجمعين ، وذلك على التوكيد . وقيل : إنّما سموا " جنة " لأنهم كانوا على الجنان . والملائكة كلهم جنة لاستتارهم . ثم قال تعالى : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ } أي : من أخبارهم ، وأخبار أممهم يا محمد . نفعل ذلك لنثبت به فؤادك ، لأن كلما كثرت البراهين كان القلب أثبت . والفؤاد يُراد به القلب ، وهذا كما قال إبراهيم صلوات الله عليه ، { وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [ البقرة : 260 ] وقيل : المعنى : ما نثبتك به على أداء الرسالة ، والصبر على ما ينالك منهم . فتعلم ما نالت الرسل ، وما حلّ بها قبلك ، فتتأسى بذلك . و " كلا " منصوب بـ " نقص " ، " وما " بدل من " كل " . وقال الأخفش : كلا " نصب " على / الحال . وقال غيره : هي منصوبة على المصدر : أي : كل القصص نقص عليك . ثم قال تعالى : { وَجَآءَكَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ } : أي : في هذه السورة . قالَهُ ابن عباس ، والحسَن ، ومجاهد ، وقتادة . وقيل : في هذه الدنيا ، رُويَ ذلك عن قتادة . والمعنى : وجاءك في هذه السورة الحق ، مع ما جاءك في غيرها من السور . وليس المعنى : وجاءك في هذه السورة الحق ، دون غيرها ، بل في الكل جاء الحق . وذكر في هذه السورة بهذا تأكيداً لما فيها من القصص والمواعظ ، وذكر الجنة والنار ومقام الفريقين . والقسم بأن يوفي لكل عمله ، وغير ذلك من الإخبار ، والمواعظ ، والتحريض على إقامة الصلوات وغير ذلك . وليس إذا كان في هذه الحق فيما لا يكون في غيرها ، بل غيرها فيه الحق . وقد اختار قومٌ قول قتادة : إن المعنى : في هذه الدنيا ، وموعظة : لمن جهل ، ( وذكرى ) لمن عقل من المؤمنين .