Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 109-111)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } إلى قوله { ٱلْمُجْرِمِينَ } : والمعنى : ألم نرسل قبلك يا محمد إلا رجالاً يوحى إليهم بالأمر ، والنهي ، والدعاء إلى توحيد الله ( عز وجل ) ، وهم { مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } ، أي : من أهل الأمصار دون أهل البوادي . أي : لم نرسل نبياً ، ولا ملائكة . ثم قال ( لهم ) : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } ، أي : أفلم يسر المشركون في الأرض ، فيعتبرون بمن كان قبلهم من الأمم ، الذين كذبوا رسلهم ، ويخافون أن يهلكوا بذنوبهم كما هلك من كان قبلهم . ثم قال : { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } : أي : الجنة خير لهم لو آمنوا من دار الدنيا . ثم قال تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ } الآية ، ومعنى الآية : أنها مردودة على ما قبلها ، وهو قوله ( تعالى ) : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } فالمعنى : حتى إذا استيأس الرسل الذين تقدم ذكرهم ، من إيمان قومهم ، وأيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم . جاء الرسل نصرنا . فيكون الفعلان " للرسل / " والضميران في " أنهم " ، وجاءهم للرسل أيضاً ، هذا على قراءة من شدَّد " كُذِّبوا " . قال هذا التفسير : الحسن ، وقتادة وتحتمل هذه القراءة معنىً آخر ، وهو أن يكون المعنى : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان من كذبهم ( من ) قومهم ، وظنوا أن من آمن من قومهم قد كذبوهم ، لما لحقهم من البلاء والامتحان ، جاء الرسل نصرنا . ( وهذا المعنى مروي من عائشة رضي الله عنها : ( روى عروة عنها أنها ) قالت : مَحَنَ المؤمنين بالبلاء ، والضر حتى ظن الرسل أن المؤمنين قد كذبوهم لما لحقهم , فيكون الظن بمعنى : الشك لا بمعنى اليقين . فأما المعنى على قراءة من خفف " كذبوا " فعلى تقدير : حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كُذِبُوا : أي : أخلفوا لما وعدوا به من النصر . جاء الرسل نصرُنا . فيكون الظن بمعنى : اليقين ، وبمعنى : الشك ، وتحتمل هذه القراءة أيضاً معنى آخر ، وهو أن يكون التقدير : { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ } من إيمان قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم . ثم رَدَّ إلى ما لم يسم فاعله . وقد قرأ مجاهد " كَذَبُوا " بفتح الكاف والتخفيف ، ومعناه : وأيقن الرسل أن قومهم قد كذبوا في ردهم على الرسل . وقيل : الظن بمعنى : الشك ، وهو للمرسل إليهم . والمعنى : وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله ، ( عز وجل ) ، وفيما وعدهم به من النصر عليهم ، والانتقام منهم . وقيل : معناه : حتى إذا استيأس الرسل من عذاب الله ( سبحانه ) قومها المكذبين لها ، وظنت الرسل أن قومها قد كذبوا ، وافتروا على الله ، ( سبحانه ) ، بكفرهم ، جاء الرسل نصرُنا . فالظن على هذا بمعنى اليقين . وقيل : المعنى : استيأس الرسل أن يأتي قومهم العذاب ، قالـ ( ـه ) مجاهد . وعن ابن عباس أن المعنى : وظن الرسل أنهم قد كذبوا ، واستشهد على ذلك بقول نوح : { إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ } [ هود : 45 ] ، وبقول : إبراهيم ، { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [ البقرة : 260 ] ( فيكون ) الظن بمعنى الشك . كأن الرسل دخلها شك كما يدخل سائر الخلق . وهذا تأويل فيه رجاء عظيم للمؤمنين ، وفيه صعوبة لما أضيف إلى الرسل من الشك ، والله أعلم بذلك كله . وعن ابن عباس أيضاً في معنى ظن الرسل أنهم أخلفوا ، وهو المعنى المتقدم . قال ابن عباس : كانوا بشراً ، يريد أن الأنبياء يعتريهم ما يعتري البشر . وروى الزهري : ( عن عروة بن الزبير ) أنه سأل عائشة رضي الله عنها ، عن هذه الآية ، وقرأها بالتشديد ، وقال : قلت لها : قد استيقن ( الرسل ) أن قومهم قد ( كذبوهم ) ، فقالـ ( ت ) : أجل ، قد استيقنوا ذلك . قلت : فلعلها ، وظنوا أنهم قد كذبوا بالتخفيف . فقالت معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها . قال : قلت : فما هذه الآية ؟ فقالت / هم أتباع الرسل الذين آمنوا بهم وصدقوهم ، وطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر ، حتى إذا استيأس الرسل ظن ( من كذب بهم من قومهم ) ، أن أتباعهم الذين آمنوا بهم قد كذبوهم ، جاءهم نصر الله عند ذلك . ومعنى : { فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ } ، ( أي ) : ننجي الرسل ، ومن نشاء من عبادنا المؤمنين . وقوله : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ } إلى آخر السورة المعنى : لقد كان في خبر يوسف وإخوته عبر لأهل الحجى ، والعقول ، يعتبرون بها ، ويتعظون : كل هذا مخاطبة ( لـ ) ـقريش ، وتنبيه لهم على لطائف الله ( سبحانه ) في خلقه ، وصنعه ، إذ ملك ( يوسف صلى الله عليه وسلم ملك ) مصر بعد أ ( ن ) بيع بالثمن الخسيس ، وبعد طول حبسه ، ثم جمع بينه وبين أبويه وإخوته . { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ } : أي : ليس لما قصصنا عليك ( يا محمد ) من خبرهم حديثاً يختلق . { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } : أي : هذا الذي قصصنا عليك يا محمد من خبرهم مصدق لما في التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وشاهد له أنه حق كله . ثم قال : { وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ } : أي : تفصيل كل ما بالعباد إليه الحاجة ، من بيان أمر الله ( عز وجل ) ونهيه وحلاله وحرامه . { وَهُدًى } لمن آمن به { وَرَحْمَةً } . والتقدير في نصبه { تَصْدِيقَ } و { تَفْصِيلَ } إنه على إضمار { كَانَ } أي : ولكن كان { تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً } : كله نصب ، عطف على خبر كان المضمرة . ويجوز الرفع في جميع ذلك في الكلام على معنى : ولكن هو تصديق الذي بين يديه ، وتفصيل ( كل شيء ) ، ورحمة . فإذا نصبت أضمرت كان ، وفيها اسمها مُضْمَرٌ . وإذا رفعت أضمرت هو لا غير .