Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 3-4)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ } - إلى قوله - { يَعْقِلُونَ } : المعنى : أن الله ، جل ذكره ، دلهم بعد / أن بين آية السماوات والأرض ، أنه هو بسط الأرض طولاً وعرضاً . قيل : إنها كانت مدورة فمدت . { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } ثابتة : أي : جبالاً ، والرواسي جمع راسية ، وهي الثابتة ، وجعل فيها أنهاراً للسقي ، والشرب ، والعسل ، وغير ذلك . ثم قال تعالى : { وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } : أي : نوعين ، والزوج : الواحد الذي له قرين ، والزوج : الصنف ، والنوع . وقال أبو عبيدة ، والفراء : والمراد بالزوجين : الذكر والأنثى من كل صنف ، وهذا خلاف ظاهر النص ، لأنه تعالى إنما ذكر الثمرات ، ولم يذكر الحيوان . فالمعنى : من كل الثمرات جعل صنفين حلواً وحامضاً ، وأحمر وأبيض ، ونحو ذلك ودليله قوله : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ } [ يس : 36 ] أي : خلق الأصناف كلها من نبات الأرض ومن غيرها . ثم قال : { يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ } : أي : يلبس الليل النهار ، فذلك كله فيه : آية لمن تفكر فيه ، واعتبر ، فعلم أن العبادة لا تصلح إلا لمن خلق هذه الأشياء ، ودبرها ، دون أن يملك ضراً ، ولا نفعاً . ثم قال تعالى : { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } الآية والمعنى : وفي الأرض قطع متدانيات ، وتتـ [ فـ ] ـاضل في النبات ، فمنها قطعة سبخة ، لا تنبت شيئاً ، وتجاورها قطعة طيبة تنبت . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك . وقيل المعنى : وفي الأرض أمكنة متجاورة تسقى كلها بماء واحد ، وهي مختلفة . طعام النبات والثمر : بعضها حلو ، وبعضها حامض ، وبعضها مُرٌّ ، وبعضها سباخ لا تنبت شيئاً . ففي ذلك مع اتفاق شرب جميعها من ماء واحد ، دلالة على نفاذ قدرة الله ( تعالى ) ، وتعظيم سلطانه ، و [ بـ ] ـدائع تركيباته سبحانه . وقيل : في ( الـ ) ـكلام حذف ، والمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات وغير متجاورات ، ثم حذف لعلم السامع . وقيل : المتجاورات : المدن ، وما كان عامراً ، والتي غير متجاورات : الصحاري ، وما كان غير عامر . وقوله ( { صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } : معنى صنوان : النخلة ، والنخلتان ، والثلاث ، والأربع أصلهن واحد ) ، { وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } : النخلة ، والنخلتان ، والأكثر كل واحدة في أصل متفرق ، قاله البراء بن عازب . وقال ابن عباس : معنى : الصنوان : النخلة التي يخرج من أصلها النخلات ، فيحمل بعضه ، ولا يحمل البعض . فيكون أصله واحداً ، ورؤوسه متفرقة . { وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } : كل واحدة من النخل في أصل واحد . ومعنى الآية عند الحسن ، ( رحمة الله عليه ) ، أنه مثل ضربه الله [ تعالى ] لقلوب بني آدم ، وذلك أن الأرض كانت في يد الرحمن طينة واحدة ، فبسطها ، وبطحها فصارت قط [ ـعاً ] متجاورات . فينزل عليها الماء ، فتخرج هذه زهرتها ، وثمرتها ، وشجرها ، وتخرج هذه ملحها ، وسبخها ، وخبثها : وكلتاهما تسقى بماء واحد . فلو اختلفـ ( ـت ) مياهها لقيل : إنما وقع الاختلاف لأجل الماء ، كذلك الناس خلقوا من آدم . وينزل عليهم من السماء ماءاً : يذكرهم فترق قلوب ، وتخشع قلوب / وتخضع ، وتقسو قلوب ، وتلهو وتسهو . قال الحسن : والله ما جالس القرآن أحدٌ ، إلا قام من عنده بزيادة ، أو نقصان . دليله قوله : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } [ الإسراء : 82 ] . قال أبو محمد ، رضي الله عنه ، هذه الآية نبه الله تعالى ( فيها على ) قدرته وحكمته ، وأنه المدير للأشياء كلها . وذلك أن الشجرة تخرج أغصانها ، وثمارها في وقت معلوم لا تتأخر عنه ، ولا تتجاوزه . فدل ذلك على مدبر فعل ذلك . إذ لا يقدر الشجر على ذلك ، ثم يتصعد الماء في ذلك الوقت علواً علواً ، وليس من طبعه إلا التسفل . فدل ذلك على مصعد صعَّده ، إذ لا يقدر الماء والشجر على ذلك ، ثم يتفرق ذلك الماء في الورق والأغصان ، والثمرة كل بقسطه ، وبقدر ما فيه صلاحه ، فدل ذلك على مقسم قسَّمة ، ومجزئ جزأه على العدل والقوام . ثم تختلف طعوم الثمرات والماء واحد . والشجر جنس واحد . فدل ذلك على مدبر ( دبر ) ذلك ، وأحكمه لا يشبه المخلوقات : فهذا وأشباهه يدل على توحيد الخالق بالعقول ، وإفراده بالقدرة على كل شيء وبالحكمة واللطف في أفعاله بالرسل . إنما أكدت هذا الذي هو ظاهر للعقول من إيجاب التوحيد ، وإثبات الصانع ما بينت الرسل من الشرائع . وكل القراء كسر الصاد من " صِنوان " ، إلا ما رواه ( أ ) بو شعيب : عن حفص ، ( عن عاصم ) أنه قرأ بضم الصاد فيهما . وهي لغة ( بني ) تميم ، وقيس . والكسر لغة أهل الحجاز ، وواحده صِنْوٌ كقنوان ، واحدهُ . قِنْوٌ ، ونِسوانٌ : واحده نِسْوةٌ ، ولا يعتد بالهاء . وحكى سيبويه " قُنْوان " بالضم . ثم قال تعالى : { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ } : ( أي : يسقى ذلك بماء واحد ) من السماء ، ( و ) بعضها يَفْضُلُ بعضاً في الأكل : كالحلو ، والحامض ، والمر . قال ابن جبير : هي الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ ، والكمثري ، والعنب الأبيض ، والأسود ، ويكون بعضها أكثر في الحمل من بعض . والأكل : الثمر الذي يؤكل . ثم قال تعالى : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } : أي : ( إن ) في اختلاف مطاعم هذه الشجر على ما تقدم وصفه لآيات : لعلامات لقوم يعقلون فيستدلون على أن الذي خالف بين هذه الشجر في الطعم والماء واحد ، والأرض واحدة : لهو الذي يقدر على مخالفة أحوال خلقه ، فيقسم لهذا هداية ، ولهذا ضلالة ، وتوفيقاً لهذا ، وخذلاناً لهذا . ولو شاء لَسَوَّى بين ( جميع ) طعم ثمر الشجر كله . كذلك لو شاء [ الله ] لسوى بين جميع الخلق في الهداية ، أو في الضلالة .